تحقيقات انفجار مرفأ بيروت بين "فخّ المهل" وخطوات المحقق العدلي

تحقيقات انفجار مرفأ بيروت بين "فخّ المهل" وخطوات المحقق العدلي

30 ديسمبر 2020
قُتل أكثر من 200 شخص في الانفجار الذي وقع في 4 آب (حسين بيضون)
+ الخط -

تعدَّدَت حجج الحصانات والذرائع القانونية ومعركة الاجتهادات والآراء القضائية في ملف انفجار مرفأ بيروت والتحقيقات "المُعلَّقة" من قبل المحقق العدلي القاضي فادي صوّان الصّامت المُتسلِّح بالسريّة، والنتيجة واحدة، مماطلة مُتعمّدة يُخشى منها أن تدفنَ الحقيقة مع أكثر من 200 ضحية.

ومع انقضاء مهلة العشرة أيام على توقف المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت بتاريخ 17 ديسمبر/كانون الأول الجاري، عن النظر في القضية، بفعل الطلب الذي تقدّم به الوزيران السابقان، النائبان علي حسن خليل وغازي زعيتر، بنقل الدعوى الى قاضٍ آخر بسبب "الارتياب المشروع"، تتجه الأنظار إلى الخطوة الثانية التي سيتخذها القاضي صوّان، سواء بالتنحي أو استكمال التحقيقات، وبالتالي مواجهة المدعى عليهم الأربعة وكل شخصية سياسية وأمنية وازنة قد يدّعي عليها لاحقاً، إضافة إلى القرار المرتقب لمحكمة التمييز.

وفي وقتٍ سرت فيه معلومات عن تقديم القاضي صوّان ملف التحقيقات إلى محكمة التمييز الجزائية، يبقى الغموض المرفق باختلاف وجهات النظر مستمراً بشأن مهلة العشرة أيام، إذ يوضح رئيس مجلس القضاء الأعلى السابق غالب غانم، لـ"العربي الجديد"، أنه بالنسبة إلى المهلة، هناك مادة انطلقت منها محكمة التمييز، وهي المادة الـ 340 من أصول المحاكمات الجزائية، التي تنصّ على أنّه "عندما يقدّم طلب نقل الدعوى لسبب الارتياب المشروع، على محكمة التمييز المختصة أن تبلغ الطلب إلى جميع فرقاء الدعوى، ولكل منهم أن يجيب عليه خلال عشرة أيام من إبلاغه إيّاه". ولكن في الوقت نفسه، يقول القاضي غانم، إنّ المهلة المذكورة لا تسير على الكلّ دفعة واحدة، إلّا إذا تبلغوا في اليوم ذاته، وهذا أمرٌ شبه مستحيل نظراً لتعددهم واختلاف مواقعهم أو صعوبة تبليغهم أحياناً، وهنا الإشكال الواقعي حول مهلة العشرة أيام التي تنتهي فعلاً من تاريخ انتهاء مهلة آخر شخص تبلّغ طلب نقل الدعوى.

من جهة ثانية، يلفت غانم إلى أنّ المادة الـ 340 تنص أيضاً على أنّ "تقديم الاستدعاء لا يوقف السير في الدعوى إلّا إذا قرّرت محكمة التمييز خلاف ذلك"، وبالتالي، فإنها لا تفرض على المحقق العدلي التوقف عن السير بالتحقيقات، ما يعني أن خطوته غير مسندة إلى المادة المذكورة، وقد تكون مرتبطة بالمادة الـ 119 من أصول المحاكمات المدنية الذي تعتبر أحكامه في حالات كثيرة مُكمِّلة لأصول المحاكمات الجزائية، والتي تتحدث عن توقف السير بالمحاكمة بمجرد تقديم طلب نقل الدعوى، عند الشكّ بحياد المحكمة، مع اختلافٍ لناحية التبليغات التي تقتصر في هذه الحالة على القاضي أو قضاة المحكمة المطلوب نقل الدعوى من محكمتهم.

ويشير إلى أن لا معطيات واضحة للسبب الذي دفع صوان إلى التوقف عن السير بالتحقيقات كما قيلَ، وهو غير ملزم بتوضيح موقفه بسبب مبدأ السرية الذي عليه أن يحافظ عليه، بهدف ضمان صحة التحقيق، باستثناء التوضيحات التي تصدر في بعض الأحيان حول مسار التحقيقات والتي كان قد فنّدها سابقاً مجلس القضاء الأعلى، من هنا ضرورة التوفيق بين حق الناس بالاطلاع على الحقيقة وسرية التحقيقات.

