الصومال: 3 استراتيجيات لإنجاح المعركة ضد "حركة الشباب"

الصومال: 3 استراتيجيات لإنجاح المعركة ضد "حركة الشباب"

03 سبتمبر 2023
جنود صوماليون يتدربون بإشراف ضابط تركي، أغسطس 2022 (إرجين إرتورك/الأناضول)
+ الخط -

يواصل الجيش الصومالي عملياته في المناطق الخاضعة لسيطرة "حركة الشباب" في محاولة لدحر نفوذ مقاتلي الحركة في ولاية جلمدغ الفيدرالية وسط البلاد. والعملية العسكرية الجارية في وسط الصومال لا تأتي ضمن سياق المرحلة الثانية من الحرب ضد الحركة، التي يفترض أن تشارك فيها دول الجوار (كينيا، جيبوتي، إثيوبيا) الموقّعة على الاتفاقية الأمنية مع الصومال في 1 فبراير/شباط الماضي.

مع العلم أن رئيس الأركان الصومالي إبراهيم محيي الدين، اعتبر في تصريحات لإذاعة "صوت أميركا" قسم الصومال في 15 أغسطس/آب الماضي، أنه لا يرى بوادر لمشاركة تلك الدول في المرحلة الثانية من الحرب المقبلة ضد الحركة، غير أنه دعاهم إلى الالتزام بالاتفاقية الأمنية.

مكاسب أمنية كبيرة للجيش الصومالي

وحققت العمليات العسكرية التي ينفذها الجيش الصومالي بالتعاون مع مليشيات العشائر المسلحة وسط البلاد مكاسب أمنية كبيرة منذ أغسطس 2022، حين تمكن الجيش من استعادة مدينة عيلبور من قبضة الحركة التي كانت تسيطر عليها منذ عام 2017 من دون مواجهات تذكر، وكانت تعتبر أكبر معقل لها وسط البلاد. وهو ما يشكل ضربة قاضية للحركة، مما استولد علامة استفهام كبيرة على قدرتها على الصمود أمام الجيش الصومالي والمليشيات العشائرية المسلحة.

عبد الحليم صالح: نجاح العمليات العسكرية مرهون جزئياً باستراتيجية تكثيف الغارات الجوية

وإثر دخول عيلبور، اعتبر الجنرال محيي الدين في تصريحات للإعلام المحلي، أن الخطط العسكرية التي يتبعها الجيش لدحر نفوذ المسلحين لا تتيح لهم فرصة للمواجهة المباشرة، مما سيدفع الحركة للانسحاب من المدينة من دون مواجهة عسكرية مع الجيش. وأضاف رئيس الأركان أن خسارة الحركة مدينة عيلبور "تعد أكبر هزيمة للإرهابيين، وستترك تداعيات نفسية كبيرة في معنويات مقاتليها، مما سيؤثر سلباً على قدرتها في الدفاع عن مدينة جلهريري، آخر معقل استراتيجي لها في وسط البلاد".

وعلى الرغم أن مدينة جلهريري تعد آخر معقل لـ"الشباب" وسط البلاد، إلا أن محللين رجحوا عدم خوض مقاتلي الحركة مقاومة عسكرية ضد الجيش الذي بدأ يحاصر المدينة بعد تقدمه نحوها من عدة جهات، لكن الحركة تلجأ عادة إلى حرب الكر والفر لاستنزاف قدرات الجيش الصومالي.

في موازاة ذلك، أفاد قائد الفرقة 26 بالجيش الصومالي الرائد إسماعيل عبد المالك في تصريح لإذاعة "صوت أميركا"، يوم الثلاثاء الماضي، بأن هناك انسحابات يجريها الجيش من بعض المناطق المحررة وسط البلاد، لأسباب وصفها بـ"التكتيكية"، من دون الإفصاح عن مزيد من التفاصيل.

وبحسب مصادر صحافية، فإن الجيش الصومالي انسحب حتى الآن من نحو 4 مناطق وهي مدينة عيل طيري ومسجواي وجلعد ووابحو إلى جانب بلدة بودبود بإقليم جلجدود. من جهتها، أعلنت "حركة الشباب"، عن استعادتها المدن والبلدات التي انسحب منها الجيش الصومالي بحسب مواقع إلكترونية محسوبة عليها.

