السلاح في الأردن: الهواجس الأمنية والسياسية تصطدم بالتقاليد

السلاح في الأردن: الهواجس الأمنية والسياسية تصطدم بالتقاليد الاجتماعية

09 ديسمبر 2020
يستخدم بعض الأردنيين السلاح في جميع مناسباتهم (ماركو لونغاري/فرانس برس)
+ الخط -

شكّلت المظاهر المسلحة التي شهدتها العديد من المناطق في الأردن عقب إعلان نتائج الانتخابات النيابية التي جرت في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وخصوصاً الاستعراض بالأسلحة الأوتوماتيكية، إحراجاً كبيراً للسلطات، وخلقت أجواءً من القلق السياسي، لا سيما أنها حصلت في ظلّ حالة طوارئ، وأوامر الدفاع للحدّ من انتشار جائحة كورونا. هذا الأمر اضطر وزير الداخلية توفيق الحلالمة إلى تقديم استقالته، في وقت صدرت التعليمات الرسمية بالتشدد في الإجراءات الأمنية، والدعوة إلى تطبيق القانون، وتعديل التشريعات الناظمة لاقتناء الأسلحة. من جهته، أبدى العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، غضباً شديداً حيال ما حصل، وكتب في تغريدة على موقع "تويتر"، أن "المظاهر المؤسفة التي شهدناها من البعض بعد العملية الانتخابية، خرقٌ واضح للقانون، وتعدّ على سلامة وصحة المجتمع، ولا تعبر عن الوعي الحقيقي للغالبية العظمى من مواطنينا". أما رئيس الوزراء بشر الخصاونة، فأشار إلى أولوية تشريع قانون يضبط استخدام المواطنين للأسلحة والذخائر، مشدداً على أن إطلاق النار بهذا الشكل يهدّد حياة المواطنين، ولن تتهاون الحكومة حياله.

يحتل الأردن المرتبة الرابعة عربياً والـ32 عالمياً من حيث انتشار الأسلحة بين المواطنين

في أعقاب ذلك، نظّمت مديرية الأمن العام حملة أمنية لجمع السلاح المستخدم في هذه المظاهر، مشيرة إلى أن "فرق التحقيق تستخدم كافة الوسائل التحقيقية الفنية والتقنية المتاحة، إضافة إلى جمع المعلومات بالطرق الاستخبارية، ولن تتوقف عن العمل لحين إتمام مهامها، والقبض على كل من استخدم وأطلق عيارات نارية".

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

ووفقاً لدراسة صدرت في العام 2017 عن المنظمة البحثية غير الحكومية المختصة بشؤون التسليح، "سمول آرمز سيرفي"، ومقرّها جنيف، يحتل الأردن المرتبة الرابعة عربياً بعد اليمن ولبنان والعراق، والـ32 عالمياً، من حيث انتشار الأسلحة بين المواطنين. وذكرت الدراسة أن نسبة المدنيين الذين يحملون السلاح في الأردن، بلغت 18.7 من كل 100 شخص، فيما أفادت دراسة ميدانية أجرتها الجمعية الأردنية للعلوم السياسية في العام 2019، بأن نحو 24 في المائة من الأردنيين يملكون أسلحة نارية وأتوماتيكية، وأنه يوجد نحو 108 متاجر لبيع الأسلحة.
الجانب الأمني خلق تخوفات وهواجس سياسية، فهذا السلاح من الممكن أن يصل إلى متطرفين، أو إلى عتاة المجرمين في لحظة فوضى قد تحدث جراء تغيرات سياسية أو كارثة طبيعية.
ويؤكد الخبير الأمني جلال العبادي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الأسلحة التي ظهرت في الأطراف وفي أيدي العشائر الأردنية، لا علاقة لها بالسياسة، لافتاً إلى أن السلاح لدى الأردنيين في الأغلب مرتبط بثقافة وتقاليد اجتماعية، وجزء من كينونة وشخصية الأردنيين، ولم يستخدم يوماً ضد الدولة، ولم يرفع في وجهها. ويضيف العبادي أن السلاح ليس في أيدي أحزاب أو تنظيمات سياسية أو مليشيات، بل هو في أيدي أفراد، لافتاً إلى أن الكثير من المواطنين اعتادوا منذ عشرات السنين على اقتناء السلاح لحماية أسرهم وممتلكاتهم، وبقيت الأمور على حالها، على الرغم من تطور الدولة وفرضها للمظاهر الأمنية.
ويوضح الخبير الأمني أن السلاح منتشر في كل مكان في دول الجوار، كالعراق وسورية، متوقعاً امتلاك الأردنيين حوالي مليوني قطعة سلاح. وحول ذلك، يرى أن هناك مبالغة بالقول إن الأردنيين يمتلكون أكثر من 8 ملايين قطعة سلاح، وفق تصريحات لمسؤولين سابقين. ويعتبر العبادي أن الأهم هو السيطرة على انتشار السلاح المتدفق من دول الجوار وتجارته وتهريبه، على الرغم من صعوبة ضبط الحدود الممتدة لمسافات طويلة، بشكل كامل.

