أثار تمرير المفوضية العليا للانتخابات في العراق طلبات تسجيل الأحزاب والقوى السياسية، ذات الأجنحة المسلحة، للمشاركة في الانتخابات التشريعية المقررة في 10 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، جدلاً بات يتكرر قبل كل عملية اقتراع في البلاد، حيال تطبيق القانون الذي ينص على منع مشاركة هذا النوع من الأحزاب والقوى في الانتخابات، إلا بعد حلّ أجنحتها العسكرية والتعهّد بالعمل السياسي ضمن إطار الدولة العراقية. لكن ما حدث أخيراً هو استخراج فصائل مسلحة أجنحة سياسية، لتتمكن من المشاركة في الانتخابات المقبلة، ضمن دوائر انتخابية ينتشر فيها أساساً مسلحوها، مثل نينوى وصلاح الدين وبغداد وديالى ومناطق أخرى من البلاد.
وكان البرلمان العراقي قد أقرّ في عام 2015 "قانون تنظيم الأحزاب"، المعروف بقانون رقم 36، وهو أول قانون تمت صياغته لتنظيم عملية تشكيل الأحزاب في البلاد وعملها. وتضمّن القانون بنوداً عدة من بينها التمويل وبرامج الحزب وأنشطته ومشاركته في العملية السياسية والانتخابات التشريعية أو انتخابات مجالس المحافظات. وعلى الرغم من الانتقادات الواسعة للقانون بشأن إهماله بعض القضايا المهمة، مثل كشف الذمم المالية وأنشطة الحزب التجارية، ومنع تأسيس الأحزاب على نطاق طائفي أو قومي عنصري، وكذلك الارتباط بالخارج، إلا أنه أيضاً انضم إلى باقي القوانين العراقية المعطلة، خصوصاً فيما يتعلق بالبند الثامن من القانون المتضمن منع مشاركة الأحزاب التي تمتلك أجنحة مسلحة بالعملية السياسية.
قانون الأحزاب لو طبق بصورة صحيحة، لمنع أغلب القوى الحالية من العمل السياسي
وبموجب القانون الذي أقر رسمياً في 27 أغسطس/آب 2015، فإنه يحظر امتلاك الحزب لجناح عسكريّ أو أي تشكيل مسلح أو الارتباط بأي نوع من الفصائل المسلحة. وتشترط المادة الثامنة من الفصل الثالث من قانون الأحزاب السياسية، وهو الفصل المُتعلّق بأحكام التأسيس، ألا يكون تأسيس الحزب أو التنظيم السياسي وعمله متخذاً شكل التنظيمات العسكرية أو شبه العسكرية، كما لا يجوز الارتباط بأي قوة مسلحة. وبالاستناد إلى هذه المادة وغيرها من مواد نصّ عليها القانون، تصبح كثير من الأحزاب الحالية في البرلمان وداخل العملية السياسية مخالفة ولا يحق لها المشاركة بالانتخابات المقبلة.
ووفقاً لبيان سابق صدر عن مفوضية الانتخابات، فقد بلغ عدد الأحزاب التي تم قبول طلبات تسجيلها للمشاركة في الانتخابات، 249 حزباً مجازاً، بينما ما زالت تدرس طلبات تأسيس 58 حزباً جديداً في البلاد للمشاركة بالانتخابات، التي ستكون الأكبر من نوعها في البلاد مع بلوغ عدد الناخبين 25 مليوناً و139 ألف مواطن.
ورفض مسؤول في المفوضية العليا للانتخابات التعليق حول التكييف القانوني الذي اعتمدته المفوضية في قبول تسجيل تلك الأحزاب مرة أخرى، قائلاً في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "العملية السياسية برمتها قائمة على هذه الأحزاب، وتطبيق القانون يعني تغيير النظام السياسي في البلاد".
من جهته، قال النائب عقيل الرديني القيادي في ائتلاف "النصر"، بقيادة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، إن "80 في المائة من القوى والأحزاب التي ستشارك في الانتخابات المقبلة لديها أجنحة مسلحة". وأضاف في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "القانون واضح جداً، فهو ينص على منع أي جهة لديها سلاح خارج الدولة من المشاركة بأي عملية انتخابية، لأن هذا السلاح سيستخدم في الترهيب والترغيب والتأثير على الناخب وعلى عموم الوضع السياسي".
