العراق: تجدد المحاولات السياسية لتعطيل الحكومة الإلكترونية

العراق: تجدد المحاولات السياسية لتعطيل الحكومة الإلكترونية

17 سبتمبر 2021
من التظاهرات العراقية ضد الفساد، أكتوبر 2020 (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -

يواجه مشروع الحكومة الإلكترونية في العراق مشاكل غير تلك الفنية المتعلقة بضعف البنى التحتية التقنية في الدولة، وتعثّر تحديث البيانات الخاصة بمؤسسات ودوائر الحكومة والتي يعود بعضها إلى ما قبل خمسينيات القرن الماضي، إذ يقرّ مسؤول عراقي بمحاولة جهات سياسية وحزبية تعطيل المشروع نظراً إلى أنها مستفيدة بطرق مختلفة من العمل البدائي للدولة العراقية، ولا سيما في ما يتعلق بالفساد المالي والإداري والوظائف الوهمية التي يتقاضى فيها مسؤولون وسياسيون امتيازات مالية شهرية لصالحهم.
وفرضت جائحة كورونا على العراق تحديات صعبة للغاية بدت في دول أخرى غير موجودة أو خفيفة، بسبب استمرار اعتماد البلاد على التعاملات الورقية في عموم مؤسسات الدولة والدوائر الحكومية والمصارف والبنوك، وصولاً إلى المدارس والجامعات التي اضطرت للإغلاق مرات عدة بسبب تعذر التعليم الإلكتروني عن بعد.

سعي الحكومة للتضييق على عمليات الفساد المالي والتزوير، من بين الأسباب التي تدعوها لاعتماد مشروع الحكومة الإلكترونية

والشهر الماضي، قال الأمين العام لمجلس الوزراء العراقي حميد الغزي إن العراق تلقى عروضاً عدة من دول متطورة في مجالات التكنولوجيا، للمساهمة في مشروع الحكومة الإلكترونية، مشيراً إلى أنّ "المشروع يحظى باهتمام واسع من حكومة مصطفى الكاظمي، وهو من المشاريع الحيوية والاستراتيجية"، وتحدث عن أن "المراحل الأولى من مشروع الحكومة الإلكترونية ستكون عبر تداول الوثائق الرسمية بين الوزارات والأمانة العامة لمجلس الوزراء".

وإلى جانب المعاناة اليومية للعراقيين في ما يتعلق بمراجعة الدوائر الحكومية والوقوف في الطوابير لساعات طويلة، واضطرارهم للسفر من محافظة إلى أخرى، ودفع مبالغ مالية على شكل رشى للموظفين والمسؤولين من أجل تمرير معاملاتهم، فإن ظاهرة تسريب الوثائق الرسمية، والأمنية منها على وجه التحديد، باتت أبرز ما يؤرق الحكومة ويسبب أزمات سياسية مختلفة بين وقت وآخر. كذلك، فإن سعي الحكومة للتضييق على عمليات الفساد المالي والتزوير، من بين الأسباب التي تدعوها لاعتماد مشروع الحكومة الإلكترونية.

من جهته، اعتبر مسؤول حكومي عراقي في بغداد، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، أن مشروع الحكومة الإلكترونية في العراق "سيكون أحد أهم الإصلاحات في الدولة في السنوات الأخيرة"، موضحاً أن "المشروع وعلى الرغم من إقراره منذ عام 2014، إلا أنه تعرض لنكسات عدة، ساهمت في إيقافه وتفكيك اللجان العاملة عليه، غير أنه من المفترض مع نهاية العام الحالي، أن يكون المشروع واقعياً على الأرض عبر منظومة عمل كاملة ومحمية وبقاعدة بيانات ضخمة".

وتحدث المسؤول، الذي طلب عدم ذكر اسمه، عن وجود "جهات سياسية وحزبية ساهمت في تعطيل المشروع سابقاً، وتحاول الآن عرقلته بطرق مختلفة، كونه يهدد مصالحها، ومنها عمليات الفساد المالي والتربح والتزوير واستغلال الناس عبر إنجاز معاملاتهم لقاء مبالغ مالية، أو توظيف ذلك في إطار أهداف انتخابية". ورجح أن يساهم المشروع في "الكشف عن عشرات آلاف الوظائف الوهمية التي تستنزف شهرياً مليارات الدنانير، كمرتبات تذهب لجهات متنفذة في وزارات الدفاع والداخلية والعمل والشؤون الاجتماعية وفي الحشدين الشعبي والعشائري، ولجهات في إقليم كردستان العراق، ومؤسسات أخرى، إذ ستكشف قاعدة البيانات الذكية الأسماء الوهمية، وأيضاً من يتسلم أكثر من مرتب بوقت واحد من جهات مختلفة".

