التوترات من بغداد إلى البصرة: جهود التهدئة تسابق انفجار الأوضاع

التوترات من بغداد إلى البصرة: جهود التهدئة تسابق انفجار الأوضاع

02 سبتمبر 2022
مسلح خلال تشييع عنصرين في "سرايا السلام" في البصرة أمس (حسين فالح/فرانس برس)
+ الخط -

استقرت حصيلة المواجهات المسلحة التي اندلعت فجر أمس الخميس في مدينة البصرة أقصى جنوبي العراق، واستمرت لأكثر من 6 ساعات بين جماعتي "سرايا السلام"، الجناح المسلح للتيار الصدري، و"عصائب أهل الحق"، بزعامة قيس الخزعلي، أحد أبرز الفصائل المسلحة الحليفة لإيران في العراق، عند 5 قتلى ونحو 20 جريحاً.

وساهم تدخل أطراف في بغداد، من بينها "رئيس أركان" هيئة "الحشد الشعبي"، عبد العزيز المحمداوي (أبو فدك)، في وقف الاشتباك، وانسحاب مسلحي "العصائب" من شارع القصور وسط البصرة، حيث مركز تلك المواجهات، التي استخدمت فيها قذائف الهاون والأسلحة المتوسطة.

لكن الخشية تبقى قائمة من تجدد المواجهات بين الفصائل المسلحة، سواء في بغداد أو البصرة أو أي منطقة أخرى، لا سيما إذا لم يشهد العراق أي حلحلة للأزمة السياسية المتواصلة، في ظل استمرار الخلاف على الانتخابات المبكرة ومساعي قوى "الإطار التنسيقي" لإعادة تفعيل عمل البرلمان وتشكيل حكومة جديدة. 


"وزير الصدر" للخزعلي: اكبح جماح مليشياتك الوقحة
 

كما تستمر حالة الترقب بعدما حددت المحكمة الاتحادية العليا في العراق، أمس الخميس، يوم الأربعاء المقبل موعداً لإصدار الحكم النهائي بشأن الدعوى المقامة أمامها بشأن حلّ مجلس النواب، المقدمة من قبل التيار الصدري وقوى وشخصيات مدنية أخرى.

ساعات صعبة في البصرة

وشهدت البصرة، المطلة على مياه الخليج العربي والمنفذ الرئيس لأكثر من 90 في المائة للنفط العراقي، ومصدر الاستيراد الرئيس في البلاد، حيث موانئ العراق على الخليج، "ساعات صعبة فجر الخميس"، وفقاً لتعبير مسؤول أمني رفيع فيها. 

وقال المسؤول، لـ"العربي الجديد"، إن حصيلة المواجهات المسلحة بين الصدريين وجماعة "عصائب أهل الحق"، انتهت بمقتل 5 أشخاص، اثنان من التيار الصدري وثلاثة من "العصائب". 

وبحسب المسؤول فإن المواجهات اندلعت بعد اغتيال القيادي في التيار الصدري حسين فؤاد، ومزاعم الصدريين بأن الذين اغتالوه دخلوا إلى مقر لجماعة "العصائب" في منطقة القصور الحكومية. 

وساطات واتصالات أنهت المواجهة

وتحدث عن عدة وساطات واتصالات هاتفية من بغداد أنهت المواجهة، وأدت إلى انسحاب "عصائب أهل الحق"، بينما استمر مسلحون تابعون إلى فصيل "سرايا السلام" التابع للصدريين بالانتشار حتى الساعة 11 من صباح أمس الخميس، قبل أن يتلاشوا في معاقلهم التقليدية بالبصرة، وأبرزها البراضعية وشط العرب والحيانية.

وعلى أثر المواجهات عاودت قيادة عمليات البصرة، المسؤولة عن الملف الأمني، تنفيذ خطة انتشار واسعة في أغلب مناطق المحافظة، ونشر دوريات راجلة وحواجز تفتيش. لكن أهالي المحافظة يقولون إن ذلك لن يمنع وقوع مواجهة جديدة، وهو ما يشرحه الناشط المدني في البصرة زين العابدين علي، بالقول إن "القوات العراقية تتحول إلى قوات حفظ السلام في مثل هذه المواجهات". 

