المناطق الباكستانية الحدودية بقبضة المسلحين: غضب قبلي وتجاهل حكومي

المناطق الباكستانية الحدودية بقبضة جماعات مسلحة: غضب قبلي وتجاهل حكومي

26 سبتمبر 2022
تشهد الحدود الباكستانية الأفغانية توتراً (محمد سميح أوغورلو/الأناضول)
+ الخط -

في خضم ما تشهده مناطق الشمال الغربي من باكستان من أعمال عنف، والتي تتضمن تفجيرات واغتيالات ومواجهات بين مجموعات في حركة "طالبان"، مثل فصائل عمر خالد، وغول بهادر، ومفتي نور ولي، وبين "طالبان" وجماعات مسلحة أخرى مثل تنظيم "داعش"، انتفضت القبائل، وبدأت تدعو الحكومة والسلطات إلى العمل الجاد ضد كل من يعبث بأمن تلك المناطق. كما أنها طالبت الحكومة بتقديم تفسير حول ما يجري، خصوصاً ظهور المسلحين في مناطق ليس لها حدود مع أفغانستان.

وثمة من يرى أن هناك لعبة جديدة على أبواب مناطق الشمال الغربي، خصوصاً في المقاطعات القبلية المنضمة إلى إقليم خيبربختونخوا، من أجل التصدي لنفوذ "طالبان" أفغانستان.

كما يرى هؤلاء أن الاستخبارات الباكستانية بدأت تتحرك، من خلال فصائل مقربة إليها داخل "طالبان باكستان"، مثل غول بهادر، والمولوي نذير، وجماعات مسلحة محلية مثل "جيش الإسلام" التي يتزعمها منغل باغ، وحركة "تطبيق الشريعة" في سوات، للسيطرة على المنطقة القبلية المحاذية لأفغانستان قبل أن تسيطر عليها "طالبان باكستان" أو أي جماعة مسلحة أخرى متعاطفة مع "طالبان" في كابول. ويعتبر هؤلاء أن وجود المسلحين علناً في الشوارع الرئيسية والأسواق جزء من ذلك المخطط.

تظاهرات للقبائل في سوات وكرم

وكان مئات القبليين شاركوا، الأسبوع الماضي، في تظاهرات في سوات وكرم، اللتين شهدتا أخيراً حضوراً مكثفاً للمسلحين. وطالب المتظاهرون الحكومة القيام بخطوات عاجلة من أجل الوقوف بوجه زحف مسلحي "طالبان"، بفصائلها المختلفة، وجماعات محلية أخرى مثل "جيش الإسلام" و"لشكر جهنكوي" صوب المناطق القبلية خصوصاً. وتساءل مشاركون في التظاهرات وناشطون عن سبب عدم اهتمام الحكومة المركزية والإقليمية بالقضية، وتكتم وسائل الإعلام المحلية حول ما يحصل في منطقة القبائل.

خورشيد كاكاجي: بدأت بوادر الإرهاب تلوح مجدداً في المنطقة وبكل قوة

وقال الناشط الباكستاني اهتشام أفغاني، في تغريدة أخيراً، وهو ينشر لقطات من تظاهرة سابقة لأهالي وادي سوات، إن "سكان المنطقة تظاهروا ضد تحركات المسلحين، ورفعوا صوتهم ضد طالبان والإرهابيين، وذلك وسط عدم اهتمام الحكومة المركزية والإقليم وتكتم إعلامي كامل".

بوادر الإرهاب تلوح مجدداً

من جهته، قال الناطق باسم المجلس القبلي في وادي سوات خورشيد كاكاجي، في بيان، إن وادي سوات ومنطقة القبائل بشكل عام عانت كثيراً من وجود الإرهاب ومظاهر التسلح، وقد بدأت بوادر الإرهاب تلوح مجدداً في المنطقة وبكل قوة. وأشار كاكاجي إلى الظهور المسلح في الأماكن العامة وارتفاع وتيرة الهجمات، بينها اغتيال العضو البارز في الهيئة الأمنية القبلية محمد إدريس خان، والذي تبنته حركة "طالبان باكستان". وقال: "نقول إنه إذا لم تتحرك الحكومة إزاء القضية، فإننا سنقاوم ونحمل السلاح من أجل الدفاع عن أرضنا وحقوقنا".

