الانسحاب الأميركي من أفغانستان: نهاية حرب وبداية مأزق

الانسحاب الأميركي من أفغانستان: نهاية حرب وترجيح بداية مأزق

03 يوليو 2021
بدا بايدن وكأنه يقول بأن الآتي بعد الانسحاب غير مفرح (Getty)
+ الخط -

مع أن المؤتمر الصحافي الذي عقده أمس الرئيس الأميركي جو بايدن في البيت الأبيض كان مخصصاً للحديث عن الأرقام الاقتصادية الواعدة وهبوط نسبة البطالة، إلا أن معظم الأسئلة دارت حول عملية الانسحاب الجارية بسرعة من أفغانستان.

 في رده على السؤال الثالث منها قال وبشيء من الامتعاض: "يا رجل، أريد التحدث – الآن – عن أمور مفرحة!"، يعني عن التحسن الاقتصادي في ظل إدارته. لكنه بدا وكأنه يقول بأن الآتي بعد الانسحاب غير مفرح. وقد يكون بداية مأزق متعدد الجوانب. وهذا تخوف سائد في واشنطن، حتى لدى الجهات المؤيدة للانسحاب من حرب "لا نصر فيها، بعد 20 سنة وسقوط 3500 جندي من التحالف وكلفة تريليوني دولار". هذه الأرقام سهّلت تسويق قرار الخروج من "الحرب المكروهة" لدى الرأي العام الأميركي وبعض دوائر المحافظين التقليديين المنادين بوجوب الانكفاء من الخارج.

لكن الردود مختلفة في أوساط المعنيين بالشؤون الخارجية والنخب السياسية الدبلوماسية والجهات العسكرية، المبنية تقديراتها ومقارباتها على الاعتبارات والحسابات الأمنية والجيو-سياسية. خلافها عموماً مع الرئيس بايدن ليس حول مبدأ الانسحاب بقدر ما هو حول كيفيته وتوقيته. القاسم المشترك بين المعترضين والمحذرين أن البيت الأبيض تسرّع بدلاً من التدرج وأنه رفض ترك قوة، ولو رمزية، خاصة قوة مساندة جوية أو تدريبية في الساحة.

ثمة من يبرر عجلة بايدن من زاوية أنها كانت مفروضة عليه بموجب الاتفاق الذي التزمت به إدارة ترامب بالانسحاب في أول مايو 2021. لكن بايدن من زمن مع الانسحاب كما كان من أنصار مغادرة العراق في 2011 وبما حمل بعض الأوساط على التخوف من تكرار نفس سيناريو العودة لو التهبت الأوضاع بعد خروج القوات الأميركية ومعها قوات التحالف.

 الرئيس بايدن يقول من باب التطمين بأن إدارته اتخذت احتياطات وترتيبات على مقربة من الساحة الأفغانية، للتدخل عند اللزوم. أي في حال بروز تهديد أمني للولايات المتحدة مثل "عودة القاعدة" إلى افغانستان.  لكن من دون تعهد ميداني محدد. ما عدا ذلك "نعتقد أن الحكومة الأفغانية لديها القدرة" على مواجهة الموقف، كما قال اليوم، مكرراً مقولته بأن على الأفغان تدبير أمورهم.

غير أن الاعتقاد السائد، خاصة في صفوف المتابعين، خصوصاً العسكريين الحاليين والسابقين، بأن حكومة أشرف غني لن تقوى على المواجهة من دون مساعدة جوية على الأقل. وتتراوح التقديرات حول صمودها بين 6 أشهر إلى سنة، " تنتهي بحرب أهلية قاسية". وتبدّى من تلميحاتها أن الإدارة تعوّل على دور باكستاني لضبط الوضع، على الأقل لجهة "منع تحويل أفغانستان إلى ساحة لتنظيم القاعدة".

في أية حال، الرئيس بايدن حسم الأمر ولا يبدو أنه في وارد الإصغاء لبعض المطالبات بإعادة النظر في قراره. أو حتى في تعديله ولو كانت التداعيات مشحونة بكثير من المخاطر. حيثيته الرئيسية أن 20 سنة في أفغانستان كفاية ولم يعد من المقبول الاستمرار فيها، لا سيما وأن الحسم العسكري مستبعد. لكن في المقابل يقول خصومه في هذا الملف إنه ليس من المقبول أيضا المغادرة بهذه الطريقة المستندة إلى تبسيط في التعاطي مع قضية بهذا التعقيد.

وثمة اعتقاد بأن إصراره على الخروج من أفغانستان بالرغم مما ينطوي عليه من مجازفة، ليس غير بداية توجه مرسوم للانسحاب من المنطقة، تكون حلقته الثانية الخروج من العراق بعد التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران. حتى ذلك الحين تكون حرب أميركا في أفغانستان قد انتهت لتبقى حرب هذه الأخيرة مع نفسها مستمرة. "نحن نتجه نحو زمن مليء بالتحدي"، يقول الأدميرال المتقاعد جيمس ستافريدس.