المأزق السياسي في العراق: انتخابات مبكرة لكسر الاستعصاء؟

المأزق السياسي في العراق: انتخابات مبكرة لكسر الاستعصاء؟

30 يوليو 2022
أنصار الصدر في النجف، الأربعاء الماضي (كرار عيسى/الأناضول)
+ الخط -

تشي الأوضاع في العراق باتجاه البلاد إلى المزيد من التوتر، بعد اقتحام المئات من أنصار التيار الصدري الأربعاء الماضي المنطقة الخضراء وسط بغداد، وسيطرتهم على مبنى البرلمان لساعات، احتجاجاً على ترشيح "الإطار التنسيقي" محمد شياع السوداني لرئاسة الحكومة، ليصبح المشهد السياسي في البلاد على صفيح ساخن، وسط تحذيرات من انعكاسات ذلك على الملف الأمني الهش في العراق عموماً.

جلسة البرلمان العراقي

وزاد في المخاوف من تأزم الوضع، أن جلسة البرلمان العراقي اليوم السبت، كانت لا تزال قائمة، بهدف بحث ملف منصب رئاسة الجمهورية، في ظل غموض بقي مسيطراً حتى مساء أمس حول إمكان عقدها أو تأجيلها، خصوصاً مع إصدار قادة في التيار الصدري إشارات دلت على عزمهم اقتحام المنطقة الخضراء السبت في حال تم عقد الجلسة.

وجدّد تحالف "الإطار التنسيقي" دعوته القوى الكردية، التي جرى العرف السياسي في البلاد أن يكون منصب رئاسة الجمهورية من حصتها، إلى حسم الاتفاق فيما بينها على مرشح لرئاسة الجمهورية، تمهيداً لعقد الجلسة "والمضي بالاستحقاقات الدستورية وتشكيل الحكومة".


عضو في "التيار الصدري": الصدر لا يمانع إجراء انتخابات مبكرة

ووفقاً لبيان للإطار، أمس الجمعة، فإنه "منذ أشهر نعمل على تصحيح مسار العملية السياسية التي أريد لها أن تذهب باتجاهات مجهولة بعيداً عن رغبة الشعب وأصوات الناخبين".

وأضاف البيان أن "الفريق التفاوضي الذي شكله الإطار التنسيقي سيشرع في حواراته مع الأطراف السياسية والأطراف الأخرى، بهدف الوصول الى تفاهمات داخلية تسهم في زيادة قوة الحكومة المقبلة، ويجعلها قادرة على أداء مهماتها الخدمية بشكل أفضل".

ولم تحسم الاجتماعات التي عقدها الحزبان الكرديان (الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني) ملف منصب رئاسة الجمهورية، مع إصرار الأول على مرشحه ريبر أحمد، وتمسك الثاني بمرشحه رئيس الجمهورية الحالي برهم صالح، في غياب أي مؤشرات للتوافق بينهما.

وقال عضو في الحزب الديمقراطي الكردستاني، لـ"العربي الجديد"، مفضلاً عدم الكشف عن اسمه: "لم يتم التوصل إلى اتفاق بين الحزبين الكرديين بشأن منصب الرئيس. الملف ما زال معقداً"، مشيراً إلى أن "الحسم صعب للغاية، ولم نلمس أي مرونة من الاتحاد، الذي يتمسك بمرشحه برهم صالح".

ووسط أجواء متشنجة، عقدت قيادة عمليات بغداد، أمس، اجتماعاً أمنياً لمناقشة خطة تأمين الحماية لتظاهرات اليوم السبت.

وذكر إعلام القيادة في بيان، أن "قائد عمليات بغداد (الفريق الركن أحمد سليم) ترأس مؤتمراً أمنياً موسعاً حضره قادة المقرات المتقدمة في جانبي الكرخ والرصافة، وقادة الفرق ومدراء الأجهزة الأمنية العاملة ضمن قاطع مسؤولية القيادة".

