العراق: إلغاء انتخابات الخارج ضربة مبكرة للتيار المدني والأقليات

العراق: إلغاء انتخابات الخارج ضربة مبكرة للتيار المدني والأقليات

10 ابريل 2021
منع العراقيون في الخارج من المشاركة بالانتخابات (لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -

شرائح عراقية كثيرة تُعتبر متضررة من قرار مفوضية الانتخابات إلغاء اقتراع عراقيي الخارج، في الانتخابات المبكرة المقرر أن تجرى في 10 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، في وقت يبدو حراك القوى الرافضة للقرار ضعيفاً، ولم تدعمه أي من القوى الرئيسة في البلاد، أو الجهات الخارجية المهتمة بالانتخابات العراقية، مثل الأمم المتحدة وبعثة الاتحاد الأوروبي، اللتين أعلنتا أخيراً تقديم منح ومساعدات فنية ومالية دعماً للانتخابات.
ويعتبر التيار المدني العراقي، خصوصاً الحركات الناشئة التي ولدت عقب الحراك الشعبي في أكتوبر 2019، بالإضافة إلى الحزب الشيوعي العراقي، والقوى السياسية المسيحية والصابئة أبرز المتضررين من القرار. وأوضح سياسيون وممثلون عن تلك القوى أنه من المعروف أن غالبية عراقيي الخارج لا يصوتون للأحزاب الإسلامية، بل للقوى المدنية والعلمانية، كما أن هجرة أكثر من مليون ونصف المليون مسيحي بعد عام 2003 جعلت غالبية أصوات هذا المكون قادمة من الخارج وليس الداخل، الذين لا يتجاوز عددهم 450 ألف نسمة، يتوزعون على عدة مدن، أبرزها بغداد ونينوى وأربيل.

علي السوداني: توافق سياسي مبيت للإضرار بالمرشحين المدنيين

ويُقدر عدد العراقيين الموجودين خارج البلاد بنحو 5.8 ملايين شخص، غادر معظمهم بعد الغزو الأميركي في 2003، وتوزعوا على نحو 36 دولة عربية وأجنبية، في أوروبا والولايات المتحدة وتركيا والأردن ومصر ولبنان وإيران. لكن هذا الرقم يبقى مشكوكاً فيه، إذ إن العراق لم يجر لغاية الآن أي تعداد أو مسح لمواطنيه بالخارج، وهو يعتمد دوماً على تقديرات غير مستندة إلى أسس علمية. ويشكك كثر بأن الرقم أعلى بكثير من المعلن، إذ يقيم في تركيا وحدها أكثر من نصف مليون عراقي.
وقرر مجلس المفوضين في المفوضية العليا للانتخابات العراقية، في مارس/ آذار الماضي، عدم شمول العراقيين في الخارج بعملية الاقتراع. وذكر، في بيان وقتها، أن "قانون الانتخابات ينص على أن يصوت عراقيو الخارج عبر استخدام البطاقة البيومترية حصراً"، موضحاً أن المفوضية "واجهت عدة معوقات فنية ومالية وقانونية وصحية". وأشار إلى أن "وزارة الخارجية اعتذرت عن إجراء عملية التسجيل والاقتراع في السفارات والقنصليات لاستحالة إقامتها في المرحلة الراهنة، إضافة إلى ما ستستغرقه عملية فتح حسابات جارية باسم مكاتب المفوضية خارج العراق، وما يتطلبه ذلك من موافقات أمنية ومالية من تلك الدول". وبررت المفوضية عملية إلغاء التصويت بأن العملية الانتخابية في الخارج تجرى في أماكن غير خاضعة للسيادة العراقية، ما يجعلها خاضعة لقوانين تلك الدول، ولا ولاية للقضاء العراقي على المخالفات والتجاوزات التي قد تحصل خلال عملية الاقتراع. واعتبرت أن إرسال موظفي المفوضية إلى دول أخرى، في ظل الظروف الصحية الحرجة المتمثلة بانتشار جائحة كورونا، يعرض سلامتهم للخطر.

