تأجيل الانتخابات النقابية الفلسطينية.. من المستفيد؟

تأجيل الانتخابات النقابية الفلسطينية.. من المستفيد؟

06 مارس 2021
يتزامن القرار مع استمرار التحضيرات للانتخابات العامة المقبلة (جعفر اشتيه/ فرانس برس)
+ الخط -

لم تهدأ موجة الانتقادات الواسعة من المؤسسات الحقوقية بعد إصدار الرئيس الفلسطيني محمود عباس القرار المتعلق بتعديل قانون الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية، حتى كشف عن قرار جديد بتأجيل انتخابات النقابات والاتحادات والمنظمات الشعبية لمدة 6 أشهر.

وفيما اعتبر البعض الخطوة "تغولاً" جديداً للسلطة التنفيذية، وتغليباً للمصلحة التنظيمية الضيقة المتعلقة بحركة "فتح"، رأى آخرون أنها تندرج في إطار تهيئة الساحة للانتخابات التشريعية المرتقبة في مايو/ أيار القادم.

وينص المرسوم الرئاسي على أن "نقباء وأعضاء مجالس النقابات، ورؤساء الاتحادات والمنظمات الشعبية وهيئاتها الإدارية، يستمرون بتولي المهام المنصوص عليها قانوناً، وبعد انتهاء مدة التأجيل يتولى النقباء وأعضاء مجالس النقابات ورؤساء الاتحادات والمنظمات الشعبية وهيئاتها اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لإجراء الانتخابات وفقاً لأحكام القوانين ذات العلاقة".

لمصلحة من؟

هذا القرار الذي يأتي ضمن سيل من القرارات بقانون التي أصدرها عباس، وبخاصة بعد إعلانه قبل نحو شهرين المراسيم الرئاسية المتعلقة بإجراء الانتخابات العامة، دفعت عضو مجلس نقابة المحامين الفلسطينيين داود درعاوي إلى تقديم استقالته من عضوية النقابة، واصفا القرار بأنه "يقوض الديمقراطية والعمل النقابي".

وقال درعاوي، في تصريح لـ"العربي الجديد": "لن أكون عبدًا لمرحلة الاستبداد والتفرد التي تعصف بالواقع الفلسطيني، ولن أستمد بقائي في مجلس نقابة المحامين من انتهاك القانون الناظم لمهنة واستقلال المحاماة".

وتابع قائلا "مصالح فئوية حزبية مقيتة واضحة للعيان تقف وراء المرسوم لها علاقة بترتيب البيت الفتحاوي الداخلي، استباقًا للانتخابات العامة، لتجاوز أية مؤشرات انتخابية سلبية تجاه نتائج متوقعة حال جرت الانتخابات النقابية".

وبالنسبة لدرعاوي، فإن قرار عباس هو "اعتداء سافر على حرية العمل النقابي في فلسطين، وهو مرتبط بحالة التغول التي يمارسها النظام السياسي بالاستقواء على الحقوق والحريات العامة، وخاصة أن العمل النقابي مكفول بالقانون السياسي، ولا يمكن للرئيس تعطيله بهذا الشكل الفج".

وتابع قائلا: "هناك تناقض واضح بين الإعلان عن إجراء الانتخابات وتأجيل الانتخابات النقابية من دون مسوغ منطقي، والانتخابات النقابية ضرورة ملحة لتهيئة الأجواء العامة للانتخابات التشريعية، لأن تكريس الممارسة الديمقراطية والتداول السلمي يحفزان ويشجعان العملية الديمقراطية العامة، لكن هذا المرسوم وقبله المتعلق بالجمعيات الخيرية وتأجيل الانتخابات المحلية تعبر عن حالة تخبط تلقي بظلال قاتمة على النظام السياسي، وتؤكد التفرد بإدارة القرار الفلسطيني، وهي نذر سيئة للمستقبل الديمقراطي في فلسطين".

وبعد إعلان درعاوي استقالته، أكدت نقابة المحامين الفلسطينيين، في بيان لها مساء السبت، أنه "في الوقت الذي تتجه فيه الأنظار نحو العملية الديمقراطية المعلن عنها للانتخابات العامة كمدخل لإنهاء حالة الانقسام التي تعصف بالواقع الفلسطيني منذ العام 2007، ما زال سيل القرارات بقانون المقوضة للحياة الديمقراطية تعكر الأجواء العامة للانتخابات وتلقي بظلال قاتمة على سير العملية الانتخابية، ولا سيما القرار بقانون المعدل لقانون الجمعيات والذي ينتهك حرية تكوين الجمعيات كأساس للمشاركة السياسية وفقا للقانون الأساسي، والقرار بقانون بتأجيل انتخابات النقابات والاتحادات الشعبية، والذي سيعلن مجلس النقابة موقفه من محتواه في جلسة المجلس القادمة".