مسؤول حكومي: من المفترض مع نهاية العام الحالي، أن يكون المشروع واقعياً على الأرض

وفي السياق ذاته، قال عضو البرلمان العراقي عباس الزاملي إن "المضي نحو الحكومة الإلكترونية سيكون واقع حال، حتى مع وجود من يحاول عرقلة المشروع خصوصاً من الجهات المتضررة منه"، موضحاً في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الحكومة الإلكترونية تعني السيطرة على المنافذ الحدودية والجمارك وواردات العراق والضرائب، فالأمر لا يتعلق فقط بالخدمات الخاصة بالمواطنين"، وأكد أن "المشروع قائم ومستمر حتى إنجازه، إلا أن إكماله أيضاً يعتمد بالدرجة الأساس على الأوضاع المالية في البلاد".

بدوره، اعتبر الخبير في الشأن السياسي العراقي، وعضو اللجنة الاستشارية في رئاسة البرلمان السابق محمد الربيعي، أن مشروع الحكومة الإلكترونية "وعلى خلاف كل دول العالم، أهمية إنجازه تتعلق أيضاً بجانب سياسي وليس فقط بالجانب الخدمي". وأضاف في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الحكومة الإلكترونية ستقطع الطريق ليس على الجهات المتربحة من بدائية التعاملات العراقية التي تتم ورقياً وتكون عرضة للتزوير والتلاعب والإخفاء والتحايل، وهذه الجهات في العادة سياسية أو تابعة لفصائل مسلحة، بل ستكون بداية لمنح الدولة العراقية بعداً سيادياً أكبر. إذ يمكن حالياً لأي زعيم فصيل مسلح أو سياسي، الدخول إلى أي دائرة حكومية وإنجاز أي معاملة مخالفة للقانون بفعل السطوة والنفوذ، بينما في الحكومة الإلكترونية سيكون هناك نظام إلكتروني لا يمكنه قبول تمرير أي معاملة بغير الشروط الموضوعة داخله". ووصف الربيعي الحكومة الإلكترونية بأنها "ستعزز هيبة مؤسسات الدولة الحكومية أمام قوى اللادولة".

الربيعي: الحكومة الإلكترونية ستعزز هيبة مؤسسات الدولة الحكومية أمام قوى اللادولة

من جهته، اعتبر عضو البرلمان السابق عدنان الدنبوس أن "مشروع الحكومة الإلكترونية يمثل إنجازاً مهماً في حال تحقق"، موضحاً في حديث مع "العربي الجديد"، أن هذا المشروع "سيقضي على نسبة كبيرة جداً من الفساد الإداري والمالي، لأن الحكومة الإلكترونية ستزيل الحلقات الوسيطة بين المواطن والمؤسسات"، وأكد أن "الأحزاب والجهات المستفيدة من الفساد، ستعمل بالطبع على عرقلة المشروع". ولفت إلى أن المشروع "سيؤدي إلى إنهاء الروتين والفساد في المؤسسات، وبالتالي تقليل عدد الوزارات والموظفين والتخصيصات المالية"، موضحاً أن "التوظيف في العراق خلال السنوات الأخيرة لم يكن يعتمد على الكفاءة، بل على أسس حزبية تتعلق بالدعايات الانتخابية، حتى أصبحت الوظائف خارجة عن إطارها الصحيح". وبيّن أن "الفساد تسبب بوجود عدد كبير من الموظفين الفضائيين الذين تذهب مرتباتهم إلى أطراف سياسية". و"الفضائيون" تسمية تطلق في العراق على الموظفين الوهميين الذين توجد أسماؤهم في مؤسسات الدولة، لكنهم غير موجودين في الواقع، وتذهب مرتباتهم إلى جهات سياسية.

وعام 2014، نظمت السلطات العراقية مؤتمراً أطلقت خلاله مشروعاً تحت اسم "حكومة المواطن الإلكترونية" بالتعاون مع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، في أول إعلان عن عزم العراق على التوجه نحو الحكومة الإلكترونية، لكن المشروع تعثر مرات عدة ولم يكتمل. وخلال عام 2019، في عهد حكومة رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي، تم تعطيل عمل اللجان العاملة على المشروع ضمن الأمانة العامة لمجلس الوزراء، قبل أن تقوم حكومة الكاظمي الحالية بإعادة الروح للمشروع وتسريع خطوات إنجازه.

المساهمون