لكن سياسيين عراقيين شككوا بتبريرات المفوضية، ومنهم عضو الحزب الشيوعي علي السوداني، الذي أكد أن "المفوضية لم تعمل أساساً لإجراء الانتخابات بالخارج، ولم تتحرك نحوها منذ تحديد موعد الانتخابات مطلع العام الحالي، بما يؤكد وجود توافق سياسي مبيت للإضرار بالمرشحين المدنيين على وجه التحديد". وتساءل "تُرى لو كانت أصوات عراقيي الخارج تذهب لصالح المالكي أو الخزعلي والعامري هل كانت ستجرؤ مفوضية الانتخابات على إلغائها؟"، في إشارة الى رئيس الحكومة الأسبق نوري المالكي وزعيم مليشيا "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي، وزعيم تحالف "الفتح" هادي العامري، الذين يقودون القوى السياسية الحليفة لإيران في العراق. وأضاف أنه "في الانتخابات السابقة، شهدت محطات اقتراع في دول مثل إيران والأردن ولبنان، والمعروف أن من فيها يصوتون حسب الولاءات، انقلاباً كبيراً في أمزجة الناخبين، وهذا قد يكون سبباً لاستشعارهم بخطر انتخابات الخارج"، معتبراً أن "إلغاء أصوات الخارج ضربة مبكرة للمدنيين". وتابع "كان الأولى إلغاء أصوات نحو مليون شخص من نزلاء السجون والمستشفيات والعسكريين والحشد الشعبي ومخيمات النازحين، إذ إنهم يصوتون تحت الضغط والابتزاز".

عماد يوحنا: المسيحيون أكثر المتضررين من قرار مفوضية الانتخابات

وفي السياق، يتوجه سياسيون عن مكونات، تعتبر نفسها أبرز المتضررين خاصة المسيحيين، للطعن بالقرار. وأعلن رئيس كتلة "الرافدين" في البرلمان يونادم كنّا مضيه في عملية الطعن بقرار إلغاء انتخابات الخارج أمام المحكمة الاتحادية العراقية. وشدد كنا، في مؤتمر صحافي الأربعاء الماضي، على أن قرار مفوضية الانتخابات إلغاء انتخابات الخارج خاطئ، مشيراً إلى أنه سيتوجه إلى المحكمة الاتحادية للطعن به. وتعليقاً على تبريرات ساقتها المفوضية لإلغاء التصويت لعراقيي الخارج، أوضح كنّا أنه يمكن احتواء الفساد في تصويت الخارج بدلاً من إلغاء أصوات العراقيين. واعتبر أن التزوير تم في محطات اقتراع في دول الجوار وليس المهجر، في إشارة الى إيران والأردن ودول أخرى، سجلت الانتخابات الماضية نسب تزوير وتلاعب واسعة فيها. ولفت إلى "أننا سنلتقي بالمفوضية بغية استعادة حقوق العراقيين في الخارج، وسنذهب إلى المحكمة الاتحادية لنقض هذا القرار".
من جهته، أشار النائب عماد يوحنا، وهو أحد أعضاء حملة الطعن بالقرار، إلى أن "المفوضية تحرم بقرارها إلغاء انتخابات الخارج مئات الآلاف من العراقيين من حق المشاركة في الانتخابات، وهو خرق للقانون والدستور في البلاد، الذي يضمن المشاركة الآمنة لكل مواطن في التصويت في الانتخابات. ولذلك فإنه لا بد للبرلمان العراقي أن يرفض هذا الأمر". وأوضح، لـ"العربي الجديد"، أن "المسيحيين هم أكثر المتضررين من هذا القرار، لأن أكثر من مليون ونصف مليون من المسيحيين العراقيين يسكنون خارج البلد. وهؤلاء ستذهب أصواتهم هباء، بسبب بعض الإرادات الحزبية في الداخل. ولذلك سنتوجه إلى المحكمة الاتحادية للطعن بهذا القرار".