وأضاف أن "المؤتمر عقد لمناقشة الخطة الأمنية الخاصة بتأمين الحماية للتظاهرة السلمية المقررة يوم السبت".

وأغلقت قوات الأمن العراقية بوابات المنطقة الخضراء وسط بغداد بشكل كامل، مع إضافة المزيد من الكتل الإسمنتية والعوارض الحديدية في محيطها.

وعقب اجتماع عقده رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي استمر حتى ساعة متأخرة من مساء الخميس، مع عدد من القيادات الأمنية في العاصمة بغداد، شوهدت شاحنات ضخمة أمس تقوم بنقل كتل إسمنتية وأسلاك شائكة وإنزالها بمحيط المنطقة الخضراء، قبل أن تبدأ قوات أخرى مع رافعات كبيرة بإغلاق مداخل المنطقة الخضراء بشكل كامل. كما تم إغلاق جسر "السنك" المؤدي إلى المنطقة الخضراء على نهر دجلة بالكتل الإسمنتية.

وقال مسؤول أمني رفيع في بغداد لـ"العربي الجديد"، إنه تم الإبقاء على باب واحد من جهة الجسر المعلق، وتم تجهيز قوات الأمن بسيارات رش المياه لتفريق المتظاهرين وتجهيزها أيضاً بقنابل مسيلة للدموع تحسباً من محاولات اقتحام المنطقة مرة أخرى.

وأضاف أن الخطة الجديدة شملت أيضاً تعزيز أمن البعثات الدبلوماسية الأجنبية والمؤسسات الحكومية داخل المنطقة الخضراء كإجراءات أمنية إضافية في حال تم اقتحام المنطقة مرة أخرى.

وأصدر قادة التيار الصدري في بغداد عدة إشارات فهم منها عزمهم على اقتحام المنطقة الخضراء السبت، في حال تم عقد الجلسة، كان أبرزها للقيادي البارز في التيار حازم الأعرجي الذي كتب على صفحته في "فيسبوك" عبارة: "السبت جاهزون".

كما توعد مدير مكتب الصدر في بغداد، إبراهيم الموسوي بكتابة عبارة "أليس السبت بقريب؟" على "فيسبوك".

وتبنت منصات على مواقع التواصل الاجتماعي يديرها ناشطون وأعضاء في التيار الصدري، توجيه دعوات بالاستعداد لاقتحام المنطقة الخضراء في حال تم عقد جلسة للبرلمان اليوم.

لكن مصادر في البرلمان العراقي ضمن الدائرة القانونية له، أكدت أمس الجمعة، لـ"العربي الجديد"، عدم وجود أي قرار بعقد جلسة السبت.

وقال مسؤول فيها لـ"العربي الجديد"، إنهم لم يتلقوا أي توجيهات بالتحضير لعقد جلسة للبرلمان.

في الأثناء، أعلن تحالف "السيادة"، الممثل السياسي عن العرب السنّة في العراق، أنه لن يحضر جلسة البرلمان ما لم يتم التفاهم على مطالب جماهيره وكذلك حلفائه في الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني، والتيار الصدري.

وذكر بيان للتحالف أن زعيم التحالف خميس الخنجر أبلغ "تحالف الإطار التنسيقي ممثلاً بنوري المالكي والحضور، أن تحالف السيادة لن يحضر جلسة البرلمان المقبلة إلا بعد اتفاق ملزم وتوقيع رسمي على ورقة تحالف السيادة لضمان حقوق جمهوره ومطالبهم وبعد التوافق مع الحزب الديمقراطي الكردستاني وضمان استحقاقاته السياسية".

وأكد البيان: "ضرورة إيجاد تفاهم وطني شامل قبل الدخول في أي تفصيلات تتعلق بالحكومة المقبلة"، كما شدد على "ضرورة مبادرة الإطار التنسيقي بخطوات حقيقية لإثبات حسن النوايا مع الجميع واحترام توجهات التيار الصدري".

