العراق: أنصار الصدر يقتحمون المنطقة الخضراء ويسيطرون على البرلمان

العراق: أنصار الصدر يقتحمون المنطقة الخضراء ويسيطرون على مبنى البرلمان

30 يوليو 2022
تشهد الساحة العراقية تطورات سياسية متسارعة (صباح قرار/فرانس برس)
+ الخط -

تمكن الآلاف من أنصار التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، اليوم السبت، من اقتحام المنطقة الخضراء وسط بغداد والسيطرة على مبنى البرلمان وقرّروا الاعتصام داخله، بعد حصار استمرّ ساعات، رغم الإجراءات الأمنية الاستباقية التي اتخذتها القوات العراقية، أمس الجمعة.

الاقتحام الجديد للمنطقة المحصنة التي تضم البعثات الدبلوماسية الغربية، وأبرزها الأميركية والبريطانية وبعثة الأمم المتحدة، إلى جانب مقار الحكومة والبرلمان ورئاسة الجمهورية وقيادة العمليات العسكرية المشتركة، هو الثاني من نوعه في غضون ثلاثة أيام فقط، حيث اقتحم أنصار الصدر، الأربعاء الماضي، المنطقة، وسيطروا على البرلمان ومقار أخرى لعدة ساعات، قبل أن يدعوهم الصدر إلى "العودة إلى منازلهم".

ويردد أنصار الصدر شعارات مناهضة لقوى "الإطار التنسيقي"، واتهامات للقضاء بالالتفاف على الاستحقاق الانتخابي للصدريين بتفسير فقرات الدستور لصالح حلفاء إيران، في إشارة إلى قرار المحكمة الاتحادية العليا المتعلق بجلسة انتخاب رئيس الجمهورية، واشتراط وجود ثلثي الأعضاء في البرلمان، وهو ما استغله الإطار التنسيقي في ما بات يعرف بـ"الثلث المعطل".

وسقط حتى الآن زهاء 60 جريحاً من أنصار التيار الصدري، بينهم 7 بحالة حرجة، بحسب مسؤول أمني عراقي أكد لـ"العربي الجديد" أن إطلاق النار لم يكن من قوات الأمن، وأن هناك مسلحين في مبانٍ قريبة تورطوا بفتح النار على المتظاهرين"، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن هناك إصابات حصلت بسبب قنابل الدخان والتدافع، لكن ليس بإطلاق النار الحي من الأمن العراقي.

واستخدم أنصار الصدر جرافات ورافعات كبيرة لإسقاط الحواجز الإسمنتية على جسري الجمهورية والسنك، قبل أن يصلوا إلى أسوار المنطقة الخضراء ويقوموا باقتحامها.

وأكد المسؤول الأمني ذاته أن المتظاهرين سيطروا على مبنى البرلمان، وهم يحاولون الوصول إلى مبنى مجلس القضاء الأعلى والمحكمة الاتحادية، من دون معرفة ما إذا كانوا ينوون اقتحامه على غرار البرلمان أم الاحتشاد أمامه.

واتخذت قوات الأمن العراقية بعد اقتحام المنطقة الخضراء، منذ ظهر اليوم السبت، إجراءات جديدة حول محيط السفارات والبعثات الأجنبية الموجودة داخل المنطقة الخضراء، لكن عضو التيار الصدري محمد الدراجي قال، لـ"العربي الجديد"، إن "أهداف المتظاهرين محدودة، ونحن طلاب دولة ولسنا غوغاء"، في إشارة إلى أنهم لن يقتربوا من السفارات أو المباني الخدمية الأخرى داخل المنطقة الخضراء.

وعلم "العربي الجديد" أن رئاسة البرلمان قررت تعليق أي جلسات للبرلمان بالوقت الحالي، وقال مصدر سياسي إن رئيس البرلمان محمد الحلبوسي ونائبه شاخوان عبد الله خارج بغداد حالياً، معتبراً أن الأوضاع نقلت المشهد العراقي إلى مرحلة حرجة، تستوجب من الجميع تقديم تنازلات، خصوصاً مع مخاوف من دخول أطراف أخرى مثل الفصائل المسلحة الحليفة لإيران.

