ترامب والحزب الجمهوري... و"الزعيم الأوحد"

ترامب والحزب الجمهوري... و"الزعيم الأوحد"

29 مايو 2021
تتضخّم ظاهرة ترامب كصاحب سطوة يفرض على معظم الجمهوريين الطاعة (Getty)
+ الخط -

تمكّن الجمهوريون في مجلس الشيوخ الجمعة من تعطيل التصويت على مشروع إنشاء لجنة للتحقيق في اجتياح الكونغرس في السادس من يناير/ كانون الثاني الماضي. 6 من بينهم فقط أيّدوا المشروع. اللجنة المقترحة من عشرة خبراء غير سياسيين، وبالاشتراك مناصفة بين الحزبين، كان من المتوقع إقرارها منذ فترة وبشبه إجماع، باعتبارها تتعلق بقضية اعتداء غير مسبوق على قلب النظام الأميركي، ومحاولة التدخل بالقوة لمنع الكونغرس من التصديق على أصوات المجمع الانتخابي التي كانت لصالح جو بايدن، وثمة من رأى أنها كانت في أبعادها "أخطر من هجمات 11 سبتمبر"، وأن التهاون في نبش خفاياها وتحديد المسؤولين عنها قد يشجّع على تكرارها.

مع ذلك، آثر الجمهوريون حشد صفوفهم لقطع الطريق على هذه الخطوة، خوفاً من الرئيس السابق دونالد ترامب الذي أنذرهم من مغبة "الوقوع في فخ اللجنة"، والذي توعّد ضمناً بمحاسبتهم في انتخابات الكونغرس في 2022 لو وقفوا مع الديمقراطيين لتأمين العدد اللازم، 60 صوتاً، لتمرير اللجنة. فهو يدرك مخاطر وضع هذا الملف بيد هيئة من هذا النوع، مزودة بصلاحيات واسعة لسبر أغوار الحادثة ودوافعها، وأسباب الإخفاق الأمني الذي رافقها، والتقصير في استطلاع المعلومات المسبقة عنها، فضلاً عن أنها قد تستدعيه للإدلاء بشهادته في الموضوع. والجمهوريون الذين تعاملوا مع مسألة اللجنة بحسابات انتخابية وليس حزبية أو دستورية، رضخوا، خشية أن يقوم ترامب بتأليب قواعدهم الموالية له ضدهم في الانتخابات. 61% منها ما زالت تعتقد بأن الانتخابات الأخيرة "سُرقت من ترامب". 53% ترى حتى الآن أن " ترامب هو الرئيس".

بعد ستة أشهر من الانتخابات، ما زالت الجهات الموالية له تراجع عدّ الأصوات في بعض الولايات، مثل أريزونا، وتزمع توسيع دائرة إعادة الفرز ليشمل ولايات أخرى، بقناعة أنها تقوم بعملية قد تؤدي إلى إعادة النظر في النتائج و"ترئيس" ترامب! ولاء لا مثيل له في تاريخ الانتخابات. رضوخ الحزب الجمهوري "الذي لن يكون بوسع مرجعياته السابقة أن تتعرف عليه"، بعدما صار حزب ترامب، حسب وزير الدفاع الأسبق روبرت غيتس. وكلامه هذا يأتي في امتداد حديث متواصل منذ أشهر عن "استزلام" الحزب الجمهوري للرئيس السابق وممارساته التي "تهدّد الديمقراطية الأميركية"، وما قد يجلبه ذلك من "مخاطر أثناء الانتخابات المقبلة".

 

وبقدر ما تتزايد التحذيرات في هذا الخصوص، بقدر ما تتضخم ظاهرة ترامب كصاحب سطوة يفرض على معظم الجمهوريين الطاعة والولاء الكاملين، من غير أن يكون جمهورياً تاريخياً. وهذه حالة غريبة في الحياة السياسية الأميركية. تركيبة النظام لم تسمح بولادة هذا النوع من الزعامات التي عرفتها أوروبا بين الحربين الأولى والثانية في القرن الماضي. بين الفينة والأخرى، ظهرت في الساحة قيادات متسلطة استولت بطروحاتها على قطاعات شعبوية وشكّلت تيارات سياسية متمردة على المألوف. لكن تجاربها بقيت مرتبطة بأسماء أصحابها، وانتهت بخروجهم من الحكم أو بغيابهم عن المشهد. منهم السناتور الجمهوري جو مكارثي (1946 –1957)، الذي طغى على المسرح السياسي في مطلع خمسينيات القرن الماضي، من خلال حملته المهووسة ضد "الاختراق الشيوعي" لجهاز وزارة الخارجية، محرضاً مؤيديه المتطرفين لشنّ "حملة صليبية ضد الشيوعيين" في أميركا. هاجم الرؤساء والحزب والعسكر من موقعه المزعوم "كوطني كرّس نفسه لحماية الأميركيين الحقيقيين". في 1954، خسر الجمهوريون الانتخابات وجرى تحميله الملامة، وكانت تلك بداية انطفائه كظاهرة، وإلى غير رجعة.

في مطلع الستينيات، تكرّر السيناريو بنغمة مختلفة. حاكم ولاية ألاباما جورج والاس، الديمقراطي في البداية والجمهوري أخيراً، خاض معركة "التمييز إلى الأبد" بين البيض والسود، وجرّ معه عدة ولايات جنوبية. لكن الموجة لفظت أنفاسها، وأعلن هو توبته وتراجعه عن نزعته العنصرية المكشوفة، مع إقرار قانون الحقوق المدنية عام 1964، أيام الرئيس ليندون جونسون، ولو أن إزالة التمييز من النصوص لم تقتلعه من النفوس.

ترامب من هذا الفصيل، لكن بصورة مكبّرة. في ممارسته للسلطة، أقرب إلى "الزعيم الأوحد" الذي عرفته جمهوريات المنطقة العربية. الفارق أنه محكوم بمؤسسات ضابطة، مع أنه حاول خلخلتها ونجح في ذلك إلى حدّ ما. قاعدته تمسكت به وما زالت، لأنها ترى فيه صورتها وتمايزها المرغوب، وتسمع في خطابه صدى مشاعرها وهواجسها تجاه "الغير"، المحلي والأجنبي. وهو في المقابل استقوى بولائها، ليترجمه بإخضاع حزب عريق له، خلل لا يخفي العارفون قلقهم من تداعياته.

المساهمون