وفي السياق، قال نائب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن هناك تنسيق مواقف عالياً بين تحالف السيادة وحزبه حول جلسة البرلمان المقبلة، مضيفاً أن "التحوّل لثلث معطل لمنع تمرير أي حكومة أو رئيس جمهورية رغماً عن رغبة الطرفين (تحالف السيادة والديمقراطي الكردستاني) هو خيار مطروح حالياً بقوة".

وكان تحالف "الإطار التنسيقي"، الذي يضم القوى الحليفة لإيران، قد أعلن الخميس الماضي، عن تشكيل فريق تفاوضي للتباحث مع القوى السياسية بخصوص تشكيل الحكومة.


الحزب الشيوعي: ستفشل أي حكومة جديدة تتشكل وفق نهج المحاصصة

في السياق ذاته، انتقد القيادي في "الإطار التنسيقي"، عمار الحكيم، نزول أنصار التيار الصدري للشارع واقتحامهم مبنى البرلمان، معتبراً أنها تجاوزت "الإطار القانوني".

وأكد أن "الإطار التنسيقي أجمع على مرشحه محمد شياع السوداني وأعلن ذلك وسيمضي بخطوات تشكيل الحكومة، والموضوع الآن يتركز في الساحة الكردية للاتفاق على مرشح لرئاسة الجمهورية".

وإزاء المأزق السياسي الذي يعيشه العراق، صعّدت القوى والأحزاب المدنية في اليومين الماضيين من دعوات الذهاب لانتخابات مبكرة، للتخلص من أزمة عدم تشكيل حكومة والتي قاربت على إكمال 10 أشهر من دون أي بوادر للحل (أُجريت الانتخابات التشريعية في 10 أكتوبر/تشرين الأول الماضي).

ويبدو أن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر يتفق مع هذا التوجه، إلا أن خياراته لمنع "الإطار التنسيقي"، لم يستنفدها بعد، بما فيها تمديد فترة حكومة مصطفى الكاظمي لمنع الدخول بمتاهة الحكومة الوقتية ومن سيشكلها وكم سيكون عمرها.

موقف الحزب الشيوعي

وعلى خلفية الاحتجاجات الصدرية الأخيرة، دعا الحزب الشيوعي العراقي إلى انتخابات مبكرة تنظمها حكومة مؤقتة، مشيراً في بيان إلى أن "حالة الانسداد السياسي، وانعكاساتها السلبية على استقرار البلد وحياة الناس ومعيشتهم، تتحملها القوى التي ما زالت تتمسك بالمحاصصة منهجاً لإدارة الدولة، فالانسداد السياسي لا ينحصر بانتخاب الرئاسات وتشكيل الحكومة، بل يتجلى في مظاهر وتعبيرات الأزمة العميقة للعملية السياسية القائمة على المحاصصة الطائفية والإثنية، حاضنة الفشل والفساد".

وأضاف الحزب الشيوعي في بيان أن "أي حكومة جديدة، تتشكل وفق نهج المحاصصة، سيكون مصيرها الفشل، أياً كان المكلف برئاستها، ولن تختلف تلك الحكومة، في جوهر الأمر، عن أي حكومات تشكلت على أساس المحاصصة في السنوات الماضية"، مؤكداً ضرورة "تنظيم انتخابات مبكرة، عادلة ونزيهة، تعكس إرادة العراقيين الحقة، تنظمها حكومة مؤقتة، مستقلة فعلاً، تحظى بقبول وطني".

وتتفق مجموعة من القوى المدنية الفاعلة، ضمنها أحزاب "نازل آخذ حقي"، و"البيت الوطني" وحركة "وعي"، ويساندهم نواب مستقلون، في هذا التوجه.

وفي السياق، قال عضو بارز في التيار الصدري، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن مقتدى الصدر "لا يمانع في انتخابات مبكرة"، مضيفاً أن "المؤشرات تؤكد أن التيار الصدري سيحصل على أكثر من مقاعده السابقة التي حصل عليها في انتخابات أكتوبر 2021، والإطار التنسيقي سيبقى على مقاعده إن لم يكن أقل".