اشترط الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إعلان باريس عن الالتزام بالاحترام الكامل للدولة الجزائرية، كشرط لإعادة السفير إلى باريس، مطالباً المسؤولين الفرنسيين بالتوقف عن التعامل مع الجزائر كمستعمرة سابقة لفرنسا.
وقال الرئيس تبون، في مقابلة تلفزيونية مع صحافيين جزائريين اليوم الأحد "يجب أن ينسى (يقصد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون) أن الجزائر كانت مستعمرة في يوم من الأيام. الجزائر قوية بجيشها وشعبها الأبي الذي لا يرضخ إلا لله".
وأشار تبون إلى أن "العلاقات مع فرنسا هي مسؤولية شعب وتاريخ، والتاريخ لا يمكن تزييفه"، ويقصد الرئيس الجزائري بتزييف التاريخ، التصريحات التي أدلى بها الرئيس الفرنسي ماكرون، عندما قال إن "الجزائر لم تكن أمة قبل الاستعمار الفرنسي".
ورداً على سؤال حول الموعد والاشتراطات المتعلقة بعودة السفير الجزائري لدى باريس، والذي كان استُدعي للتشاور من قبل الرئاسة الجزائرية كإجراء دبلوماسي احتجاجي، شدد الرئيس تبون على أن "عودة السفير الجزائري مشروطة باحترام كامل للدولة الجزائرية"، دون أن يكشف عن موعد زمني محدد لعودة السفير إلى باريس.
ووجه الرئيس تبون رسائل سياسية شديدة اللهجة إلى الرئيس ماكرون على خلفية تصريحاته إزاء الجزائر، وقال: "أنت تبني على كذبة لتسبني، فأنت تبيت على شيء ما، إذاً مرحبا بك (للمواجهة)، نحن نعتبر أننا تعرضنا لاعتداء"، وعلق الرئيس تبون على تراجع الرئيس الفرنسي ماكرون عن اعترافاته بجريمة الاستعمار التي كان صرح بها عام 2017 قائلاً: "سبحان مغير الأحوال، التاريخ لا يسير بالأهواء والظروف، والتاريخ هو التاريخ يعمله المؤرخون، ومن يمس الجزائر لا يذهب بعيداً، وكرامتنا لا تباع بملايين الدولارات".
وشدد الرئيس تبون على عدم التنازل عن الحقوق التاريخية للجزائريين، وقال: "فرنسا استعمرتنا 130 سنة، وهناك جرائم بشعة لا يمكن لنا أن نمحيها بكلمة حلوة، ليس لي الحق بالسماح بالتنازل عنها، هناك قبيلة الزعاطشة (بسكرة جنوبي الجزائر) الذين أبادهم الاستعمار لم يبق منهم رضيع، وفي مجزرة بن شهرة في الأغواط (وسط البلاد) من حرق بالغاز، لدينا في المجموع 5.6 ملايين شهيد خلال فترة الاستعمار، وهؤلاء الشهداء يطالبوننا باسترجاع حقوقهم"، وأضاف: "نحن لم نطلب الاعتراف بالمفهوم الديني، ولكن نطالب بالاعتذار عن الجرائم البشعة".
وأبدى الرئيس تبون تشنجاً حاداً بشأن تصريحات وزير الداخلية الفرنسي، جيرالد دارمانان، حول تسليم باريس للجزائر قائمة تضم أكثر من سبعة آلاف جزائري مطلوب ترحليهم بالكذبة الكبرى، وقال: "ما قاله وزير الداخلية الفرنسي كذبة كبرى، وأنا أتساءل لماذا هذه الكذبة الكبيرة، إنه أمر مدبر، وهذه الأمور لا يتم تسويتها بالتصريحات الصحافية، فرنسا تحدثت معنا عن 94 فقط، ضمن قائمة تم تسليمها لنا عام 2020، وثلاث قوائم عام 2021، تم قبول الجزائر ترحيل 21 منهم، بينما رفضنا ترحيل 16، هؤلاء مرفوضون تماماً ولن يتم دخولهم إلى الجزائر لكونهم مرتبطين بالإرهاب، ارتبطوا بالإرهاب هناك في فرنسا، وبعضهم ليس لهم عائلات أصلاً في الجزائر"، مشيراً إلى أن "قرار باريس تقليص عدد التأشيرات الممنوحة للرعايا الجزائريين بالقول: "القرار الخاص بالتأشيرات قرار سيادي، لكن نحن دولة لدينا اتفاق خاص مع فرنسا، كاتفاقيات إيفيان واتفاقية القنصلية 1968، ونرفض أن يتم تسويتنا مع باقي الدول".