من جهته، حمّل المقرب من الصدر أو ما يعرف بـ"وزير الصدر" صالح محمد العراقي الكتل السياسية مسؤولية الاعتداء على المتظاهرين، وقال في تغريدة له: "نحمل الكتل السياسية أي اعتداء على المتظاهرين السلميين، فالقوات الأمنية مع الإصلاح والإصلاح معها... سرقتم أموال العراق فكفاكم تعدّياً على الدماء الطاهرة".

في غضون ذلك، وجّه رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي القوات الأمنية بحماية المتظاهرين، ودعا المتظاهرين إلى "التزام السلمية في حراكهم، وعدم التصعيد، والالتزام بتوجيهات القوات الأمنية التي هدفها حمايتهم وحماية المؤسسات الرسمية"، وأكد في بيان أن "استمرار التصعيد السياسي يزيد من التوتر في الشارع، وبما لا يخدم المصالح العامة".

وشدد على أن "القوات الأمنية يقع عليها واجب حماية المؤسسات الرسمية، ويجب اتخاذ كل الإجراءات القانونية لحفظ النظام".

وأكد الباحث في الشأن السياسي العراقي غيث التميمي، في تغريدة له: "وُضع الإطار بين خيارين أحلاهما مرّ؛ الأول القبول بجميع شروط الصدر دون نقاش، والثاني بقاء الكاظمي والذهاب لانتخابات مبكرة"، قائلاً: "كيف ما يحسبها المالكي والخزعلي والعامري تظهر عندهم نتيجة وحدة لا غير، انتهى زمنهم والسجون أقل ما ينتظرهم، لذلك الوضع خطر في العراق الآن".

أنصار الصدر يغلقون مكاتب للمالكي والحكيم

إلى ذلك، أقدم متظاهرون عراقيون من أنصار زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر في العاصمة بغداد وعدد من المحافظات، ليل الجمعة-السبت، على إغلاق نحو 15 مكتباً لتيار الحكمة، إضافة إلى عدد من مكاتب حزب الدعوة في بغداد وبابل والبصرة والنجف وديالى ومناطق أخرى بالبلاد، بعد تصريحات للحكيم اعتبرها الصدريون موجهة ضد زعيمهم، انتقد فيها نزول أنصار الصدر إلى الشارع.

وقال الحكيم، في تصريحات لمحطة "بي بي سي" العربية، إن "قوى الإطار التنسيقي متمسكة بمرشحها لمنصب رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، رغم اقتحام أنصار التيار الصدري مقر البرلمان العراقي رفضاً لترشيحه"، مبيناً أن "التيار الصدري قد يعترض على أي مرشح آخر إن حصل تغيير السوداني"، فيما انتقد الحكيم "طريقة تعامل قوات الأمن الحكومية مع تظاهرات أنصار التيار الصدري، والسماح للمتظاهرين بدخول المنطقة الخضراء".

وخلال ثلاث ساعات، أغلق أنصار الصدر مكاتب تيار "الحكمة" في أحياء متفرقة من بغداد، منها "مدينة الصدر والزعفرانية والعامل والحسينية والكاظمية وأبو دشير والدورة والمشتل"، فيما أغلق المتظاهرون مكاتب "الحكمة" في الكوت (محافظة واسط) والإسكندرية (شماليّ محافظة بابل)، وعدداً من مكاتب البصرة، ومكتباً واحد في النجف.

وشمل الإغلاق مقارّ حزب الدعوة في أحياء الزعفرانية والكاظمية والمشتل، إضافة إلى مكتب تابع للمجلس الأعلى الإسلامي في ساحة الحمزة ببغداد.

وطوال فترة الاحتجاجات، لم يصدر عن المنصات الرسمية للصدر أي موقف أو بيان، بل دفعت منشورات وتدوينات لأعضاء بارزين في التيار الصدري المتظاهرين إلى مزيد من الانشغال في إغلاق مكاتب الحكيم، وهو ما فسره مراقبون بأنه "عقوبة" صدرية للحكيم. لكن الحكيم اكتفى بتغريدة عبر "تويتر"، نقل فيها آية قرآنية وجاء في التغريدة: "لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ"، واختتم تغريدته بوسم #كلا_للفتنة.

