أزمات الحزب الجمهوري: سعي ترامب لإحكام قبضته يهدد بتمزيقه

أزمات الحزب الجمهوري: سعي ترامب لإحكام قبضته يهدد بتمزيقه

13 مايو 2021
أيّدت تشيني عزل ترامب (فرانس برس)
+ الخط -

شكّل يوم اقتحام الكونغرس في "كابيتول هيل" في 6 يناير/كانون الثاني الماضي، محطة فاصلة في التاريخ الأميركي، أنهت معها كل أحلام الرئيس السابق دونالد ترامب، في إقناع السلطات والجمهور بحصول تزوير في الانتخابات الرئاسية في 3 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. لكنها أيضاً خلقت نقاشاً جدلياً داخل الحزب الجمهوري، الذي اعتقد قادته أن بوسعهم الانتهاء من الحقبة الترامبية، عبر التركيز على مساوئ الرئيس الـ45 وعنفه الذي كاد أن يودي بالولايات المتحدة إلى حربٍ أهلية.

لكن حسابات قادة الحزب فشلت، مع تركيز ترامب على حصوله على دعم أكثر من 75 مليون ناخب أميركي، ومباشرته التمهيد لعودة ما إلى السلطة، عبر بوابة الانتخابات النصفية في الكونغرس، المقررة أواخر عام 2022. وانطلاقاً من القاعدة الشعبية الداعمة له، بدأ ترامب حملة لإزاحة القادة الرافضين له في الحزب الجمهوري، بالاستعانة بسلسلة من النواب والشيوخ المؤيدين له، تحت عنوان "تطهير الحزب من أي معارضة لترامب، قبل انتخابات 2022"، بحجة أن قيادة الحزب تتطلب التضامن وليس الشجب العلني المستمر للرئيس السابق. ولكن حراك ترامب هذا، قد يهدد بتمزيق الحزب، إذ نشطت في الأيام الأخيرة حركة تشمل 100 جمهوري، بينهم نواب سابقون، هددوا بتشكيل حزب ثالث، في حال "لم يجر الحزب تغييرات محددة"، وذلك في تحدٍ لمحاولة ترامب إحكام قبضته على الحزب.

اختار ترامب إليز ستيفانيك لخلافة تشيني بين الجمهوريين

وحول هذا التحرك، قال أحد المسؤولين السابقين في وزارة الأمن الداخلي في عهد ترامب، مايلز تايلور، إنها "الخطوة الأولى". ورفض الكشف عن التغييرات التي يطرحها أركان الحركة، مشدّداً على أنه "ما زلت جمهورياً، لكنني واحد من المجموعة التي تشعر أنه إذا لم نعد إلى حزب عقلاني يدعم العقول الحرة والأسواق الحرة والأشخاص الأحرار، حينها سأخرج وسيخرج معي كثر". وأضاف أن "قائمة الأشخاص الذين وقّعوا على البيان، تشمل مسؤولين سابقين على مستوى الولايات والمستوى الوطني، ممن كانوا حكاماً سابقين وأعضاءً في الكونغرس وسفراء ووزراء ونوابا". لكنه لم يسمّ أياً منهم، غير أن وكالة "رويترز" كشفت سابقاً أن من بين هؤلاء، السيناتور السابق عن بنسلفانيا، توم ريدج، والسيناتورة السابقة عن نيو جيرسي، كريستين تود ويتمان، وأيضاً وزيرة النقل السابقة، ماري إي بيترز، والنواب السابقين، تشارلي دينت عن بنسلفانيا، وباربارا كومستوك عن فيرجينيا، وريد ريبل عن ويسكونسن وميكي إدواردز عن أوكلاهوما.