وطالب الرئيس تبون باريس بتسليم القضاء الجزائري مطلوبين يتواجدون في فرنسا، وقال إنه يتوجب أن يتم تسليمهم، وعلى رأسهم زعيم حركة الماك الانفصالية فرحات مهني، التي تصنفها الجزائر حركة إرهابية، مشيراً إلى أن باريس صامتة ولم ترد على الطلب الجزائري، بمعنى أنها ترفض تسليمهم، لكونهم بحسبه عملاء يتعاملون مع السلطات الفرنسية.
وبشأن التواجد العسكري الفرنسي في مالي، اعتبر تبون أن "هذا التواجد جاء بطلب من الحكومة المالية، وهذا أمر يخص الماليين، نحن نطالب باحترام سيادة الدول"، لافتاً إلى أن "السلطة الجزائرية أعطت قبل سنوات رخصة للطيران الفرنسي للعبور، لكن عندما رأينا أن هناك أمورا عدوانية تحدث قررنا وقف ذلك".
وكان السفير الجزائري في فرنسا محمد عنتر داود، قد أكد في تصريحات صحافية السبت، أن الأزمة الدبلوماسية بين الجزائر وفرنسا مفتوحة على كل الاحتمالات، نافياً وجود أي موعد محدد لعودته إلى باريس.
ويعد استدعاء أي دولة لسفيرها من أجل التشاور هو أعلى درجات الاحتجاج الدبلوماسي في العالم، ويعني شغور منصبه كسفير في فرنسا، وهذا يعني أنها أمام واقع عدم وجود أي قنوات رسمية للتواصل مع الجزائر.
وقال السفير داود، في تصريح صحافي على هامش الاحتفال باليوم الوطني للدبلوماسية نُظم بمقر وزارة الخارجية في العاصمة الجزائرية: "لا أعلم تاريخ عودتي لمزاولة مهامي الدبلوماسية، والعلاقات الدبلوماسية مع باريس مفتوحة على كل الاحتمالات، ولا أحد يعلم كيف ستكون مستقبلا".
وتوترت العلاقات الجزائرية الفرنسية بشكل غير مسبوق، في أعقاب تصريحات غير مسبوقة للرئيس ماكرون إزاء الجزائر، خلال لقائه الخميس قبل الماضي مع مجموعة من الطلبة في باريس، قال فيها إن "الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون يعيش ضمن نظام صعب"، في تلميح إلى أن الرئيس تبون محاصر من قبل الجيش، كما شكك ماكرون في وجود كيان للأمة الجزائرية قبل الاستعمار الفرنسي.
وأثارت هذه التصريحات غضبا سياسيا رسميا وشعبيا، وصفتها الرئاسة الجزائرية "بالاستفزازية وغير المقبولة"، وقررت إثرها استدعاء السفير الجزائري من باريس للتشاور، وإغلاق المجال الجوي أمام الطائرات العسكرية الفرنسية، وتجميد جزئي لبعض مجالات التعاون العسكري بين البلدين، كما رفضت الجزائر لاحقا دعوة للتهدئة أطلقها الرئيس ماكرون، وقال مساعد وزير الخارجية الجزائري عمار بلاني إن الأمر يتطلب الاعتذار.