3 استراتيجيات للجيش الصومالي

وربط محللون أمنيون قدرة الجيش الصومالي على دحر مقاتلي الحركة باعتماده على ثلاث استراتيجيات، وهي: استغلال "الصحوة العشائرية" ضد الحركة، وتفعيل الغارات الجوية لقطع تنقلات عناصرها ومعداتها العسكرية، وكسب ثقة سكان المناطق المحررة من خلال توفير المعونات والخدمات الأساسية في مناطقهم.

وركزت الحكومة الصومالية على تغيير استراتيجيتها وتكتيكاتها العسكرية في الآونة الأخيرة، إذ تم تأهيل نحو 12 ألف جندي في غضون 5 أشهر إلى جانب استغلال الاستياء الشعبي والصحوة العشائرية في أقاليم البلاد، للقضاء على الحركة تمهيداً لاستلام المهام الأمنية بعد انسحاب القوات الأفريقية "أتميس" من الصومال، في موعد أقصاه ديسمبر/كانون الأول 2024، بموجب قرار صادر عن الأمم المتحدة في يونيو الماضي.

وحول هذه التطورات، اعتبر المتحدث باسم وزارة الأمن القومي عبد الكامل شكري، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الاستراتيجية العسكرية الحكومية مختلفة تماماً عن سابقتها، من ناحية تكتيك الحرب ورفع عديد الجيش الصومالي وتأهيله استعداداً للانسحاب التدريجي للقوات الأفريقية من الصومال. ولفت إلى أن زيادة عديد الجيش ستسمح له بفتح جبهات قتالية مختلفة ضد مناطق سيطرة "حركة الشباب"، مما يشكل تحدياً لها على مختلف الجبهات، نظراً لتراجع نفوذها العسكرية في الآونة الأخيرة.

عبد الكامل شكري: زيادة عديد الجيش ستسمح له بفتح جبهات عدة ضد الحركة

وكان الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، قد أدلى بتصريحات للإعلام المحلي في 17 أغسطس الماضي، أكد فيها استعداد الحكومة لدحر "حركة الشباب"، مشيراً إلى أن عدد عناصر الجيش الصومالي سيصل في نهاية العام الحالي إلى 20 ألف جندي (يُقدّر بنحو 15 ألف حالياً)، وهو أكبر عدد للجيش منذ انهيار الحكومة المركزية في عام 1991. ولفت شيخ محمود إلى أن الاعتماد على الصحوة العشائرية التي انتفضت ضد تصرفات عناصر الحركة، له فعالية قوية في ميدان القتال لأنها ساهمت بشكل كبير في تحقيق المكاسب الأمنية التي حققها الجيش، ضد مناطق نفوذ الحركة في وسط الصومال وجنوبه.

وأشار شيخ محمود إلى أن تلك الاستراتيجية جاءت نتيجة استياء السكان المحليين من أفعال عناصر الحركة، إلى جانب سياسة فرض "الإتاوات" على القرويين رغم الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الناس. ووظفت الحكومة الصومالية هذه الصحوة بشكل صحيح، فأتت النتائج العسكرية كبيرة، وأفقدت الحركة توازنها في مناطق نفوذها.

واعتبر أن المليشيات العشائرية المسلحة نقطة القوة للجيش الصومالي في دحر المسلحين في جميع مناطق البلاد، لبسط نفوذ الدولة في ربوع الولايات الفيدرالية. وخسرت "حركة الشباب" في ظرف 5 أشهر نحو 52 منطقة من مدن وقرى وبلدات، وذلك في المرحلة الأولى للعملية العسكرية التي يقودها الجيش الصومالي بالتعاون مع مليشيات عشائرية مسلحة منذ يونيو/ حزيران الماضي، وفق مصادر حكومية.

كذلك، يشكل الاعتماد على الغارات الجوية عاملاً مفصلياً في حسم العمليات العسكرية ضد مقاتلي الحركة، الذين يلوذون بالفرار باتجاه المناطق النائية عند خسارتها المدن الكبيرة، لإعادة تجميع قواتها وتشكيل صفوفها مجدداً لشن ضربات موجعة على معاقل الجيش الصومالي.

