تركيا: حراك توسيع التحالفات السياسية يسبق الانتخابات

تركيا: حراك توسيع التحالفات السياسية يسبق الانتخابات

16 نوفمبر 2021
أردوغان وكرم الله أوغلو خلال لقائهما الأربعاء (مراد جاتين مهردار/الأناضول)
+ الخط -

تشهد الساحة السياسية التركية حراكا سياسيا مكثفا في الفترة الأخيرة، كلما اقترب موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقررة في يونيو/حزيران 2023، في حال لم يتم تقديمها وإجراؤها بشكل مبكر. وهو ما دفع الأطراف السياسية في التحالف الحاكم والمعارضة، لرصّ صفوفها وتعزيزها، من أجل رفع أعداد ناخبيها، في ظل تطورات هامة على الساحة السياسية، مع فرزها في الفترة الأخيرة طبقة جديدة بسبب تشكّل أحزاب عدة خلال العامين الأخيرين. وعزّز ذلك حصول انشقاقات ضمن التحالف الجمهوري الحاكم وتحالف الشعب المعارض، ودخول العامل الكردي عنصراً داعماً للمعارضة ضد حكم الرئيس رجب طيب أردوغان المستمر منذ 18 عاماً، رئيساً للوزراء بين عامي 2003 و2014، ورئيساً للجمهورية منذ عام 2014. وفي ظل لقاءات متكررة تكثفت أخيراً بين الأحزاب المعارضة، التقى أردوغان رئيس حزب السعادة الإسلامي المعارض تميل كرم الله أوغلو، يوم الأربعاء الماضي في أنقرة، في لقاء وإن كشف أنه كان مخططاً له منذ فترة بعيدة، لكن توقيته لفت الأنظار. واستمر اللقاء لأكثر من ساعتين، ما دفع بعض المتابعين للحديث عن احتمالات ضمّ الحزب الإسلامي إلى التحالف الجمهوري الحاكم لتوسيع القاعدة الشعبية، خصوصاً أن أردوغان استقطب سابقاً رئيس الهيئة الاستشارية لحزب السعادة، القيادي الراحل أوغوزهان أصيل تورك، الذي توفي في 1 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وكان يقود حملة من أجل تغيير التوازنات في حزب السعادة، تمهيداً للانضمام للتحالف الجمهوري. مع العلم أنه خلال الانتخابات السابقة اتخذ حزب السعادة موقفاً إلى جانب المعارضة في إطار تحالف الشعب المعارض، وتمكن التحالف من تحقيق النجاحات بالانتخابات المحلية التي جرت في عام 2019، عبر الفوز بكبريات المدن التركية، وأهمها إسطنبول والعاصمة أنقرة. وعقب اللقاء مع أردوغان، أفاد كرم الله أوغلو بأنه "كان لدينا طلب من أجل مقابلة الرئيس أردوغان، واليوم حصلنا على الموعد، واستغرق اللقاء أكثر من ساعتين وتناولنا فيه مسائل تتعلق بالبلاد والقضايا الدولية. كانت هناك بعض النقاط المشتركة وأخرى مختلفة، ولكن اللقاء كان ودياً ويعتبر جيداً، ولا يمكن القول أكثر من ذلك"، فيما نقلت وسائل إعلام محلية عن الرئاسة التركية قولها أن اللقاء كان "إيجابياً".


حزب السعادة: أردوغان أكثر من تضرر بالنظام الرئاسي

وكان زعيم حزب السعادة قد أجرى في الفترة السابقة لقاءات مع زعماء مختلف الأحزاب السياسية، كما خصص فريقاً قانونياً من الحزب للتعاون مع ستة أحزاب سياسية معارضة من أجل إعداد مسودة دستور جديد يعتمد على النظام البرلماني، الذي يؤيده الحزب مهاجماً النظام الرئاسي المعتمد من أردوغان. وشكّل موضوع نظام الحكم خلافاً بين التحالف الحاكم والمعارضة، إذ تدفع الأخيرة نحو النظام البرلماني والتعددية التي تسمح للرقابة المؤسساتية بين أجهزة الدولة، وتعزز فصل السلطات من دون تدخل، وتتهم أردوغان بالتفرد بالحكم عبر النظام الرئاسي. وهو ما يدل على أن مهمة أردوغان في البحث عن حلفاء جدد لن تكون سهلة نظراً للهوة الكبيرة بينه وبين بقية الأحزاب، وبات حزب السعادة من أهداف الرئيس التركي، نتيجة لاستطلاعات الرأي التي أظهرت تراجعاً في شعبية حزب "العدالة والتنمية". ويعمل أردوغان في سياق بحثه عن حلفاء جدد، على الانطلاق من حزب السعادة، بسبب تقاطع أصوله السياسية مع نفس أصول "السعادة" الإسلامية والوطنية، لجهة العمل تحت قيادة رئيس الوزراء الراحل نجم الدين أربكان. وفي سياق متصل، سعى حليف أردوغان، زعيم حزب الحركة القومية دولت باهتشلي في وقت سابق، للتفاوض مع زعيمة الحزب الجيد، ميرال أكشنر، ودفعها للانضمام للتحالف الجمهوري، لكنها رفضت ووضعت شرطاً يقضي بالعودة للنظام البرلماني.