تسيطر التجاذبات في الأردن بين القانون ودولة المؤسسات، وبين القيم المجتمعية

في المقابل، يشير العبادي إلى أن هناك حوالي 200 إلى 300 ألف أسرة أردنية لا تملك السلاح، وهذه أسر تعاني من الفقر والجوع، فيما السلاح مرتفع الثمن، إذ إن سعر قطعة سلاح بإمكانه الإنفاق على أسرة لفترة غير قصيرة. ويوضح في السياق وجود ما يزيد عن 300 ألف قطعة سلاح مرخصة في البلاد، بحسب قانون 1952 وتعديلاته. ويرى الخبير الأمني أن أفضل وسيلة للسيطرة على السلاح في المملكة، هي عبر ترخيص كافة أنواع الأسلحة الخفيفة للمواطنين، وبذلك تضمن السلطات أن تكون هذه الأسلحة تحت سيطرتها ومراقبتها، إذ يكون عددها معروفاً كما مقرات إقامة أصحابها واضحة.
ويشير العبادي إلى أن مشروع القانون المعدل لقانون الأسلحة والذخائر لسنة 2016، والذي سيناقشه مجلس النواب خلال الفترة المقبلة، يشدد العقوبات، ويلغي جميع الرخص الحالية، ويطالب مقتني الأسلحة بإصدار تراخيص جديدة. ويوضح أنه بحسب القانون، يلتزم المرخص لهم بتسليم الأسلحة إلى أقرب مركز أمني خلال مدة لا تتجاوز 6 أشهر من تاريخ نفاد أحكام القانون، كما يتم تعويض المرخص لهم تعويضاً عادلاً خلال المدة المشار إليها في البند ذاته. ويؤكد العبادي على ضرورة وضع رسوم منطقية لترخيص الأسلحة من أجل ضمان استجابة المواطنين، ومنح تعويضات مناسبة، معتبراً أن الأهم هو تنظيم سوق السلاح وليس جمعه، فهو موروث اجتماعي وثقافي لا يمكن إلغاؤه. وبرأيه، فإن أفضل الخيارات، هو وضع خطوات متسلسلة. وحول التحدي الأمني، فإن الخبير الأمني يدعو إلى عدم القياس على عدد من الشباب الذين خالفوا القانون، معتبراً أن الأردن مستهدف، والحدود مع دول الجوار ملتهبة، ولا أحد يعلم كيفية تطور الظروف في هذه المنطقة.
بدوره، يرى عميد كلية العلوم الاجتماعية في جامعة مؤتة، والمختص في علم الاجتماع السياسي، وعضو مجلس محافظة الكرك، الدكتور حسين المحادين، أن تحليل ظاهرة إطلاق العيارات النارية لا بد أن يكون بالعودة إلى جذورها، ومنها الجذر المكاني، فـ"ثقافتنا السائدة هي ثقافة المغالبة، وليس الحوار".
ويشرح المحادين، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن عملية اقتناء السلاح من منظور المكانة الاجتماعية لدى الأردنيين، إنما تمثل جزءاً مهماً من إحساسهم بهويتهم أفراداً وجماعات، ومردود ذلك تاريخياً إلى أن المجتمع الأردني لا يزال في مرحلة تحول مؤسسي من قيم البداوة والصحراء التي تشكل 80 في المائة من مساحته، وهو ما يُفسر استناداً إلى مقولة ابن خلدون "تتأثر طبائع الناس بجغرافية أمكنتهم".
ويوضح المحادين أن الشخصية الأردنية ذات جذور بدوية لا تزال حاضرة، بشخصية الفارس المغوار وثقافة الخشونة، وبالتالي يأتي الاعتداد بحمل السلاح. ويرى أن الأردني يشعر بالأمان على حياته ووجوده في ظلّ امتلاكه السلاح، ومن هنا تسيطر التجاذبات بين القانون ودولة المؤسسات، وبين القيم المجتمعية التي ترى في اقتناء السلاح جزءاً مهماً من أسباب عيشهم بأمان، خصوصاً أن الأردن يقع في إقليم يعج بالصراعات، وغارق بالسلاح.
وفي مسألة التقاليد والعادات، يلفت عميد كلّية العلوم الاجتماعية في جامعة مؤتة، إلى أن الأردنيين يُعبّرون حتى عن فرحهم بالسلاح، فعند الزواج أو النجاح يتم إطلاق الأعيرة النارية، متحدثاً عن قبول اجتماعي بشكل عام لذلك، مضيفاً أن السيطرة على السلاح يجب أن تمر وفق مراحل تبدأ بالتوعية من خلال الأسرة والمدرسة، وحتى دور العبادة.
ويشدد المحادين أخيراً على أن موضوع السلاح والسعي لقوننته في الأردن ضرورة حياتية وسيادية مطلوبة من الدولة ومؤسساتها المختصة، كونه يمثل قطاعاً تجارياً وطنياً، وجزءاً من اقتصاد الظلّ المُدر للدخل المرتفع جداً لأصحابه، لافتاً إلى أن الموقع الجغرافي والسياسي للأردن، كان من أحد الأسباب التي زادت في انتشار السلاح، خصوصاً مع اندلاع الحروب في المنطقة.