تركيا: حراك تحالفات تحسباً لانتخابات مبكرة

تركيا: حراك تحالفات تحسباً لانتخابات مبكرة

29 يناير 2021
خلال لقاء بين كلجدار أوغلو وباباجان في أنقرة، أكتوبر الماضي (أيتاج أونال/الأناضول)
+ الخط -

يشهد الشارع السياسي التركي، منذ فترة، حراكاً مكثفاً لترتيب أوراق التحالفات السياسية، في سعي من كلّ طرف إلى تقوية مكانته ورفع أعداد ناخبيه، استعداداً لأي انتخابات مبكرة مفاجئة قد تجري خلال العام الحالي، أو في 2022. والانتخابات العامة المقبلة في تركيا مقررة في يونيو/حزيران 2023، وهي تشمل الانتخابات البرلمانية والرئاسية، لكن الشارع التركي أصبح معتاداً على الانتخابات المبكرة، وهو ما يدور الحديث عنه اليوم مجدداً، وبكثافة، في الكواليس بين الأحزاب والحلفاء. وعلى الرغم من إغلاق حكومة حزب "العدالة والتنمية" الحاكم كل الأبواب في وجه أي حديث عن تبكير الانتخابات، إلا أن هذا الحزب يبحث في الوقت ذاته عن تقوية تحالفاته، خشية تراجع شعبيته. من جهتها، تدفع المعارضة بشكل مكثف من أجل إجراء الانتخابات المبكرة، مستفيدة من الوضع الاقتصادي المتراجع، وزيادة الأصوات المطالبة بضبط الأسعار، والتي ارتفعت نتيجة تقلبات العملة المحلية، وتأثيرات فيروس كورونا، والمواجهة بين تركيا وبين الولايات المتحدة ودول غربية أخرى.

تغلق حكومة حزب "العدالة والتنمية" الحاكم كل الأبواب في وجه أي حديث عن تبكير الانتخابات
 

واستهلت أحزاب المعارضة التركية عملية ترتيب صفوفها عبر عقد لقاءات متكررة بين زعمائها، خصوصاً مع تشكل أحزاب برلمانية جديدة منبثقة من الحزب الحاكم أو من المعارضة. وظلّت هذه اللقاءات ضمن الإطار التقليدي المتعارف عليه. وفي السياق، التقى زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض، كمال كلجدار أوغلو، أمس الخميس، في مقر الحزب في أنقرة، مع زعيم حزب "دواء" المعارض، رئيس الوزراء السابق علي باباجان، ضمن تكثيف المعارضة مشاوراتها لتأكيد جهوزيتها لإجراء انتخابات مبكرة. وعقب اللقاء، قال كلجدار أوغلو إن حزبه "جاهز لأي انتخابات مبكرة يتم الإعلان عنها". من ناحيته، أكد باباجان أنهم في حزبه أيضاً "مستعدون للانتخابات المبكرة"، وقال إن "هناك تعاوناً وحواراً مشتركاً بين أحزاب المعارضة، وإن موضوع التحالف انتخابياً يطرح وقت الانتخابات".

من جهته، أقدم حزب "العدالة والتنمية"، على خطوة هامة في طريق توسيع التحالف الحاكم، وسرّع هذه المرحلة، بزيارة قام بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى رئيس المجلس الاستشاري الأعلى لحزب "السعادة" الإسلامي، أوغوزهان أصيل تورك، في السابع من شهر يناير/كانون الثاني الحالي، وسط رسائل متباينة من قبل زعيم الحزب تمل قرة ملا أوغلو. وذهبت أطراف مراقبة للحديث عن سعي أردوغان لجمع الأحزاب المحسوبة على الإسلام السياسي للتحالف الجمهوري الحاكم، لمنع وقوفها إلى جانب المعارضة تماماً كما حصل في الانتخابات المحلية قبل عامين، والتي أسفرت عن تراجع في نسب أصوات حزب "العدالة والتنمية" مقابل تقدم للمعارضة.