وكان قائد فيلق بيشاور بالجيش الباكستاني الجنرال أظهر حسن زار منطقة سوات، في 17 سبتمبر/أيلول الحالي، حيث التقى، بحسب بيان للجيش، بأعضاء في المجلس القبلي وسمع منهم الشكاوى. وطمأن حسن "سكان المنطقة بأن الجيش الباكستاني وأجهزة الدولة لن يدخرا جهداً في إحلال الأمن والسلام وقطع جذور الإرهاب والجماعات المسلحة، وأنهم يقومون بكل ما من شأنه إحلال الأمن وحماية المواطنين، خصوصاً سكان وادي سوات الذين دفعوا الكثير خلال السنوات الماضية من أجل القضاء على الجماعات المسلحة في المنطقة".

ولم تعلق الحكومة الباكستانية والمؤسسة العسكرية على ما حصل في شمال غرب باكستان، تحديداً حول ظهور "طالبان" في مناطق مختلفة، سوى أنها بصدد دراسة الموضوع وأنها لن تترك أحداً يعبث بأمن المنطقة واستقرارها، كما أشار إليه أظهر حسن.

لكن بعض القبائل تشكك فيما تقوله الحكومة الباكستانية، وتحديداً المؤسسة العسكرية. وقال الزعيم القبلي في منطقة كرم رضوان الله خان، لـ"العربي الجديد"، إن "عناصر طالبان باكستان والجماعات المسلحة الأخرى عادوا إلى المنطقة بكل قوة، فيما السلطات تلتزم الصمت ولا تتحرك ضد المسلحين، وهي تطلب من الناس مغادرة المنطقة".

القبائل لن تترك مناطقها

وأضاف: "لكن القبائل قررت هذه المرة ألا تترك مناطقها كي تكون ميداناً لمشاريع جديدة، بل ستحافظ على مناطقها وكرامتها بكل ما أتيت من قوة".

وبعد أن أشار إلى أن "الحكومة والمسلحين يضطهدون سكان المنطقة"، أعرب عن خشيته من أن "يكونا وجهين لعملة واحدة، ويعملان من أجل إطلاق مشروع حرب جديدة في المنطقة".

وكانت قوات الجيش طلبت، أخيراً من سكان بعض مناطق وادي تيرا بمقاطعة خيبر القبلية مغادرة المنطقة، لأنها ستشن عملية ضد المسلحين، إلا أن القبائل رفضت هذا الأمر.

وقال محسن داور، رئيس "حزب الديمقراطية" والنائب (كان سابقاً قيادياً في حركة "الحماية عن البشتون")، في تغريدة الأسبوع الماضي، إن "الوضع الأمني في منطقتي لده ومكين وأجزاء أخرى من جنوب وزيرستان متوتر بسبب الاشتباكات بين فصائل طالبان المختلفة، مثل غول بهادر، والمولوي نذير، وعمر خالد، ومفتي نور ولي. لقد استولى الإرهاب على المنطقة، وفُرضت حرب علينا جديدة. إن مشروع طالبان يواصل زعزعة استقرار السلام في منطقتنا بشكل أو بآخر".

وكان زعيم حركة "الإنصاف" ورئيس الوزراء السابق عمران خان طلب من الجيش والمؤسسة العسكرية التحرك إزاء القضية. وقال، أمام أنصاره في منطقة تشار سده في شمال غرب باكستان أخيراً، إن "الوضع في مناطق الشمال الغربي آخذ في التفاقم، لهذا يجب الاهتمام بالقضية والعمل بشكل دؤوب من أجل استئصال جذور الإرهاب".