في المقابل، تقف نقابة المحامين في بيروت بصفتها مدعية في الدعوى إلى جانب القاضي صوّان، وتؤكد دعمها له وسقوط كل الحصانات منها المرتبطة بالمحامين، وتثني على قرار المحقق العدلي الادعاء على رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، والوزيرين السابقين النائبين علي حسن خليل، وغازي زعيتر، ووزير الأشغال السابق "المحامي" يوسف فنيانوس بجرم "الإهمال والتقصير والتسبب بوفاة وجرح مئات الأشخاص"، ويرى غانم أنّ دور النقابة والمحامين المتطوّعين هنا مرتبط بالوكالة عن المتضررين من الانفجار في الدعاوى التي تقدّموا بها وتخطّت الـ700 دعوى جزائية.

أما لناحية "توقع" موعد بت محكمة التمييز بطلب نقل الدعوى، فهو يشبه "الضرب بالرمل"، يقول رئيس مجلس القضاء الأعلى السابق، ويضيف: من الناحية القانونية، عند انتهاء آخر 10 أيام من آخر تبليغ، تضع المحكمة يدها على الطلب وتدرسه، وهي غير مقيّدة بمهلة محدّدة، لكن في هذا المجال وتبعاً للملف، يقتضي الحديث عن "المهلة المعقولة" التي تقيّد المحكمة بما يُعرف بـ"الأخلاقية القضائية"، فتأتي السرعة من بوابة منع التشويش على العدالة.

في السياق، كرّر رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب موقفه من احتكامه إلى المادة الـ 70 من الدستور، وأن أي ادعاء أو ملف على القاضي إرساله إلى مجلس النواب، وذلك في خلال دردشة مع الصحافيين يوم أمس الثلاثاء.

وكشف دياب عن أنّ أول تقرير رسمي وصل إليه بشأن المواد الموجودة في مرفأ بيروت، كان في 22 يوليو/ تموز الماضي، وعن سبب إلغاء زيارته التي كانت مقرّرة للمرفأ، قال إنه يعود إلى "إبلاغي بـ3 معلومات مختلفة على مدى ساعتين في 3 يونيو/ حزيران الماضي، الأولى وصلت إليّ من الأجهزة الأمنية بالصدفة بوجود 2000 كيلوغرام من "تي أن تي" في المرفأ، وفوراً طلبت ترتيب زيارة للمرفأ، وفي أثناء التحضيرات الأمنية لزيارتي، تبيّن أن هناك معلومات مغايرة عن التي تبلغتها بداية، أولاً أن وزنها 2500 طن وليس 2000 كيلوغرام، وثانياً أنها ليست "تي أن تي" بل "نيترات" التي لم نكن نعرف عنها شيئاً. وعندما بحثنا في الإنترنت تبين أنها سماد كيماوي، والمعلومة الثالثة أن هذه المواد موجودة في المرفأ منذ سبع سنوات، وليست جديدة. أبلغتهم أنه بما أن الملف لا يزال قيد التحقيق، وأن هناك ثلاث معلومات مختلفة، فليستكمل التحقيق وينجز الملف ويرسله إليّ، وحينها أزور المرفأ على بيّنة. فوصلني التقرير في 22 يوليو".

وأضاف: "لنفرض أنني زرت المرفأ في 4 يونيو وكشفت على العنبر الـ 12، سأقوم بإرسال كتاب إلى المسؤولين الأمنيين الذين يعرفون بالأمر أصلاً منذ سبع سنوات. هل يعرف أحد متى فتحت الفجوة في العنبر رقم 12 ومن فتحها؟ تقرير "أف بي آي" الأميركي، كشف عن أن الكمية التي انفجرت هي 500 طن فقط، فأين ذهب 2200 طن؟ مَن صاحب السفينة؟ وكيف دخلت؟ ومن سمح لها بذلك؟ ومَن صمت عن ذلك كل هذه الفترة؟ هل تعرف الأجهزة الأمنية بذلك؟ لقد عقدنا 20 جلسة للمجلس الأعلى للدفاع هذا العام ولم يخبرنا أحد من الأمنيين بذلك. طلبت من الأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع اللواء محمود الأسمر البحث في محاضر اجتماعات المجلس هل ذكرت كلمة "نيترات"، فمنذ عام 2014 حتى الآن لم يبلغ أحد من المجلس الأعلى للدفاع رئيس الجمهورية كرئيس للمجلس بوجود هذه المواد".

وتابع دياب: "لو كان لدي شعور بوجود خطر في موضوع المرفأ، لكنت تحدثت فوراً مع رئيس الجمهورية، ولم أكن لأغطي على هذا الإجرام الذي حصل في عام 2013. عادة تصل إليّ عشرات التقارير الأمنية الرسمية، و90 في المئة منها يتبين أنها غير صحيحة".

وختم: "وصل إليّ التقرير في 22 يوليو، وحولته رأساً إلى الوزراء المختصين، وصودف وجود إقفال بموجب قرار التعبئة العامة بسبب وباء كورونا وعيد الأضحى وعيد الجيش. هل هذا أمر مدروس؟ هناك شيء غير طبيعي في الأمر. أنا لا أؤمن بالصدف".