واكتسب الحوار مع كرم الله أوغلو، أهمية لدى أردوغان بعد توليه منصب رئيس الهيئة الاستشارية العليا خلفاً للراحل أصيل تورك، ليقوي موقعه في الحزب. وتفيد مصادر لـ"العربي الجديد"، بأن زعيم حزب السعادة اقترح العودة للنظام البرلماني، مقدماً وجهة نظر تفيد بأن أردوغان أكثر من تضرّر من النظام الرئاسي. وتحدث كرم الله أوغلو عن مشاكل اقتصادية، في ظلّ وجود انطباع حول غياب العدالة في المجتمع، رغم عدم اقتناع أردوغان بذلك، إلا أن شرائح في المجتمع تعاني من هذا الغياب. ودعا زعيم السعادة الرئيس التركي لإراحة هذه الشرائح بخطوات دقيقة يجب أن يقدم عليها. وجسّ أردوغان النبض عن موقف حزب السعادة من تحالف الشعب المعارض وإمكانية انتقاله للتحالف الجمهوري الحاكم، على أساس رغبته في تشكيل تحالف يميني قومي محافظ. وهذا السبب هو ما دفعه للتواصل مع أكشنر.


إمكانيات التوافق بين الحزب الحاكم وبقية الأحزاب شبه معدومة

وحول مجريات لقاء الأربعاء، كشف نائب رئيس حزب السعادة، بولنت كايا في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أنه "كانت هناك فرصة خلال اللقاء المطول للتطرق لكثير من المسائل والمواضيع التي تعتبر هامة وتخص البلاد، وتعتبر مشاكل تعاني منها تركيا". ونفى أن يكون الحديث تناول موضوع التعاون والانضمام للتحالف الجمهوري، مشدّداً على أنه "لم يكن هناك أي أجندة تشمل التعاون بين الحزبين، بل على العكس كان لرئيس حزب السعادة لقاءات مع رؤساء باقي الأحزاب في الفترة السابقة، واللقاء مع أردوغان يندرج في هذا السياق. ولم يطرح حتى الآن موضوع التعاون، بل نقل الحزب مخاوفه من مسائل البلاد العالقة وسبل حلها".

وعن مستقبل اللقاءات أفاد كايا بأن "ما يمكن أن يأمله حزب السعادة هو أن يفهم الحزب الحاكم المخاوف التي ساقها الحزب لمشاكل البلاد، والإقدام على خطوات من أجل حلها، خصوصاً في ما يتعلق بالوضع الاقتصادي والسياسة الخارجية والخطاب السياسي المتشدد والنظام الرئاسي وسلبياته. ونأمل أن تكون هناك خطوات إيجابية في هذا الإطار، وكان بحث هذه المسائل نقطة إيجابية بين الطرفين، وعندما تكون هناك حاجة ستكون لقاءات أخرى. وحين يرى حزب السعادة أجندة مفيدة يمكن أن يجتمع مع أي من الأحزاب بما فيها الحزب الحاكم".

من جهته، اعتبر المحلل السياسي، المقرّب من حزب العدالة والتنمية الحاكم، بكير أتاجان في حديث مع "العربي الجديد"، أن إمكانيات التوافق بين الحزب الحاكم وبقية الأحزاب شبه معدومة، موضحاً أن "هناك أطرافاً شعبية موالية للرئيس أردوغان تطالب في الفترة الأخيرة بفتح قنوات تواصل مع من تعتقد أنهم يميلون إلى حزب العدالة والتنمية، وتحاول التقرب منه. ومن أجل إزالة هذه الضغوط والاستجابة لها، تم ترتيب اللقاء بين أردوغان وكرم الله أوغلو، ولكن هناك فروقا كبيرة في وجهات النظر بين قيادات وقاعدة الحزبين، وأكبر مثال على ذلك نظام الحكم، إذ يدعم الحزب الحاكم النظام الرئاسي ويطالب حزب السعادة بالنظام البرلماني. كما أن الموضوع السوري يشكّل نقطة خلافية، إذ تطالب الحكومة وتدفع باتجاه التعاون بين تركيا وأي طرف سوري ديمقراطي، بينما يقبل حزب السعادة حوار الدولة التركية مع (رئيس النظام السوري بشار) الأسد، وبالتالي هناك أفكار مختلفة متناقضة بين الطرفين".


سعت الحركة القومية لاستمالة الحزب الجيد من دون جدوى

وأضاف أتاجان أن "التوجهات مختلفة وهناك هوة كبيرة بين الطرفين، على الصعيد الداخلي والخارجي، على الرغم من أنهما من توجه سياسي واحد، وهو الرؤية الوطنية التي أسسها الزعيم الراحل نجم الدين أربكان. أما التصريحات الإيجابية من قبل الطرفين فهي للصحافة فقط، ودليل على عدم توافقهما". ورأى أن "الطرفين لم يعلنا عن أي نقاط توافق بينهما عبر الإعلام، واكتفيا بالقول إنه لقاء إيجابي، ولكن بناء على ماذا؟ هذا ما لم يعلن. الإطار العام للقاء كان ودياً ولكن لا توافقات، وأعتقد أن أردوغان يسعى للقاء أحزاب أخرى في مسعى لتوسيع تحالفه، لكن الأمر لن يكون سهلاً".

من جانبه، رأى الصحافي يوسف سعيد أوغلو في حديث مع "العربي الجديد"، أن "احتمالات ضم أحزاب جديدة للتحالف الحاكم تبدو صعبة، خصوصاً الأحزاب الكبرى، فيما الأحزاب الصغيرة لا تأثير لها، ولا يمكن أن تنعكس بشكل كبير على أصوات التحالف الجمهوري. وهو ما يؤكد على أن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي ستجري في عام 2023، أو في حال تمّ تبكيرها، ستكون مصيرية. وهو ما بات يستشعره الرئيس أردوغان ويسعى لتأمين شريحة كافية تؤمن فوزه بكل أريحية، من دون الدخول في حساب أعداد محددة من الأصوات، لكن الأمر يبدو صعباً في الوقت الحالي بسبب كثرة المشاكل الداخلية المرتبطة بالاقتصاد واللاجئين والمواقف الدولية المتصلبة التي يتخذها أردوغان".

المساهمون