وأوضح، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، أن "الأوضاع مستقرة في البصرة، لكنها تحت رحمة قرار الفصائل بمعاودة الاشتباك مرة أخرى، لأن القتلى لهم عشائر أيضاً، وهم يهددون بأخذ الثأر العشائري أيضاً". 

وأعرب زين العابدين علي عن اعتقاده بأن "مراسم زيارة أربعينية الإمام الحسين، التي توافق في 17 الشهر الحالي، وبدء توافد ملايين الزوار من خارج البلاد وداخله إلى النجف وكربلاء، هي المانع الأكبر حالياً لدى الجانبين في الصدام، وليس الوساطات ودعوات التهدئة". 

وتركزت الاشتباكات المسلحة التي وثق جانباً منها مواطنون، في مناطق التنومة والبراضعية والقصور وشارع الجمهورية، حيث استخدمت فيها أسلحة متوسطة وخفيفة وقاذفات صواريخ محمولة على الكتف. 

وأعلنت "سرايا السلام"، أمس الخميس، مقتل اثنين من عناصرها "بإطلاق نار وسط البصرة"، من دون أن تكشف عن أي تفاصيل أخرى. ونقل راديو "المربد"، الذي يبث من البصرة، عن القيادي بالتيار الصدري، حيدر المنصوري، قوله إنه "يجب إخلاء منطقة القصور وملاحقة المتورطين بعمليات الاغتيال"، في إشارة إلى منطقة القصور الحكومية التي تتخذ منها فصائل مسلحة حليفة لإيران مقراً لها. 

وأضاف أن "وجود المليشيات الخارجة عن القانون، متخفين بالحشد الشعبي يعني عدم استقرار المحافظة، وخاصة بعد سيطرة فصيل واحد عليه". 

وأشار إلى أن "العبث بأمن محافظة البصرة يعني العبث بأمن العراق واقتصاده ونسيجه الاجتماعي، ويجب ملاحقة المجاميع الإرهابية التي تم كشف تورطها في عمليات الاغتيال التي حدثت اليوم (أمس)، لأن القصور في محافظة البصرة باتت مقراً لانطلاق عمليات الاغتيالات منذ فترة ليست بقليلة". 

تنديد صدري باغتيال حسين فؤاد

وفي أول رد فعل رسمي من التيار الصدري، أصدر صالح محمد العراقي، الذي يتولى إصدار مواقف وتوجيهات زعيم التيار مقتدى الصدر، ويعرف باسم "وزير الصدر" بياناً، ندد فيه بعملية الاغتيال التي طاولت حسين فؤاد. 

وخاطب صالح محمد العراقي زعيم مليشيا "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي قائلاً: "أحذرك يا قيس إذا لم تكبح جماح مليشياتك الوقحة، وإذا لم تتبرأ من القتلة والمجرمين التابعين لك، أو تثبت أنهم لا ينتمون إليك فأنت أيضاً وقح". 

وتابع: "كفاك استهتاراً بدماء الشعب أياً كانوا... فإن أعطيت لنفسك الولاية بقتل أتباعك، مثل أبي ذر، فلا يعني أنك تنصب نفسك جلاداً لكي تغتال كلابك المسعورة الأسود... والحشد براء منك أيها الوقح". وأبو ذر هو قيادي بالتيار الصدري اغتيل عام 2007 في النجف. ويظهر أن التيار الصدري يتهم في هذا البيان الخزعلي بالوقوف وراء اغتياله.

وبعد نحو ساعتين من بيان صالح العراقي، رد الخزعلي ببيان، طالب فيه أتباعه بعدم الرد على أي إساءة توجه شخصياً له، معلناً غلق كافة مقرات ومكاتب مليشيا "العصائب" اعتباراً من أمس الخميس وحتى إشعار آخر. وأضاف: "هناك من يتربص بنا ويريد تأزيم الأمور. فوتوا الفرصة عليهم وأفشلوا مخططهم بالسكوت". 

