البنتاغون يلجم ترامب: تصدٍ لمواجهة مدنية عسكرية في أميركا

البنتاغون يلجم ترامب: تصدٍ لمواجهة مدنية عسكرية في أميركا

26 يونيو 2021
ساهم الحراك في خسارة ترامب الانتخابات (ناتان هوارد/ Getty)
+ الخط -

ظلّ القائد الـ20 لهيئة الأركان المشتركة الأميركية، الجنرال مارك ميلي، صامداً خلال فترة حكم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، حين تسلم هذا المنصب في مارس/ آذار 2019، قبل عام مفصلي، طغى عليه في الداخل الأميركي الحراك ضد العنصرية، والذي تفجر غضباً إثر مقتل المواطن من أصول أفريقية جورج فلويد، في ولاية مينيسوتا، على يد شرطي أبيض في مايو/ أيار 2020. وكان ميلي أيضاً شاهداً على خضّة قوية، أصابت الديمقراطية الأميركية، حين هاجم أنصار ترامب مقر الكونغرس واقتحموه في بداية العام الحالي. ولكن قبل ذلك، فإن ميلي، وغيره من القادة العسكريين في البنتاغون، شهدوا على حالة ملتبسة ومتأرجحة للعلاقة بين ترامب والمؤسسة العسكرية الأميركية. وربما كان الأخير ينظر إلى هذه المؤسسة كجزء من "الدولة العميقة" التي يقول إنها حاربته، وإنه تصدى لها. كما كان ميلي من الشهود على تعيينات أجراها ترامب داخل المؤسسة، اتسمت بالتناغم أيديولوجياً مع توجهاته الشعبوية، والمتقاربة مع أفكار اليمين المتطرف الأميركي، الذي أصبح يشكل طيفاً واسعاً داخل الحزب الجمهوري.

أبدى ترامب رغبة بـ"تكسير جماجم" المتظاهرين ضد العنصرية

بناء عليه، فإن ما رشح أخيراً عن مقاومة ميلي لرغبات ترامب في قمع الحراك ضد العنصرية في أميركا لا يبدو غريباً، إذ كانت قد سربت من قبل معلومات أكدت أن الرئيس الـ45 للولايات المتحدة، رغب بأن يكون صارماً مع الحراك، ويضربه بيد من حديد، وهو ما لم يشأ البنتاغون الانخراط فيه تطبيقاً للدستور الذي يحدد مهامه وصلاحياته. وبحسب مقتطفات من كتاب جديد لمراسل صحيفة "وول ستريت جورنال"، مايكل بيندر، فإن ميلي صدّ مراراً اعتبار ترامب أن على الجيش أن يتدخل بصرامة لكبح الحراك الذي اتسم بالعنف في بعض الأحيان، لا سيما في سياتل (واشنطن) وبورتلاند (أوريغون). ووفق الكتاب الذي حمل عنوان "في الحقيقة، لقد فزنا بالانتخابات (انتخابات الرئاسة 2020): القصة الحقيقية لخسارة ترامب"، فإن ميلي لطالما وجد نفسه الصوت المعارض الوحيد داخل المكتب البيضاوي في البيت الأبيض، حين كانت المناقشات حامية حول كيفية التعامل مع حراك "حياة السود مهمة" والحراك المدني المناهض للعنصرية والداعي إلى إصلاح الشرطة الأميركية.

ويكشف الكتاب كيف أن مداخلات ترامب أصبحت شديدة التوتر، واتسمت بلهجة عنفية خلال الاجتماعات، لا سيما بعدما حظي الحراك بتغطية إعلامية محلية (ودولية) كبيرة. ويذكر الكتاب أن ترامب سلّط الضوء على مقاطع فيديو تظهر رجال الأمن وهم يقمعون المتظاهرين، حيث كان يقول إنه يريد "رؤية المزيد من ذلك". وكتب بيندر: إن الرئيس كان يقول "هكذا يجب التعامل مع هؤلاء الناس. كسّروا جماجمهم"، مبدياً رغبة في توجه الجيش لضرب المتظاهرين بعنف.