وسبق زيارة أردوغان لأصيل تورك لقاء الرئيس التركي مع حليفه زعيم حزب الحركة القومية، دولت بهتشلي، الذي يبدو موافقاً على توسيع قاعدة التحالف الجمهوري الحاكم. وكان بهتشلي قد دعا زعيمة "الحزب الجيد"، ميرال أكشنر، المنشقة عن الحركة القومية، للعودة إلى حزبه والانضمام للتحالف الحاكم، لكن الشروط التي سردتها أكشنر إعلامياً، أظهرت استحالة العودة في ظلّ النظام الرئاسي، حيث تطلب المعارضة، ومن بينها حزب السعادة أيضاً، العودة إلى النظام البرلماني. لكن "السعادة" أبدى استعداده للحوار مع حزب "العدالة والتنمية" في حال تلقيه الدعوة، لتكون الزيارة التي أجراها أردوغان للمسؤول في الحزب بمثابة جسّ نبض، لاستكشاف الموقف والبناء عليه لتقديم عرض الانضمام للتحالف. وتقول أوساط مقربة من "العدالة والتنمية"، إن هناك جهوداً من أردوغان لكسب قاعدة شعبية أوسع قبل الدخول في أي انتخابات مقبلة، نظراً للمناخ العام المستاء من الأوضاع الاقتصادية. ولا يزال الرئيس التركي يراهن على الإنجازات التي قدمها حزبه، لكنه في الوقت ذاته يريد كسب مزيد من الحلفاء لضمان فترة رئاسية أخيرة له دستورياً. ويحق لأردوغان الترشح لفترة رئاسية أخيرة مدتها خمس سنوات.

يسعى أردوغان لجمع الأحزاب المحسوبة على الإسلام السياسي للتحالف الحاكم، تجنباً لتوجهها نحو المعارضة

وتعليقاً على هذا الحراك، قال المتحدث باسم حزب "السعادة"، بيرول آيدن، لـ"العربي الجديد"، إن "الحزب يعتقد أنه من الضروري توسع الحوار بين جميع الأطراف في تركيا، لتخفيف حالة الاستقطاب والتباحث بمشاكل البلاد". ورأى آيدن أنه "من المؤكد أن هناك تحليلات بأن زيارة أردوغان لأصيل تورك تدخل ضمن جهود عقد تحالف بين الطرفين، لكن الخروج بهذه النتيجة ليس صحيحاً، لأن حزب السعادة لا يزال مصّراً على مبادئه دون تغير، وهو لا يملك مطالب سياسية، بل مبادئ يرغب برسم طريق لحلّها". ونفى المتحدث أن يكون هناك حديث عن تحالف، وهي مسألة اعتبر بأنها "لا تزال مبكرة، وعند الدخول في المعركة الانتخابية، يمكن الجلوس والحديث عن التحالف، إلا أنه ليس من المبكر الحديث عن مشاكل تركيا، من النظام الرئاسي، وطريقة إدارة البلاد الخاطئة، ما يبشر بمستقبل صعب، فضلاً عن الوضع الاقتصادي والبطالة والفقر وتضرر العدالة، والمشاكل التي يعاني منها المواطنون". وأكد آيدن أن حزب "السعادة" يتحدث عن التحالف مع بقية الأحزاب على "أرضية حلّ المشاكل السابقة". هذا الكلام يوضح شروط الحزب في أي تحالف مستقبلي مع "العدالة والتنمية"، كما أن المتحدث رفض وجود توصيف لحزب "السعادة" بأنه حزب سياسي إسلامي، معتبراً أنه "لا يجوز التعميم بهذا الوصف على بقية الأحزاب". وشدّد آيدن على أن حزبه "يؤكد بكل وضوح، أنه ليس في وارد تشكيل أي تحالف من هذا النوع (تحالف إسلام سياسي)".

وتعقيباً على سخونة الأجواء السياسية في تركيا، اعتبر الباحث بالشأن التركي والعلاقات الدولية، طه عودة أوغلو، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "تركيا دخلت مع مطلع العام الحالي الأجواء الانتخابية بشكل واضح، وظهر ذلك جلياً من خلال التحركات التي قام بها الرئيس التركي قبل أسابيع، عبر زيارات مكوكية لحليفه زعيم الحركة القومية، ورئيس المجلس الاستشاري لحزب السعادة، وصفت من قبل المراقبين بأنها محاولة لضمّ حزب السعادة لتحالفه في ظلّ الضغوط المكثفة من قبل المعارضة". وأوضح عودة أوغلو أن هذه الضغوط "تتمثل بمحاولات حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، لجرّ البلاد نحو انتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة، على عكس رغبة الرئيس أردوغان الذي أكد قبل أيام بأن الانتخابات ستجرى في موعدها". وبرأيه، فإن "زيارة أردوغان لأصيل تورك، بدلاً من زيارته رئيس الحزب، هي من دون شك، إشارة واضحة إلى أنه يريد ضم الحزب وقاعدته الشعبية لتحالفه، بالإضافة إلى أنه يرغب بسحب السعادة من تكتل المعارضة، لإثبات بأن هذا الأخير هو تكتل يساري علماني، على عكس ما يقوله زعيمه (وزعيم حرب الشعب الجمهوري) كمال كلجدار أوغلو، بأن تكتلهم يشمل أحزابا ذات توجهات يسارية وعلمانية وقومية وإسلامية". وتصور الباحث أخيراً أن "يتمكن أردوغان من خلال حنكته السياسية، من توسيع تحالفه، وسحب البساط من تحت أقدام المعارضة".

المساهمون