ومواجهات البصرة اندلعت بعد يومين فقط من اشتباكات دامية استمرت لأكثر من 24 ساعة في المنطقة الخضراء، وخلفت 33 قتيلاً من التيار الصدري ومسلحي فصائل مختلفة إلى جانب نحو 300 جريح، ما زال العشرات منهم في مستشفيات بغداد. ومن بين القتلى ثلاثة جرى تشييعهم في بغداد بحضور الخزعلي.

سقوط قتلى يزيد من تعقيد الأزمة

وبرأي الخبير بالشأن السياسي العراقي أحمد النعيمي، فإن سقوط قتلى جدد من الطرفين يزيد من الأزمة تعقيداً. وأضاف النعيمي أن "الأزمة تم تجميدها أو ترحيلها لوقت آخر، لكن لم تحل، والنفوس ما زالت مشحونة، وقرار الإطار التنسيقي استئناف حراكه بتشكيل حكومة من دون أن يقدم على أي تنازل كما فعل الصدر بسحب أنصاره من المنطقة الخضراء، ولو على مستوى تغيير مرشحه لرئاسة الحكومة (محمد شياع السوداني) الذي استفز الصدر سابقاً، قد يؤدي إلى إعادة التصعيد من قبل الصدريين مرة أخرى". 

من جهته، قال أحد النواب التابعين لتحالف "الإطار التنسيقي"، والقريبين من "عصائب أهل الحق"، إن "توجيهات جديدة صدرت من قبل قيادة الإطار بمنع التعليقات الصحافية الهجومية ضد التيار". 


5 قتلى في البصرة، 3 من عصائب أهل الحق، و2 من الصدريين

واعتبر أن ما يحدث "استهتار بالعملية السياسية من قبل التيار الصدري، الذي يعمل الآن على ترويع الأحزاب التي يعتبرها خصومه، وقد بلغ الأمر تهديدات وصلت للقوى السياسية بفك التجميد عن جيش المهدي، بمعنى أنه لا يمانع من عودة المواجهة المسلحة". 

واعتبر النائب، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، طالباً عدم ذكر اسمه، أن "أطرافاً إيرانية قادت اتصالات تهدئة بالساعات الماضية، وطالبت بعدم الرد على الصدريين، لكن ما حدث في البصرة يشبه إلى حد كبير ما حدث في بغداد".

"التيار" يلتزم بقرارات الصدر

لكن عضو التيار الصدري عصام حسين أشار إلى أن التيار التزم بقرارات الصدر، متهماً من وصفها بـ"المليشيات الولائية"، بتنفيذ عمليات اغتيال وانتقام من أعضاء في التيار في سبيل جر "سرايا السلام" إلى الاقتتال، وفقاً لقوله. 

وقال حسين، لـ"العربي الجديد"، إن ما أسماها بـ"الممارسات الإرهابية، التي تقودها بعض المليشيات في البصرة، بحماية أمنية من قبل جهات من المفترض أنها حكومية وتحتمي في قصور حكومية أيضاً، ستنتهي على أيدي العراقيين الذين يرفضون أن يكونوا تابعين لإيران".

من جانبه، قال النائب المستقل باسم خشان إن "هذه الحالة (الاشتباكات) قد تمتد إلى محافظات أخرى في حال استمر انفلات السلاح، وعدم قيام حكومة مصطفى الكاظمي بواجباتها في منع المتجاوزين". 

واعتبر، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "التيار الصدري والفصائل المسلحة الغاضبة، كانت دائماً ما تلوح بالسلاح خلال فترات التوترات السياسية، لكن الوضع انفجر الآن، وهناك حالة استتار بالزيارة الأربعينية. ما يعني أن الأمور قد تسوء بعد انتهاء مراسم الزيارة، خصوصاً مع استمرار الأزمة السياسية وعدم توصل المحكمة الاتحادية إلى قرار بشأن البت بقضية حل البرلمان". 

إلى ذلك، قال المحلل السياسي أحمد الشريفي، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إن "التأجيل المتتالي للمحكمة الاتحادية بشأن حسم دعوى حل البرلمان سببه أنها لا تريد إصدار أي قرار يمكن أن تكون له تبعات كبيرة على المشهد السياسي أو الشارع العراقي". 

المساهمون