وقال مستشار مكتب الأمن القومي الوطني عبد الحليم صالح، في حديث مع "العربي الجديد"، إن نجاح العمليات العسكرية وتصفية المسلحين في جنوب البلاد ووسطها، مرهون جزئياً باستراتيجية تكثيف الغارات الجوية المبنية على معلومات استخباراتية. كما أن اعتماد الحكومة الصومالية بشكل كبير على الغارات الجوية التي ينفذها الشركاء الدوليون، تساهم في منع مقاتلي الحركة من التنقل داخل المناطق النائية وشن هجمات مميتة ضد المراكز العسكرية الحكومية.

وأوضح صالح أن أسلوب قتال "حركة الشباب" يتمحور حول معارك الكر والفر، وهي استراتيجية باتت فعّالة بالنسبة لها واستنزفت الجيش الصومالي، إلا أن للجيش أسلوبين لمواجهة هذه الاستراتيجية. الأسلوب الأول هو نشر عناصر مليشيات مسلحة في القرى والبلدات المحيط بالمدن الكبرى، لإحباط المسلحين، والثاني متعلق بتوفير دعم جوي سريع من خلال الغارات الجوية عند شن مقاتلي الحركة هجومهم على المراكز العسكرية الحكومية.

سبب تركز العمليات في وسط الصومال

وحول تركز العمليات العسكرية الحكومية وسط البلاد، لفت صالح إلى أن هذه العمليات من شأنها احتواء تشتت مناطق نفوذ مقاتلي الحركة وتصفيتهم في وسط البلاد، من أجل حشد نفوذ الحركة إلى المناطق الجنوبية، تمهيداً لتوجيه المرحلة الثانية من الحرب بمشاركة قوات من دول الجوار إلى جبهة واحدة، مما يضع مستقبل "حركة الشباب" على المحك.

وبخصوص مخاوف سكان مناطق المحررة من الانسحابات المتكررة من الجيش بعد تحرير مناطقهم من الحركة، قال صالح إن الجيش الصومالي اعتمد سياسة البقاء في تلك المناطق، وتشكيل الإدارة المحلية. ووضعت الحكومة الصومالية جميع المؤسسات المعنية للعمل الإنساني، بما فيها وكالة إدارة الكوارث الصومالية، بحالة التأهب، من أجل إيصال مساعدات إنسانية إلى المناطق المحررة من قبضة مقاتلي الحركة. وأعلنت وكالة إدارة الكوارث الصومالية إرسال نحو 27 شاحنة من المساعدات الغذائية والطبية، إلى المناطق المحررة، ستستفيد منها نحو 7 آلاف أسرة.

وقال وزير العدالة والدستور الصومالي حسن معلم محمود، في تصريحات لوسائل إعلام حكومية في 22 أغسطس، إن الحكومة الصومالية تسعى إلى إعادة جميع الخدمات الأساسية للمناطق المحررة، من التعليم والصحة إلى جانب المساعدات الإنسانية. ودعا الوزير سكان المناطق المحررة إلى عدم النزوح والبقاء في منازلهم، مشيراً إلى أن العمليات ستستهدف مكافحة المسلحين فقط، كما أن الجيش سيعمل على "إعادة حرياتكم المسلوبة من قبل الإرهابيين"، وفقاً له.

من جهته، رأى المحلل السياسي في "مركز آفاق للإعلام المحلي" محمد عثمان، أن كسب ثقة سكان المناطق المحررة من خلال توفير المعونات والخدمات الأساسية، هو من ضمن الأساليب التي تمكّن للجيش من استيعاب المواطنين وقطع التواصل مع مسلحي الحركة، الذين كانوا يحكمون تلك المناطق منذ نحو عقد. وأوضح عثمان في حديث لـ"العربي الجديد"، أن مقاتلي الحركة خلقوا صراعات داخل القبائل في المناطق التي كانت تحت سيطرتها وفق "مبدأ فرق تسد"، وعلى الحكومة الصومالية بدء المصالحات بين القبائل، تمهيداً لتشكيل نظام إداري محلي وبسط نفوذ الدولة في المناطق الريفية.