وتواصل مراسل "العربي الجديد" مع عدد من أعضاء التيار الصدري في ساحة التحرير، الذين قالوا إن "نزولهم إلى الشارع بأمر من الصدر، وترافقهم وحدات من "سرايا السلام" التي تحميهم من أي اشتباك قد يحدث مع الفصائل المسلحة الموالية لإيران". وأشاروا إلى أن مطالبهم تتلخص بـ"تشكيل حكومة انتقالية بصلاحيات مفتوحة، وحل مجلس النواب، ومجلس القضاء الأعلى، وفصل المحكمة الاتحادية عن مجلس القضاء الأعلى، الذي لم يقف إلى جانب الكتلة الصدرية في تشكيل الحكومة".

 

ومنذ أكثر من تسعة أشهر، تتواصل واحدة من أعقد الأزمات السياسية في العراق، عقب إجراء الانتخابات التشريعية في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2021، التي أفرزت نتائج غير تقليدية لتوزيع القوى السياسية داخل البرلمان.

وحلّ التيار الصدري أول في نتائج الانتخابات، وهو ما اعترضت عليه معظم القوى المدعومة من إيران، والتي اعتصم أنصارها أمام المنطقة الخضراء في بغداد، وعطل نوابها استحقاقات أساسية في البرلمان، ليطلب الصدر من نوابه الاستقالة في محاولة لإنهاء حال الانسداد السياسي.

المبيت في ساحة التحرير استعداداً للتظاهرة

وكان المئات من أنصار التيار الصدري قد قضوا ليلتهم في ساحة التحرير وسط العاصمة العراقية بغداد استعداداً للخروج بتظاهرة واسعة، وأعدوا العدّة لاقتحام المنطقة الخضراء ومبنى البرلمان مجدداً، لمنع تحالف "الإطار التنسيقي" من التوجه نحو عقد جلسة برلمانية والمضي بتشكيل الحكومة.

وبالتزامن مع دعوات للقيادات في التيار الصدري على صفحات التواصل الاجتماعي للاستعداد للتظاهر، أغلقت قوات الأمن العراقية، أمس الجمعة، بوابات المنطقة الخضراء بشكل كامل، مع إضافة المزيد من الكتل الإسمنتية والعوارض الحديدية بمحيطها، وقطعت الجسور المؤدية إليها، خوفاً من اقتحام المنطقة مرة أخرى من قبل المتظاهرين.

ووسط أجواء أمنية متوترة، عقدت قيادة عمليات بغداد، أمس الجمعة، اجتماعاً أمنياً لمناقشة خطة تأمين الحماية للتظاهرات، وقال إعلام القيادة في بيان إن "الفريق الركن قائد عمليات بغداد أحمد سليم ترأس مؤتمراً أمنياً موسعاً حضره قادة المقرات المتقدمة في جانبي الكرخ والرصافة، وقادة الفرق ومديرو الأجهزة الأمنية العاملة ضمن قاطع مسؤولية القيادة، ناقش الخطة الأمنية الخاصة بتأمين الحماية لتظاهرة السبت".

ودعا رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الجميع إلى التحلي بالحكمة، وقال في تغريدة له: "في بداية شهر محرم الحرام نذكّر الجميع بقدسية الشهر، وندعو إلى التحلي بالحكمة مبتهلين إلى الله أن يديم علينا نعمة المحبة والاستقرار".

وكان تحالف "الإطار التنسيقي" قد جدد، أمس الجمعة، دعوته القوى الكردية إلى حسم الاتفاق بينها على مرشح لرئاسة الجمهورية، تمهيداً لعقد جلسة برلمانية للتصويت عليه والمضي بالاستحقاقات الدستورية وتشكيل الحكومة، إلا أن الأكراد لم يتفقوا على مرشح واحد.