تدفع المعارضة التركية منذ نحو عام باتجاه إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة عن موعدها المقرر في عام 2023، وتضغط على الحكومة التي تملك الصلاحيات في ذلك، لأن المعارضة تفتقد للأغلبية النيابية.
وأمام إصرار المعارضة، ترفض الحكومة هذه المساعي، حتى إن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وحليفه رئيس حزب الحركة القومية اليميني، دولت بهتشلي، أكدا عدة مرات أن الانتخابات ستجرى في موعدها، لكن ثمة مؤشرات بحسب متابعين إلى أن الانتخابات قد تجرى مبكراً.
وعزز تقديم مواعيد تدشين مشاريع كبرى في تركيا إلى عام 2022 رؤية بعض المتابعين بأن تجرى الانتخابات في نهاية العام المقبل، أي أنها تكون مبكرة واستغلال تدشين هذه المشاريع في الدعاية الانتخابية لحزب العدالة والتنمية.
وتعمل الأحزاب التركية، بشكل عام، على تدشين مشاريعها في فترة الانتخابات لتقديم نفسها على أنها قادرة على تقديم الخدمات للدولة والمواطنين، وخاصة حزب العدالة والتنمية الذي أقنع ناخبيه في سنوات حكمه بإنجازات نقلت البلاد إلى مراحل متقدمة.
ومع إعلان أردوغان أن السيارة الكهربائية محلية الصنع "توغو" سيتم تدشينها وطرحها في الأسواق بنهاية عام 2022، اندفع المتابعون بتوقع تدشين مشاريع أخرى في نفس العام مع تسريبات عن تسليم مشاريع مبكراً.
وقال الكاتب والصحافي الشهير، فاتح ألطايلي، في مقال له بصحيفة "خبر تورك"، إنه "ليس من المستغرب أن يتم الكشف عن المقاتلة المحلية في عام 2022 بدلاً من العام التالي، أو الاستغراب من تمديد الغاز المكتشف محلياً لمنازل الأتراك بحلول العام المقبل بدلاً من عام 2023، تماماً كما حصل بموضوع السيارة المحلية".
وتحاول المعارضة الاستفادة مما تقول إنه تراجع في شعبية أردوغان، بحسب استطلاعات الرأي، وتراجع أصوات حزب العدالة والتنمية بسبب تطورات جائحة كورونا وتبعاتها على الاقتصاد، فضلاً عن الجو العام المسيطر على المعارضة لتوحدها خلف هدف إطاحة حكم الرئيس أردوغان.
كما أن الرئيس أردوغان بدأ منذ فترة بحملة للتقرب أكثر من الجماهير من خلال محاولته التقاء شرائح مجتمعية متعددة، وخاصة فئة الشباب، حيث يشاركهم الغناء ويجيب عن أسئلتهم، ويؤكد أهمية الاقتصاد وتحسين الوضع المعيشي واسترجاع احتياطيات المصرف المركزي.
وزار أردوغان قبل فترة ولاية دياربكر، ذات الغالبية الكردية، فيما قيل إنه تدشين للحملة الانتخابية. وتعتبر التعديلات المنتظرة في تدشين المشاريع العملاقة إلى نهاية العام المقبل كمؤشر على اقتراب موعد للانتخابات.
ولتقديم موعد الانتخابات يتوجّب الحصول في البرلمان على 400 صوت من أصل 600، أو عبر قرار رئاسي يصدر من رئيس البلاد، ومقابل ذلك تسعى المعارضة للدفع بموقف واحد والاتفاق على مرشح رئاسي قادر على إطاحة أردوغان، وترص صفوفها بمختلف مكوناتها وتوجهاتها.
الصحافي يوسف سعيد أوغلو قال في تصريح لـ"العربي الجديد" إن "ثمة مؤشرات طرحت مؤخراً تشي باقتراب الانتخابات على الصعيد الداخلي والخارجي، عبر سلسلة من الإجراءات التي يقدم عليها التحالف الجمهوري الحاكم".
وأضاف: "من بين هذه الإجراءات زيارات ولقاءات أردوغان المتكررة ومحاولة ظهوره مع الشارع التركي، تُضاف إليها الحملات التي تستهدف الاقتصاد، وأهمها الردّ على ادعاءات المعارضة بإفراغ احتياطيات المصرف المركزي التي كانت 128 مليار دولار وانخفضت لقرابة 80 مليار دولار، حيث أعلن أردوغان أن هذه الاحتياطيات قاربت 120 ملياراً مجدداً".
ولفت إلى أن "مواضيع تهم الداخل أيضاً باتت الشغل الشاغل، منها موضوع الدستور الجديد، والتعامل مع أزمة اللاجئين وإيجاد حلول لها، وكذلك الأمر مع ملف تحسين العلاقات الدولية وتهدئة حدة الخطاب مع الغرب، وأخيراً الأحاديث الجارية عن تقديم مواعيد تدشين المشاريع الكبرى، ولكن كل هذه الجهود والمحاولات هل هي كفيلة بنجاح التحالف الحاكم؟ هذا أمر يصعب التكهن به، لأنها ستكون من أصعب الانتخابات على الرئيس أردوغان".
من ناحيته، قال المحلل السياسي رامي أيوب أوغلو، لـ"العربي الجديد"، إن "الانتخابات لا محالة ستكون مبكرة العام المقبل على أبعد تقدير، بسبب الأوضاع الاقتصادية وحالة التذمر التي تسود الشارع التركي، ودعوة المعارضة المستمرة للحكومة بأن تكون صناديق الاقتراع هي الحكم. بالنهاية لا بد من أن تلقى هذه الدعوات الصدى وأن يجنح التحالف الحاكم للانتخابات".
وأضاف أن "حالة التذمر تنطلق من عدم وجود حلول للأوضاع الاقتصادية في ظل غلاء المعيشة وانخفاض قيمة العملة المحلية، وعدم استقرار سعر الصرف، وهو ما أدى إلى جنون في الأسعار، والحالة الاقتصادية هي المحدد الأساس في تركيا، وتؤثر على مزاج الناخبين، وستكون انتخابات محتدمة ومنافسة كبيرة بين التحالفين الحاكم والمعارض".