تتصاعد حمى التوتر على الحدود السودانية التشادية في أعقاب مقتل أكثر من عشرين شخصاً في اشتباكات قبلية نهاية الأسبوع الماضي على الحدود بين ولاية غرب دارفور (أقصى غرب السودان) بين مجموعة من القبائل العربية على الجانب السوداني، وقبيلة الزغاوة على الجانب التشادي.
وشهدت السنوات الأخيرة اشتباكات بين الطرفين على الحدود الفاصلة بين البلدين. وكانت آخر تلك الاشتباكات الأربعاء الماضي إثر تبادل الاتهامات بسرقة المواشي، وراح ضحيتها 18 شخصاً من القبائل العربية، و6 من الزغاوة في تشاد وجُرح 15 آخرين على الطرف السوداني، جرى نقلهم إلى الخرطوم لتلقي العلاج.
وطبقاً لمعلومات "العربي الجديد"، فإن القبائل العربية بولاية غرب دارفور واصلت حتى اليوم السبت حشد أبنائها وتسليحهم للثأر لقتلاها، رغم التأكيدات التي أطلقتها السلطات السودانية بترك ملف إدارة الأزمة للسلطة المركزية لحل المعضلة مع السلطات التشادية بما يضمن القبض على المتورطين في عمليات القتل واستعادة المئات من الإبل المنهوبة.
وفي هذا الصدد، عقد وزير الخارجية السوداني المكلف، علي الصادق، اليوم السبت، لقاءً مع سفير جمهورية تشاد لدى السودان عبد الكريم كبيرو، وأبلغه احتجاج السودان وإدانته للحادث الذي جرى في الثالث من أغسطس/ آب الجاري في ولاية غرب دارفور، إثر دخول متفلتين من تشاد إلى الأراضي السودانية وقتلهم وجرحهم عدداً من المواطنين السودانيين وسرقة مئات الرؤوس من الإبل وعودتهم إلى تشاد.
وطالب الوزير، حسب بيان من الخارجية السودانية، دولة تشاد ببذل جهدها للقبض على الجناة، ورد المسروقات إلى أهلها في السودان بأسرع ما يمكن.
ونقل البيان عن السفير التشادي قوله إن بلاده لن تدخر وسعاً في الحفاظ على هذه العلاقات السودانية التشادية وتطويرها بما يخدم الأمن والسلام والاستقرار على جانبي البلدين، مشيراً إلى أن انجمينا لن تسمح بحدوث كل ما من شأنه أن يعكر صفو هذه العلاقة.
وضع قابل للانفجار
تعليقا على هذه التطورات، قال الصحافي المقيم في ولاية غرب دارفور، عبد الله صغيرون، لـ"العربي الجديد" إن "الأوضاع المتوترة على الحدود السودانية التشادية المتاخمة لغرب دارفور تحتاج لتدخل على مستوى قيادات البلدين، وإلا ستكون لها تداعيات خطرة على العلاقات السودانية التشادية وعلى مجمل الأوضاع الأمنية على الحدود".
وأوضح صغيرون أن "أخطر ما في الأمر هو أن المجموعات القبلية المتنازعة تمتلك أسلحة ثقيلة متعددة، بالتالي يصبح الوضع قابلاً للانفجار في أي لحظة".
أما المحلل السياسي السوداني، عبد الله آدم خاطر، فيرى أن ما جرى في الحدود السودانية التشادية ليس بمعزل عن حمى المعارك والاستقطابات المتعددة المرتبطة بمرحلة ما بعد النزاع المسلح، موضحا في تصريح لـ"العربي الجديد" أنه "يتم فيها التكالب على الثروات بين مجموعات لديها ارتباطات إقليمية ودولية".
ويشبه كل ذلك بما يحدث في كثير من بلدان غرب أفريقيا حيث التنافس الأميركي الفرنسي الروسي على الاستحواذ على الموارد المعدنية الثمينة، مؤكداً أن السودان لن يكون قادراً على مواجهة تحدي التعقيدات الأمنية كلها والمنافسة الإقليمية والدولية الشرسة، إلا بالتحول الديمقراطي، وتكوين حكومة مدنية.
علاقات تتعرض للاختبار
وتابع خاطر قائلا "بدونها لا يمكن إنهاء المشكلات الحالية، خصوصاً أن السلطة الانقلابية الحالية حالها حال كل الأنظمة العسكرية في السودان فاشلة في إدارة الأزمات الأمنية عكس ما يدعيه البعض عن قدرة الأنظمة العسكرية في تحقيق الأمن".
وأشار خاطر إلى أن العلاقات التشادية السودانية، قبل وبعد الحادث الأخير، تتعرض لاختبارات عديدة ربما تتسبب في انهيارها، منوهاً إلى اتهامات تشادية غير رسمية في الفترة السابقة عن تورط قوات الدعم السريع في محاولة انقلابية فاشلة في تشاد.