ولفت إلى أن "غالبية القوى السياسية، لديها أجنحة مسلحة، وهذه الجهات تمثل أكثر من 80 في المائة من القوى المتنفذة، لكن على الرغم من ذلك هي تشارك في الانتخابات والعملية السياسية، بل لها نفوذ داخل البرلمان والحكومة وكافة مؤسسات الدولة". وأضاف أن "قانون الأحزاب يمنع مشاركة هذه القوى في العملية الانتخابية، لكنها تشارك، بل وتعمل على استخدام هذا السلاح في العمل السياسي، وهذا بسبب عدم وجود تطبيق حقيقي لقانون الانتخابات". واعتبر أن "هناك إرادات سياسية تمنع تطبيق القانون بشكل صحيح، من أجل مصالح شخصيات وجهات تريد البقاء في الواجهة السياسية رغماً عن القانون".
وشدّد الرديني على "ضرورة تطبيق قانون الأحزاب بشكله الصحيح، وعدم جعل القانون حبراً على ورق، حتى تكون هناك نزاهة وعدالة في العملية الانتخابية والعملية السياسية"، معتبراً أن "بقاء السلاح منفلتاً وبيد الجهات السياسية، يعني ذهاب العراق نحو المجهول، خصوصاً أن هذا السلاح يؤثر بشكل كبير على نزاهة وعدالة الانتخابات البرلمانية المقبلة".
السلاح يؤثر بشكل كبير على نزاهة وعدالة الانتخابات
من جهته، قال النائب باسم خشان، إن "القوى السياسية لا تستطيع التخلي عن أجنحتها المسلحة، فهي تعتمد عليها في نفوذها وحتى في فوزها في الانتخابات البرلمانية وانتخابات مجالس المحافظات". واعتبر في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "قانون الأحزاب لو طبق بصورة صحيحة وحقيقية، لمنع أغلب القوى السياسية الحالية من العمل السياسي والمشاركة في الانتخابات، كون هذه الجهات لديها أجنحة مسلحة وبعضها له ارتباطات مكشوفة من دول إقليمية وغيرها". وأضاف "الجهات المخالفة لهذا القانون هي المتحكمة بالقرار السياسي والحكومي في العراق، فهي تعطل أي فقرة قانون تمس مصالحها الشخصية والسياسية، ولهذا نجد القانون معطلاً وهو حبر على ورق، حتى يبقى نفوذ بعض الأطراف على المشهد السياسي والحكومي".
في المقابل، أكد الخبير القانوني علي التميمي أن قانون الأحزاب الذي تعتمد عليه المفوضية في إجراءات التسجيل "منع بشكل واضح مشاركة أي حزب أو جهة سياسية من المشاركة في الانتخابات لها أجنحة مسلحة، وهذا أيضا يتوافق مع المادتين (7) و(9) من الدستور العراقي، ولهذا توجد في مفوضية الانتخابات دائرة خاصة بمتابعة الأحزاب، وهذه الدائرة لها الصلاحية في اتخاذ العقوبات الأحزاب المخالفة التي لديها أجنحة مسلحة او عسكرية ومنع تلك الأحزاب من المشاركة في الانتخابات". وتابع في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "تفعيل دائرة الأحزاب في مفوضية الانتخابات واتخاذها عقوبات بحق الكثير من الأحزاب، أمر ضروري جداً، فهذه الدائرة لها صلاحية غربلة الأحزاب، من الممكن بعد التصويت على قانون المحكمة الاتحادية، وعودة عمل هذه المحكمة الطعن بالأحزاب التي تمتلك أسلحة في سبيل تصحيح المخالفات والتجاوز على نصوص القانون، خصوصاً أن عدد الأحزاب المشاركة في الانتخابات هو كبير جداً وهذا الأمر لا يوجد مثله في كل دول العالم، كما أن بعض هذه الأحزاب لها أجنحة مسلحة وعسكرية".