ارتفاع وتيرة أعمال العنف

وذكر مركز الدراسات والأبحاث القبلية (مستقل)، في تقرير نشر في 13 الشهر الحالي، أن مناطق الشمال الغربي من باكستان شهدت منذ بداية يونيو/حزيران الماضي وحتى 12 سبتمبر/أيلول الحالي، 97 عملية عنف، سقط ضحيتها 150 شخصاً، وذلك بعد أن أصبح وجود المسلحين علنياً.

رضوان الله خان: القبائل قررت هذه المرة ألا تترك مناطقها كي تكون ميداناً لمشاريع جديدة

وكان من أهم أعمال العنف التي أثارت قلق القبائل مقتل الزعيم وعضو مجلس الأمن القبلي في وادي سوات محمد إدريس خان، بانفجار لغم في 13 الشهر الحالي. وكان الرجل، الذي كان من أشد معارضي "طالبان" والجماعات المسلحة في المنطقة، تمكن من توحيد القبائل في وجه المسلحين.

وقال الزعيم القبلي في وادي سوات محمد صداقت، لـ"العربي الجديد"، إن "هناك جهوداً تبذل من قبل بعض الجهات من أجل إرباك الأمن في المنطقة، وجعل منطقة القبائل عموماً ووادي سوات ووزيرستان خصوصاً مركزاً لطالبان مرة أخرى مثل ما حصل بعد 2001. وأضاف: "لكن الأمر يختلف هذه المرة كثيراً، فالقبائل منتبهة جداً، وهي لن تترك مناطقها مهما يكن الثمن".

التوتر يتصاعد على الحدود مع أفغانستان

وبالتزامن مع موجة التوتر الداخلية تشهد الحدود الأفغانية الباكستانية توتراً بين الحين والآخر، ما يؤثر على العلاقات بين كابول وإسلام أباد. إلا أن اللافت قيام حركة "طالبان" أفغانستان بتبني مقتل ثلاثة جنود باكستانيين، في هجوم حدودي في 14 الشهر الحالي.

محمد صداقت: هناك جهود تبذل من قبل بعض الجهات من أجل إرباك الأمن في المنطقة

وقال مكتب العلاقات العامة في الجيش الباكستاني، في بيان حينها، إن "مسلحين أطلقوا النار على القوات الباكستانية من الأراضي الأفغانية ما أسفر عن مقتل ثلاثة جنود". وطلب الجيش الباكستاني من الجانب الأفغاني عدم السماح لأحد باستخدام الأراضي الأفغانية ضد باكستان.

وكانت حركة "طالبان باكستان" قد تبنت، في البداية، المسؤولية عن الهجوم، إلا أن نائب المتحدث باسم "طالبان" أفغانستان بلال كريمي أعلن أن ما جرى على الحدود هو مواجهة بين القوات الحدودية الأفغانية وبين قوات الجيش الباكستاني، مشيراً إلى أن "القوات الباكستانية حاولت إقامة مواقع بالقرب من الخط الفاصل، وحسب التوافق بين الطرفين لا يحق لأي طرف أن يبني مواقع بالقرب من الخط".

وأَضاف كريمي أن "قوات طالبان تعرضت للنار من مواقع الجيش الباكستاني عند محاولتها الاقتراب لبحث هذا الأمر مع العناصر، ما جعلها ترد على ذلك، ما أسفر عن وقوع قتلى وجرحى في صفوف الجيش الباكستاني"، مطالباً الأخير "بتجنب إقامة مواقع قرب الخط الفاصل".

وقال الصحافي الباكستاني طاهر خان، في تصريح لقناة "جيو" المحلية أخيراً، "لو ألقينا نظرة على تاريخ العلاقات بين طالبان الأفغانية وطالبان الباكستانية نجد أنهما في النهاية تيار واحد. طالبان في كابول لن تقبل أي مساومة على علاقاتها مع طالبان باكستان، حتى لو أدى ذلك إلى استياء إسلام أباد".