وتزامنت الخطوة مع طرد زعماء الحزب الجمهوري في مجلس النواب، أمس الأربعاء، رئيسة المؤتمر الجمهوري في مجلس النواب، النائبة ليز تشيني، من صفوفهم، بسبب انتقاداتها الصريحة لترامب. ولم تكن ليز تشيني مجرد عابرة في صفوف الحزب الجمهوري، بسبب والدها نائب الرئيس الأسبق ديك تشيني، بل تمكنت من ترسيخ قوتها في الاستحقاقات الانتخابية لعام 2016. لكن صعودها بدأ يضعف أمام قوة ترامب. وفي ظلّ إحجامها عن إصدار موقف محدّد في قضية طردها من مجلس النواب، يُمكن إدراك تأثير ترامب على القواعد الجمهورية، بما حصل في مقهى محلي في بلدة جيليت الصغيرة في ولاية وايومنغ، البالغة الأهمية في إنتاج الفحم، وتنتمي إليها تشيني. في المقهى تحدث خمسة رجال، معلنين وقف دعم تشيني "بعد معارضتها ترامب". وقال أحدهم: "لم ننتخبها للتصويت وفقاً لضميرها (بعد أن قالت تشيني إنها تؤيد عزل ترامب في الكونغرس)"، في إشارة إلى أنهم اختاروها لدعم الرئيس السابق، لا محاربته.

في المقابل، لم يتأخر ترامب عملياً في اختيار البديل: إليز ستيفانيك، التي بدأت مسيرتها في واشنطن بتبني توجه وسطيّ، قبل أن تغيّر مسارها ليزيد نفوذها وتصبح على الأرجح أقوى امرأة جمهورية في الكونغرس، وهو تحوّل تدين به بالكامل لدفاعها القوي عن ترامب. وتبلغ ستيفانيك 36 عاماً فقط وتشغل عضوية الكونغرس منذ ست سنوات، وتهدف إلى تثبيت خلافتها لتشيني في رئاسة الجمهوريين في مجلس النواب، ما يمثّل تغيراً جذرياً في مسارها، يعكس التحول الذي يعيشه الحزب بقيادة الرئيس السابق. وعملت ستيفانيك في البيت الأبيض في عهد جورج بوش الابن، وفازت بأول انتخابات نيابية عام 2014 عن عمر يناهز 30 عاما، لتصبح أصغر امرأة في الكونغرس في ذلك الوقت.

وسبق أن نالت الثناء على مواقفها الوسطية وجهودها في تعزيز الشراكة بين الحزبين، الجمهوري والديمقراطي. وصوّتت عام 2017 ضد التخفيضات الضريبية المثيرة للجدل التي فرضها ترامب، وأثار دعمها عام 2019 لتشريع يحظر التمييز على أساس التوجه الجنسي غضب بعض المحافظين. حتى أنها قالت لتشيني إنها "فخورة جداً" بترشحها لرئاسة المؤتمر الجمهوري. لكنها بدأت تدرك تدريجياً أن ناخبي منطقتها صاروا معجبين بشكل متزايد بترامب، وأجرت مراجعات سياسية للتقرب إليهم. وبرزت على الصعيد الوطني أواخر عام 2019 عندما دافعت بشدة عن الرئيس السابق خلال أولى جلسات استماع محاكمة عزله. انتبه ترامب لستيفانيك وسلّط الضوء عليها، ووصفها بأنها "نجمة جمهورية جديدة".

هدد 100 عضو جمهوري بالانسحاب وتشكيل حزب ثالث

وخلال حملتها لتولي المنصب النافذ، تشدّد ستيفانيك خريجة جامعة هارفرد، والنائبة عن إحدى مقاطعات شمال نيويورك، على وحدة الحزب وولائها غير المحدود لترامب. وترتكز في حملتها على عدد من المسائل المهمّة الأخرى، فإضافة إلى كونها امرأة، يمكنها التواصل مع جيل الألفية والناخبين على الساحل الشرقي للولايات المتحدة، الذين واجه الجمهوريون تقليدياً صعوبات في الفوز بأصواتهم. وأيدها ترامب نفسه لهذا المنصب، وكذلك القيادي الجمهوري الثاني في مجلس النواب ستيف سكاليس، ما يجعلها المرشحة الأوفر حظاً. وخلال حضورها يوم الخميس الماضي في الحصّة الإذاعية لستيف بانون، المساعد السابق لترامب في البيت الأبيض، كشفت ستيفانيك عن خططها لمساعدة الحزب الجمهوري على الفوز عام 2022، وقالت "رؤيتي هي الترشح بدعم من الرئيس وناخبيه". وأضافت "سنخوض المنافسة كبديل من أجندة (الرئيس جو) بايدن". يعكس صعود ستيفانيك أن الترقّي في الحزب لم يعد يتطلب الالتزام بالقيم المحافظة المالية أو السياسة الخارجية القوية، ولكن الولاء لرئيس سابق مثير للجدل لا يزال يحدّد توجّه الحزب الجمهوري.