الجماعات المسلحة: دور التحالفات والأيديولوجيا في بقائها

الجماعات المسلحة: دور التحالفات والأيديولوجيا في بقائها

12 أكتوبر 2020
لم يختف "داعش" عن الساحة رغم هزيمته (أريس مسينس/فرانس برس)
+ الخط -

ربما ظنّ كثيرون أنّ تنظيم "داعش" قد انتهى، أو ربما أوشك على الانتهاء، عندما تم الإعلان عن هزيمته في كل من سورية والعراق. ففي العام الماضي خسر التنظيم المتطرف آخر معقل له في بلدة الباغوز بريف دير الزور، شرقي سورية، وفي الأخيرة أيضاً خسر التنظيم زعيمه أبو بكر البغدادي في قرية باريشا بريف إدلب، شمال غربي سورية. وقبل ذلك، وفي نهاية عام 2017، تم الإعلان عن هزيمة "داعش" في العراق. ولكن في الواقع فإن عمليات التنظيم وإن كانت قد خفّت بشكل كبير، إلا إنها لم تتوقف لا بل عاد "داعش" لـ"ينهض من تحت الرماد بهدوء في أجزاء من العراق وسورية". وهذه ليست المرة الأولى التي يتعافى فيها تنظيم من تجربة الاقتراب من الموت، فتنظيم "القاعدة" مثلاً، أعاد تشكيل نفسه بعد أن كاد أن يهزم في 2007-2008.
لم يختف تنظيم "داعش" عن الساحة، وأظهر مرونة غير عادية في التكيّف مع المستجدات. فما الذي ساعده على ذلك؟ تلقي مجلة "فورين بوليسي" الأميركية الضوء على مسألة التحالفات بين الجماعات المسلحة، ومدى مساعدتها التنظيمات على البقاء. ولعل أبرز ما يمكن أن يجمعها ويكون ناجعاً في هذا الإطار هو "الأيديولوجيا المشتركة".
وتقول "فورين بوليسي" في تقرير نشر عبر موقعها الإلكتروني، إنه "على مدى العقود الأخيرة، ثبت أنه من الصعب هزيمة الجماعات المسلحة التي لديها شبكات دولية واسعة من الفروع والحلفاء والمؤيدين، كما كان الحال بالنسبة لداعش. ومن دون هزيمة هذه الشبكة بأكملها، سيكون من الصعب إنهاء الجماعة الأساسية بالكامل".

وصلت التحالفات بين الجماعات المسلحة إلى ذروتها في عام 2010

وتضيف المجلة أنه "تمت ملاحظة قيمة وأهمية التحالفات في المنافسة الجيوسياسية بين الدول في السنوات الماضية. واتضح أنّ التحالفات لا تقل أهمية بالنسبة للجماعات المسلحة التي غالباً ما تكون عديمة الجنسية. فالفرق بين جماعة إرهابية ذات حلفاء أيديولوجيين، وجماعة إرهابية بدون حلفاء، هو الفرق بين البقاء والهزيمة". وفي تحليل لسلوك الجماعات المسلحة على مدار السبعين عاماً الماضية، قامت المجلة بدراسة التحالفات المعروفة بين الجماعات المسلحة منذ عام 1950، وطريقة العلاقات التعاونية داخلها، من خلال استخدام مجموعة واسعة من المعلومات مفتوحة المصدر.

تقارير عربية
التحديثات الحية

وتكشف البيانات أنه بين عامي 1950 و2016، طورت الجماعات المسلحة شبكات أوسع بكثير مما هو معروف بشكل عام. ويحدد تقرير المجلة ما يقرب من 15000 حالة تعاون بين 2613 جماعة مسلحة مختلفة، مما يقوض الاعتقاد السائد بأن الجماعات المسلحة تعمل بشكل أساسي في عزلة. وتضيف المجلة: "لقد أصبحت هذه الشبكات أكثر اتساعاً مع مرور الوقت، إذ ازداد عددها، وتوسعت في النطاق الجغرافي". وتشير "فورين بوليسي" إلى أنّ "عدد التحالفات النشطة نما بشكل مطرد منذ أواخر الستينيات وحتى أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، إذ انتقل من أقل من 50 بقليل إلى ما يقرب من 175، بما يتوافق مع موجة انتهاء الاستعمار الأوروبي، وصعود الحركات الشيوعية في أوروبا الغربية وأميركا اللاتينية وجنوب شرق آسيا.