قاضٍ في مفوضية الانتخابات: قرار إلغاء تصويت عراقيي الخارج جاء بتوافق سياسي مسبق
 

وقال رئيس كتلة "الوركاء" جوزيف صليوا إن "العراقيين المدنيين والعلمانيين، والذين لا يؤمنون بالسلاح الإيراني في العراق، باتوا محرومين من الإدلاء بأصواتهم، التي يمكن أن تسهم بالتغيير في البلاد، وهي خطة مدروسة من قبل القوى السياسية والمسلحة النافذة في بلاد الرافدين". ودعا "المنظمات الحقوقية في العراق، والشخصيات السياسية المستقلة، والقوى الوطنية، إلى الطعن بقرار حرمان عراقيي الخارج من التصويت". وتابع، في حديث مع "العربي الجديد" إن "أنزه الأصوات في كل انتخابات عراقية هي أصوات الخارج، كونها لا تخضع لعمليات البيع والشراء والابتزاز. وبالتالي فإن أصوات الخارج، بعد الأحداث الأخيرة وتحديداً ثورة تشرين، والرقابة الدولية والأممية على الانتخابات العراقية، باتت أكثر نزاهة، وهو ما لا تريده الأحزاب الدينية في البلاد التي تعتمد أساساً على التزوير للحصول على مكاسب".
وفي حين لا يوجد أي إعلان رسمي حول الثقل الذي يشكله عراقيو الخارج في الانتخابات، فإن سياسيين يتحدثون عن قدرتهم على إيصال 15 إلى 20 شخصاً إلى البرلمان. وقال العضو في حركة "البيت الوطني"، وهو كيان سياسي جديد، علي أحمد، إن "معظم الجاليات العراقية في الخارج تقف إلى جانب الكيانات السياسية المدنية والعلمانية التي أفرزتها تظاهرات تشرين (الأول). وخلال السنوات الماضية كانت أصواتهم تتجه نحو الحركات المدنية القليلة والمعروفة، مثل تلك التي قادها (النائب) فائق الشيخ علي، أو الحزب الشيوعي العراقي. وبالتالي فإن إلغاء انتخابات الخارج ضربة في صميم المشروع المدني والعلماني في العراق من قبل التيارات الإسلامية وأحزاب السلطة والفصائل المسلحة، التي تدرك خطورة نتائج الانتخابات المقبلة".
وأضاف أحمد، لـ"العربي الجديد"، أن "الأحزاب العراقية لا تمتلك أي جماهير في الخارج، وتحديداً في أوروبا، لذلك لا تهتم بأصواتهم، لا سيما وأن الإشراف الأممي على الانتخابات هو ما يسعى إليه العراق حالياً. ولذلك فإن تزوير نتائج انتخابات الخارج، كما في السابق، سيكون صعباً على هذه الكيانات، ولهذا فضلت الاستغناء عنها للدواعي غير المبررة التي طرحتها مفوضية الانتخابات وبعض الأحزاب المتنفذة في البلاد". وأوضح أن "الكثير من العراقيين في الخارج، الذين يهدفون إلى بناء دولة مدنية، أبلغوا الحركات السياسية الجديدة بأنهم سيزورون بلدهم خلال فترة الانتخابات من أجل التصويت لصالح الكيانات الجديدة في حال أجريت الانتخابات في موعدها".
على الجانب الآخر، رحّبت قوى سياسية، أبرزها تحالفا "الفتح" و"دولة القانون" بالقرار. وشكر العضو في "الفتح" يوسف الكلابي مفوضية الانتخابات، معتبراً أن قرارها "أوقف هدراً مالياً"، مطالباً المعترضين من عراقيي الخارج بالعودة إلى البلاد قبل الانتخابات للتصويت. ووصف القيادي في حركة "صادقون"، وهي الجناح السياسي لمليشيا "عصائب أهل الحق"، نعيم العبودي، القرار بأنه "صائب". وقال، في تصريح لوسائل إعلام محلية، إن "قرار المفوضية جاء صائباً، وهذه الأصوات ضئيلة، وذات تكلفة عالية، لا طاقة للعراق على تحمّلها في الوقت الحاضر كما أنها قابلة للتزوير، ويسهل التلاعب بنتائجها".
لكن قاضياً في مفوضية الانتخابات قال، لـ"العربي الجديد"، إن قرار إلغاء تصويت عراقيي الخارج جاء بتوافق سياسي مسبق، مقراً بأن "القوى المدنية والمسيحيين سيكونون أكثر المتضررين، وهناك تحفظ من قبل الأمم المتحدة على الخطوة، لكن بالوقت نفسه العراق يواجه تعثراً في الحصول على مساعدة من الدول التي يوجد العراقيون فيها، لتنظيم عملية الاقتراع بسبب جائحة كورونا". ورجح أن "يصدر في الأيام المقبلة توضيح رسمي جديد من المفوضية حيال الموضوع".