التفكّك في مؤسسات الدولة يهدّد بانهيار تام في لبنان

التفكّك في مؤسسات الدولة يهدّد بانهيار تام في لبنان

03 مارس 2023
اللبنانيون على درب المجهول (حسام شبارو/الأناضول)
+ الخط -

تنتهي، اليوم الجمعة، ولاية مدير الأمن العام في لبنان اللواء عباس إبراهيم، من دون أن يُعيّن بديل له، في مثل إضافي على حالة التفكّك في مؤسسات الدولة في لبنان، ما يغذّي مخاوف المجتمع الدولي من انهيار تام.

ويشهد لبنان، الغارق في أزمة اقتصادية غير مسبوقة منذ خريف 2019، شغوراً في منصب الرئاسة منذ أربعة أشهر، يترافق مع جمود تشريعي، بينما تقود البلاد حكومة تصريف أعمال محدودة الصلاحيات. ويعطّل ذلك آليات اتخاذ القرار على المستويات كافة.

ويقول الباحث والأستاذ الجامعي كريم بيطار لوكالة فرانس برس: "البلد في حالة تفكك شبه مطلق. نشهد انهيار جميع مؤسسات الدولة التي كانت لا تزال تعمل".

ويضيف: "لم تعد الدولة قادرة حتى على تحصيل ضرائبها" وسط إضراب لموظفي القطاع العام يشلّ عمل العديد من المؤسسات، إضافة إلى تحقيقات قضائية في ملفات فساد واتهامات بالتسييس والتشفّي من خلال القضاء تعطّل عمل إدارات أخرى.

في ظلّ هذا الواقع، بات اللبنانيون عاجزين منذ أشهر عن القيام بأبسط المعاملات، مثل تسجيل عقارات أو سيارات اشتروها أو إنجاز أوراق رسمية.

ومع انتهاء ولاية إبراهيم، رجل الأمن النافذ الذي قام بمهام وساطة سياسية متشعبة وأخرى عابرة للحدود، يصبح منصب المدير العام للأمن العام شاغراً، مع فشل مساعي التمديد له في ظل شلل حكومي ونيابي، وعدم وجود آلية لتعيين بديل.

ويرى بيطار أنّ الأزمة الراهنة "ربما تكون الأخطر في تاريخ لبنان"، الذي شهد حرباً أهلية (1975-1990) وجولات اقتتال وخضات عدّة خلال مئة عام من وجوده.

وأعربت مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان في بيان، الخميس، عن "بالغ قلقها إزاء تداعيات استمرار الفراغ الرئاسي"، مضيفة: "الوضع القائم أمر غير قابل للاستمرار، إذ يصيب الدولة بالشلل على جميع المستويات".

وحثّت المجموعة "القيادات السياسية وأعضاء البرلمان على تحمّل مسؤولياتهم (...) من خلال انتخاب رئيس جديد دون مزيد من التأخير". وتضمّ المجموعة كلاً من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية وسبع دول غربية بينها الولايات المتحدة وفرنسا.

"استعادة الثقة"

منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون نهاية أكتوبر/تشرين الأول، فشل البرلمان خلال 11 جلسة عقدها في انتخاب رئيس، وسط انقسام سياسي بين فريق مؤيد لـ"حزب الله"، القوة السياسية والعسكرية الأبرز في البلاد، وآخر معارض له، وتباينات داخل كل فريق، ووجود عدد من المستقلين. ولا يملك أي فريق أكثرية برلمانية تخوّله إيصال مرشح إلى سدّة الرئاسة.

ومنذ 19 يناير/ كانون الثاني، لم يحدّد رئيس البرلمان نبيه بري موعداً لجلسة انتخاب جديدة.

وبهدف مناقشة الوضع في لبنان، جمعت باريس، في 6 فبراير/شباط، ممثلين عن الولايات المتحدة والسعودية وقطر ومصر، اتفقوا، وفق ما قال مصدر دبلوماسي غربي لوكالة فرانس برس، على ضرورة أن يكون الرئيس المقبل شخصاً "لا يثير انقساماً، صادقاً وقادراً على استعادة ثقة المجتمع الدولي وضمان وحدة البلاد وتماسكها".

ويتعيّن على الرئيس المقبل، وفق المصدر ذاته، أن يكون "قادراً على العمل مع رئيس وزراء وحكومة يحملان مشروعاً إصلاحياً". وتسبّبت التباينات في وجهات النظر بين الرئيس السابق ورؤساء الحكومات الذين تعاقبوا خلال عهده بأشهر من الشلل السياسي.

وفشلت السلطات حتى الآن في تنفيذ إصلاحات يشترطها المجتمع الدولي لتقديم الدعم من أجل وقف النزف الحاصل.

وأعلن صندوق النقد الدولي، في إبريل/نيسان، توصله إلى اتفاق مبدئي مع لبنان على خطة مساعدة بقيمة ثلاثة مليارات دولار على أربع سنوات. لكن تطبيقها مرتبط بالتزام السلطات بتنفيذ إصلاحات مسبقة، بينها توحيد أسعار الصرف.

وتخطت الليرة، الأسبوع الحالي، عتبة تسعين ألفاً مقابل الدولار، في معدل قياسي يؤشر على عمق الأزمتين السياسية والاقتصادية وانسداد أفق الحلّ.

"يوم للصلاة"

وبحسب المصدر الدبلوماسي الغربي، توقّف اجتماع باريس عند أسماء المرشحين البارزين للرئاسة، من دون اتخاذ موقف من مرشّح دون آخر، لكنّه تداول في "أدوات ضغط" على القيادات السياسية من دون تحديد ماهيتها.

وبحسب مصدر دبلوماسي آخر مطلع على مضمون الاجتماع، رفض الكشف عن اسمه، تطرقت المحادثات إلى أسماء رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، حليف "حزب الله"، وقائد الجيش جوزيف عون الذي تربطه علاقات جيدة بغالبية الأطراف السياسية في البلاد، بالإضافة إلى الوزير السابق جهاد أزعور الذي يتولى حالياً إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، وآخرين.

وسط انسداد الأفق محلياً وخارجياً، يرى بيطار أن "اتفاقاً بين القوى الإقليمية التي تشن حروباً بالوكالة على الأراضي اللبنانية"، في إشارة إلى السعودية وإيران، وحده قادر على كسر الجمود وانتخاب رئيس.

ولا يخفي بيطار خشيته من رؤية "تدهور أكبر في الوضع الاقتصادي، من شأنه أن يؤدي إلى حوادث أمنية" لا تزال البلاد بمنأى عنها. ومع اصطدام المساعي كافة، لم يجد المطارنة الموارنة في لبنان حلاً إلا تخصيص الجمعة المقبل يوما للصلاة "على نيّة انتخاب رئيس جديد للجمهورية".

(فرانس برس)