في الواقع، فإن إدارة ترامب لأزمة الحراك أفقدته رصيداً انتخابياً كان من الممكن له أن يوظفه في انتخابات الرئاسة التي جرت في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، وفاز فيها الديمقراطي جو بايدن. وحظي بايدن بأصوات كتل وازنة من الأقليات، مكنته من الفوز في ولايات حاسمة، كانت بعضها معاقل تقليدية للديمقراطيين، وتمكن ترامب من الفوز فيها في 2016. ولم يكن تعامل ترامب الفوقي مع الحراك سوى تتويج لخطاب عنصري واظب عليه، ما جعل أجندته متلائمة مع تطلعات أصحاب نظرية المؤامرة وتفوق العرق الأبيض، وغيرهم من الجماعات ذات الخطاب المتطرف والمتشدد والمعادي للآخر. ولم يكن ذلك إلا في إطار تطبيق لسياسة "لوبي" بأكمله، شكّل فريقاً عمل داخل إدارة ترامب طوال السنوات الأربع له في البيت الأبيض، أو كان من أبرز من يرتكن إليهم الأخير في استشاراته.

وقال ترامب مراراً، بحسب الكتاب: "فقط أطلقوا النار عليهم". وأضاف مراسل "وول ستريت جورنال" أنه عندما كان ميلي ووزير العدل ويليام بار يرفضان، كان ترامب "يخفف اللهجة"، ولكن "قليلاً جداً"، حيث كان يقول: "حسناً، أطلقوا النار عليهم وأصيبوا أرجلهم... أو ربما أقدامهم".

وبغض النظر عن خطاب العنصرية، فإن ما يكشفه الكتاب حول اضطرار ميلي ومسؤولين رفيعين في الإدارة الأميركية للتعامل مع رئيس زئبقي ومتقلب، لا سيما خلال الأشهر الأخيرة من عهده، يظهر المدى الذي وصل إليه الخلل داخل الإدارة في ذلك الوقت. فقد اضطر ميلي في أوقات كثيرة إلى التواجه والتصادم مع مسؤولين كبار في البيت الأبيض، عملوا على تشجيع ترامب على الاستمرار في سلوكه. ففي أحد الاجتماعات مثلاً، دخل كبير مستشاري ترامب، ستيفن ميلر، ليشرح أن مشاهداته على التلفزيون تظهر أن الولايات المتحدة تحولت إلى دولة شبيهة بدول العالم الثالث، وأن الكثير من مدنها أصبحت ساحات حروب. وكان ميلر يحذر "هذه المدن تحترق"، في لهجة تحريضية لطالما أغضبت ميلي، الذي اعتبر كلام مستشار ترامب خاطئاً جداً.

كان ميلي قلقاً حول إمكانية استخدام ترامب قانون التمرد

وكانت شبكة "سي أن أن" قد تحدثت في السابق عن قلق تنامى داخل البنتاغون، خصوصاً في سبتمبر/ أيلول الماضي، حول احتمال أن يتخذ ترامب قرارات غير متوقعة خلال حملته الانتخابية الثانية. لكن التقارير حينها أشارت إلى أن ميلي كان على علاقة جيدة بالرئيس السابق، على الرغم من إبدائه "حزناً" بسبب تهجم ترامب على مسؤولين كبار في وزارة الدفاع. إلا أن ميلي بذل جهوداً للبقاء في واشنطن في الأشهر الأخيرة من عهد ترامب، حين ساوره القلق بشأن كيفية التعامل مع الأخير إذا ما قرّر تفعيل "قانون التمرد" لمواجهة الحراك، وهي خطوة كانت ستضع الجيش في مواجهة المدنيين في الشوارع. لكن ترامب في النهاية لم يقدم على تفعيل تهديد لطالما لوّح به، وكان أيضاً مصدر قلق لوزير الدفاع آنذاك مارك إسبر.

وبحسب بيندر، فإن ميلي كان ينظر إلى الحراك ضد العنصرية على أنه أزمة سياسية تعاني منها البلاد، وليس أزمة عسكرية، وكان يردد للرئيس أن هناك ما يكفي من قوات الاحتياط لدى الحرس الوطني لدعم تطبيق القانون رداً على التظاهرات. وحاول ميلي إقناع ترامب بأن استدعاء "قانون التمرد" من شأنه أن ينقل المسؤولية من السلطات المحلية للرئيس مباشرة، بحسب مقتطفات من الكتاب. وفي إحدى المرات، بحسب بيندر، صوّب ميلي إلى صورة الرئيس الأميركي السابق أبراهام لينكولن، المعلقة في المكتب البيضاوي، وقال لترامب: "هذا الرجل واجه تمرداً. ما لدينا اليوم، سيدي الرئيس، هو احتجاج".