وفيما لفت إلى أن "تلك المسائل قد لا تكون صحيحة لكن في عالم السياسة تسود الانطباعات أكثر من الحقائق"، أكد أن السودان هو الأقدر على معالجة تلك التخوفات متى ما وجدت حكومة مدنية ذات مصداقية.
وأمس الجمعة، عقد مجلس الأمن والدفاع، اجتماعا طارئاً برئاسة رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان، وشاركت فيه عبر الفيديو، لجنة أمن ولاية غرب دارفور، وناقش تطورات الأحداث وتوغل مجموعات مسلحة من الجانب التشادي إلى داخل الأراضي السودانية بمنطقتي بئر سليمة وعرديبة، ما أدى إلى إزهاق عدد من الأرواح، ونهب عدد كبير من الماشية. وأبدى المجلس قلقه من تطور الأزمة وانزلاقها لصراع اجتماعي له أبعاده وانعكاساته داخليا وخارجيا، حسب ما جاء في بيان للمجلس.
وقرر المجلس، كذلك مواصلة الجهود السياسية والدبلوماسية لاحتواء الموقف والتهدئة، وحث الجانب التشادي على ملاحقة المجرمين وإرجال المال المسروق بأسرع ما يمكن، بجانب العمل على تعزيز قدرات ودور القوات المشتركة السودانية التشادية وضبط التحركات على الحدود بين البلدين بما في ذلك تحركات الرعاة، والعمل على مراقبة الأنشطة المختلفة وتطبيق الإجراءات الرسمية على كافة التحركات، مثلما هو معمول به لدى الجانب التشادي.
وأنشأ السودان وتشاد نتيجة تقلب العلاقة بينهما لعقود، قوات مشتركة من جيشهما بعد توقيعهما في عام 2010 على بروتوكول أمني. وتضم القوات المشتركة 5 آلاف جندي وأكثر من 350 عنصراً من قوات الشرطة، وتكون قيادتها بالتناوب بين البلدين كل 6 أشهر، على أن تنحصر مهمتها في حفظ الأمن على الحدود، وإنهاء وجود المجموعات المسلحة، ووقف تهريب الأسلحة، ومحاربة الهجرة غير الشرعية وتجارة البشر، والحد من النزاعات القبلية.
وعلى الرغم من النجاحات التي حققتها طوال أكثر من 12 عاماً، لكن القبائل السودانية على الحدود تبدي تحفظات على طبيعة تكوين القوات المشتركة، وترى أن المكون التشادي داخل القوات المشتركة، داخله عناصر قبلية كثيراً ما تنحاز لمكوناتها وقت النزاعات القبلية، بالتالي لا تؤدي عملها بالمهنية والحيادية المطلوبة.
تساؤلات وسط القبائل
ومن اللافت أن الحادثة الأخيرة وقعت أثناء وجود نائب رئيس مجلس السيادة، قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو، المعروف بـ"حميدتي"، والذي تتفرغ خلال أكثر من شهر للعمل بدارفور، وولاية غرب دارفور على وجه التحديد، وسعى للإشراف على المصالحات القبلية في الولاية وفرض الأمن وسيادة حكم القانون في الإقليم المضطرب.
كما أن الحادثة نفسها وقعت أثناء زيارة يوم واحد قام بها دقلو إلى العاصمة التشادية انجمينا ولقائه الرئيس محمد ديبي، برفقة عدد من قادة الأجهزة الأمنية، وسبقهم إلى المكان نفسه حاكم إقليم دارفور ميني أركو ميناوي.
وأثار ذلك تساؤلات وسط القبائل العربية التي أصدرت بياناً اعتبرت فيه ما حدث كله ضمن محاولات الانفراد والسيطرة على إقليم دارفور ومكوناته الاجتماعية والمتاجرة بملفه الأمني. كما استنكر البيان وقوع الجريمة على بعد ثلاثة كيلومترات فقط من تمركز القوات المشتركة السودانية التشادية، مشيراً إلى أن ذلك يكذب زخم المصالحات والحديث عن فرض هيبة الدولة.
لكن دقلو الذي شارك في تشييع ضحايا الحادثة، طالب المواطنين بالتحلي بضبط النفس بما يمكّن الدولة من اتخاذ الإجراءات اللازمة التي تحفظ حقوقهم، مؤكداً أن حماية المواطنين مسؤولية الدولة، بوصفها المسؤولة عن حماية حدود البلاد.
وتعهد بزيارة منطقة الحادث للتقصي أكثر ووضع التدابير الملائمة لعدم تكرار الحادث، لافتاً الى أن مسألة تكرار الاعتداءات على المواطنين على الحدود السودانية التشادية هي مسؤولية القوات المشتركة، وأن هنالك قرارات ستتخذ، موجهاً المواطنين بعدم التجمهر.