وأكدت النقابة على استمرار فعالياتها للشهر الثاني على التوالي بمواجهة القرارات بقانون المقوضة لاستقلال القضاء.

تأجيل منطقي؟

وبرغم ما يراه درعاوي بشأن هذا القرار، إلا أن هناك من يرى في القرار بشأن الانتخابات النقابية أمرا منطقيا، حيث قال الكاتب السياسي جهاد حرب في حديث مع "العربي الجديد": "رغم حرص البعض على دورية الانتخابات النقابية وأهميتها، إلا أن تأجيلها أمر منطقي حتى ينصب الاهتمام على التحضير للانتخابات التشريعية التي ننتظرها منذ خمسة عشر عامًا، وحتى لا تتشتت الجهود الفصائلية في التحضير للانتخابات الفرعية على حساب البرلمانية".

وتابع حرب قائلا "نحن نعيش حالة استثنائية، أدرك حساسية البعض للقرار الأخير، لكنني متفهم له، نحن جميعاً نمر بمرحلة ميلاد عسيرة، لذا علينا أن نهيئ كل الظروف للخروج منها بسلام".

وبشأن ما إن كان التأجيل يهدف لإنقاذ حركة "فتح" من خلافاتها الداخلية، يرى حرب أن وجهة النظر هذه محقة، قائلا "فتح تعيش أصعب أيامها، والحديث اليوم عن أربع قوائم مرتقبة ستخوض التشريعي باسم فتح أو تقودها شخصيات فتحاوية، وفي حال بقيت الانتخابات النقابية بموعدها فإن خلافات إضافية ستدب في أوصال الحركة التي تسيطر فعلياً على معظم النقابات".

لكنه استدرك بالقول: "هذه أيضاً فرصة ليست لفتح وحدها، بل للفصائل عامة، وخاصة اليسارية، التي لم تصل بعد إلى تفاهم بشأن خوضها الانتخابات البرلمانية، هذا التأجيل يصب في مصلحة الجميع، مع ضرورة الحصول على ضمانات بإجرائها بعد 6 أشهر". 

رفض حقوقي وفصائلي

قرار تأجيل الانتخابات النقابية دفع بمؤسسات حقوقية وكذلك فصائل فلسطينية إلى رفضه، حيث وصفت مؤسسة "الحق" الفلسطينية، في بيان لها، القرار بـ"الانتهاك الصارخ لحق الهيئات العامة للنقابات المهنية والاتحادات والمنظمات الشعبية في تحديد مواعيد إجراء انتخاباتها أو تأجيلها، بما يثير العديد من التساؤلات بشأن توقيت صدور هذا القرار بقانون".

وأشارت "الحق" إلى أن "إصدار هذا القرار يأتي في سياق سيل من القرارات بقانون، ضمن تغول خطير على السلطة القضائية على نحو يهدم استقلال القضاء والفصل بين السلطات ومبدأ سيادة القانون".

وتابع البيان "ما يشكل سابقة خطيرة تُحكم بها السلطة التنفيذية السيطرة وبشكل كامل على كافة مفاصل المجتمع الفلسطيني على المستويين الرسمي والأهلي، من دون أدنى اعتبار للضمانات التي أقرها القانون الأساسي الفلسطيني لممارسة الحقوق والحريات، وفي انتهاك جسيم للالتزامات الواردة في الاتفاقيات الدولية الأساسية لحقوق الإنسان التي انضمت لها دولة فلسطين".

من جانبها، دعت "الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين"، في بيان لها، إلى وقف سياسة إدارة الشأن العام بقرارات بقوانين، "لأن من شأن ذلك أن يعيد صياغة النظام السياسي الفلسطيني ليأخذ طابعاً رئاسياً، في مخالفة دستورية فاقعة للقانون الأساسي للسلطة الفلسطينية، والقانون الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية وإعلان الاستقلال الصادر في 15 نوفمبر/ تشرين ثاني 1988".

كما دعت "الجبهة الديمقراطية" إلى ضرورة "إنجاز الانتخابات في حلقاتها الثلاث، بما يمكن من إعادة صياغة النظام السياسي الفلسطيني وإصلاحه ديمقراطياً، وبناء نظام سياسي ديمقراطي برلماني، يقوم على مبادئ الشراكة الوطنية، ويستمد مفاهيمه من قيم حركات التحرر الوطنية، وتجارب الشعوب التي خاضت ثوراتها ضد الاحتلال والاستعمار وحققت انتصاراتها التاريخية".