وبعد فترة هدوء قصيرة في أواخر الثمانينيات، تصاعدت التحالفات مرة أخرى حتى وصلت إلى ذروتها في عام 2010 تقريباً، عندما سيطرت الروابط والصلات بين الجماعات الإسلامية المسلحة، التي كان كثير منها مدفوعا بوجود القوات الأميركية في أفغانستان والعراق. وقد تضمن التعاون في إطار هذه الروابط تبادل المعدات، مثل البنادق والمتفجرات وغيرها، وجهود لمساعدة الجماعات المسلحة على تهريب الموارد المختلفة إلى أفغانستان والعراق لمواصلة قتالها ضدّ القوات الأجنبية هناك"، وفق "فورين بوليسي".
وتقول المجلة الأميركية: "تساعد هذه التحالفات في ضمان البقاء بالنسبة للجماعات المسلحة. ويمكن للمجموعات ذات الشبكات القوية أن تعتمد على حلفائها عندما تكون الأوقات صعبة، بينما يجب على تلك التي تعيش في عزلة أن تدافع عن نفسها". لكن بيانات "فورين بوليسي" تكشف أيضاً أن "ليست كل التحالفات متساوية في العمق والمتانة، فكثير منها لم يدم طويلاً، وسرعان ما انهار في مواجهة القمع الحكومي، على عكس ما أثبتته جماعات أخرى، مثل الحلفاء الذين شكلهم داعش، وأثبتوا أنهم أكثر مرونة".
وتوضح المجلة أنه مع صعود "داعش" في عام 2013، توسعت شبكة تحالفاته، إذ زادت من ثلاثة فقط في ذلك العام إلى أكثر من 30 في عام 2016، فضلاً عن زيادة الدعم المادي له، ودعمه هو لبعض الجماعات المرتبطة به. وعندما اشتدت المعارك مع قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة في عام 2015، وأصبح التعاون المادي أكثر صعوبة، بدأ داعش في تكوين علاقات جديدة على أساس الروابط الكلامية وتعهدات الولاء. وسمح ذلك للتنظيم بتوسيع تواجده العالمي على الرغم من الانتكاسات في ساحة المعركة في العراق وسورية.

وتشير المجلة إلى أنّ "ما جعل هذه التحالفات دائمة ومتواصلة، هو أساسها المبني على أيديولوجيا جهادية متطرفة مشتركة. إذ تعتبر الأيديولوجيا المشتركة، وخصوصاً الدين المشترك، أمراً بالغ الأهمية للحفاظ على التحالفات عندما تكون الأوقات صعبة. وبدونها، من المرجح أن تنهار التحالفات تحت وطأة الضغط العسكري، بحيث تتراجع المجموعات عن التزاماتها وتعطي الأولوية لبقائها الفوري. كما تزيد المعتقدات الدينية المشتركة من مستويات الثقة". وتعطي المجلة مثلاً عن التحالف بين "داعش" وتنظيم "أنصار بيت المقدس" في مصر (غيّر اسمه لاحقاً لـ"ولاية سيناء" بعد مبايعته داعش). وتقول إنّ التنظيمين تعرضا لضغوط كبيرة في إطار محاولة القضاء عليهما (داعش من قوات التحالف بقيادة واشنطن وأنصار بيت المقدس من القوات المصرية). وعادة ما يكون من الصعب الحفاظ على التحالف في ظلّ هكذا ظروف، لكن "كبار رجال الدين المتشددين في مصر دفعوا أنصار بيت المقدس للتعهد بدعم داعش والبقاء ملتزمين معه. ونتيجة لذلك، حصل أنصار بيت المقدس على أسلحة ودعم دعائي، وتمكن من تعزيز صفوفه بمجندين أجانب، بينما اكتسب داعش موطئ قدم في مصر ومصداقية لدى المتشددين المصريين".

تعتبر الأيديولوجيا المشتركة، وخصوصاً الدين المشترك، أمراً بالغ الأهمية للحفاظ على التحالفات

وبحسب المجلة، فإنّ قوة هذه العلاقات التي بناها "داعش"، تعني أنّ "هزيمة مثل هذا التنظيم هي تحدٍ عالمي وليس محليا، ويتطلب مناهج سياسية واجتماعية تقلل من جاذبية الأيديولوجيات الأساسية". ولا تقتصر فوائد الاشتراك في الأيديولوجيا نفسها على الجماعات المتشددة دينياً فقط، إذ غالباً ما تؤدي الأيديولوجيات الأخرى وظيفة مماثلة، مثل تلك التي وحدت العديد من الجماعات اليسارية المسلحة خلال الحرب الباردة. لكن الأيديولوجيات غير الدينية تؤدي بشكل عام إلى علاقات أقل ديمومة، في مواجهة القمع الحكومي. وتقل احتمالية انهيار العلاقات القائمة على أيديولوجيا دينية مشتركة بنسبة 25 في المائة، عن العلاقات القائمة على أيديولوجيا مشتركة أخرى، وفق تحليل "فورين بوليسي".

ومع ذلك، هناك أيديولوجيات غير دينية قدمت فوائد مماثلة في الماضي، ويمكن أن تستمر في ذلك في المستقبل. على سبيل المثال، يمكن لشبكات التشدد اليميني المتطرف المتنامية اليوم، أن تكون صعبة الهزيمة إذا طورت روابط أيديولوجيا قوية. فقد أصدرت لجنة مكافحة الإرهاب التابعة لمجلس الأمن الدولي أخيراً، تقريراً عن "التهديد المتنامي والمتجاوز للحدود الذي يشكله الإرهاب اليميني المتطرف". وأصدرت السلطات في أستراليا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، ونيوزيلندا، والولايات المتحدة تحذيرات حول التهديد الذي يمثله التشدد اليميني المتطرف.