الأزمة اليمنية تتعقد بعد الضربات الأميركية والبريطانية

الأزمة اليمنية تتعقد بعد الضربات الأميركية والبريطانية

16 يناير 2024
مسلحون يتظاهرون ضد أميركا قرب صنعاء الأحد الماضي (محمد حمود/الأناضول)
+ الخط -

زادت الضربات الأميركية والبريطانية، التي استهدفت مواقع عسكرية ومطارات تابعة لجماعة "أنصار الله" (الحوثيين) بدءاً من يوم الجمعة الماضي، من تعقيدات الأزمة اليمنية.

وألقت الضربات بظلالها على مجريات مشاورات السلام اليمنية، التي كانت على وشك أن تشهد انفراجة سياسية عقب إعلان المبعوث الأممي هانس غروندبرغ، أخيراً، التوصل إلى مجموعة تدابير للتوصل إلى خريطة طريق ترعاها الأمم المتحدة لإنهاء الحرب في اليمن، والتأسيس لعملية سياسية جامعة.

في السياق، أعرب غروندبرغ، في بيان السبت الماضي تعليقاً على الضربات الأميركية والبريطانية على مواقع عسكرية تابعة للحوثيين، عن قلقه إزاء التطورات الأخيرة المتعلقة باليمن.

غروندبرغ يدعو إلى تجنب خطوات تفاقم الأزمة اليمنية

وكرر غروندبرغ دعوة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس لجميع الأطراف المعنية إلى تجنب أي خطوات من شأنها أن تؤدي إلى تفاقم الأزمة اليمنية، أو تصعيد التهديد على طرق التجارة البحرية، أو زيادة التوترات الإقليمية في هذا الوقت الحرج.

علي الذهب: الهجمات الأميركية البريطانية تعيق عملية السلام ولا تقوضها نهائياً

وشدد المبعوث الأممي على ضرورة حماية المدنيين اليمنيين، والحاجة لصون التقدم الذي أُحرز في ما يتعلق بجهود السلام منذ هدنة العام 2022، بما في ذلك الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في ديسمبر/كانون الأول 2023، والمناقشات الجارية حول خريطة الطريق الأممية التي من شأنها تفعيل وقف إطلاق النار على الصعيد الوطني، واستئناف عملية سياسية جامعة تحت رعاية الأمم المتحدة ومعالجة أولويات أساسية لصالح الشعب اليمني.

وأشار غروندبرغ ببالغ القلق إلى تزعزع الوضع الإقليمي بشكل متزايد، وإلى التأثير السلبي لذلك على جهود السلام في اليمن، وعلى الاستقرار والأمن في المنطقة. وحث جميع الأطراف المعنية على ممارسة أقصى درجات ضبط النفس وتقديم المسارات الدبلوماسية على الخيارات العسكرية، داعياً إلى وقف التصعيد.

وكانت الولايات المتحدة وبريطانيا استهدفتا لأول مرة، يوم الجمعة الماضي، مواقع عسكرية ومطارات تابعة للحوثيين في العاصمة صنعاء ومحافظات الحديدة وتعز وحجة وصعدة، رداً على استهداف الحوثيين السفن في البحر الأحمر، في تصعيد جديد فاقم من تعقيدات الأزمة اليمنية.

وأعلن الجيش الأميركي، مساء أول من أمس الأحد، أن مقاتلة أميركية أسقطت صاروخ كروز مضاداً للسفن بالقرب من مدينة الحديدة، أطلق باتجاه مدمرة أميركية في جنوب البحر الأحمر.

وتواصلت "العربي الجديد" مع قيادات في الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً للتعليق على تأثير الضربات الأميركية البريطانية على مسار خريطة الطريق، إلا أنها رفضت التجاوب والتصريح. مع العلم أن الحكومة اليمنية أًصدرت بياناً، أخيراً، حملت فيه الحوثيين مسؤولية الضربات.

وقالت، في بيان الجمعة الماضي، إنها "تتابع بقلق شديد التصعيد العسكري في البلاد وجنوب البحر الأحمر، التي كانت آخرها العملية العسكرية الأخيرة التي جاءت كرد فعل على استمرار المليشيات الحوثية الإرهابية في استهداف وتهديد أمن وسلامة الملاحة الدولية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، وارتهانها لأوامر النظام الإيراني وخدمة مشروعه في المنطقة على حساب مصالح الشعب اليمني".

وأكدت الحكومة أنها "صاحبة الحق السيادي في تعزيز أمن وسلامة البحر الأحمر وما يتبعه من استقرار للمنطقة والعالم، وأن الطريق الأمثل على هذا الصعيد لا يمكن أن يتحقق إلا باستعادة مؤسسات الدولة الشرعية".

وفي سياق متصل، قال وزير الإعلام والثقافة والسياحة في الحكومة اليمنية معمر الإرياني، على منصة "إكس"، السبت الماضي، إن المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي مطالبون بالتحرك الحازم، من خلال الشروع الفوري في تصنيف المليشيا الحوثية منظمة إرهابية وتجفيف منابعها المالية والسياسية والإعلامية، على حد قوله.

وأضاف أن مزاعم جماعة الحوثيين نصرة غزة كذبة كبيرة، ومجرد ذريعة لتنفيذ الإملاءات الإيرانية في تصفية حساباتها مع القوى الدولية، ونشر الفوضى والإرهاب وزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم.
مع العلم أن إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب كانت قد صنّفت، في آخر يوم كامل لها في السلطة، الحوثيين جماعة إرهابية، قبل أن تلغي إدارة بايدن في فبراير/شباط 2021 التصنيف.

تصريحات الإرياني جاءت متزامنة مع جهود يبذلها المبعوث الأممي إلى اليمن مع الأطراف اليمنية والإقليمية والدولية، لوضع اللمسات الأخيرة على خريطة الطريق الهادفة للتوصل إلى حل سياسي ينهي الأزمة اليمنية، ويؤسس لعملية سياسية جامعة برعاية الأمم المتحدة.

وقال عضو الوفد التفاوضي لجماعة الحوثيين حميد عاصم، لـ"العربي الجديد"، إن "العالم تابع تصريحات المبعوث الدولي إلى اليمن قبل شهر بأن الأطراف ستوقع على اتفاق خلال فترة قصيرة، وذكر في تصريحه بعض النقاط التي جرى التوافق عليها، لكنه ذهب إلى القول إن السعودية بذلت جهوداً في وساطتها، ونحن دائماً نؤكد أن النظام السعودي لم يكن وسيطاً أبداً، بل إنه معتدٍ على اليمن منذ تسع سنوات".

دور المبعوث الأممي إلى اليمن ثانوي

وأضاف عاصم: "نحن والعالم نتابع أن سلطنة عمان هي الوسيط بيننا وبين النظام السعودي، وبالنسبة لدور المبعوث فهو ثانوي، ولم يقدم شيئاً، لذلك كانت خريطة الطريق التي أعلنها ناقصة، ولا يمكن أن يوقع اليمن على شيء لا يؤكد حقوق أبناء اليمن كاملة غير منقوصة".

ولفت عاصم إلى أنه "قبل الاعتداء الأميركي الأخير، كان العدو الأميركي يرفض أي توقيع على الاتفاق، وكان يحاول أن يفرض شروطاً لم نقبل بها أبداً، وبعد العدوان الصهيوني على غزة ووقوف اليمن بجانب غزة والفلسطينيين، حاولت أميركا التلويح بإيقاف التوقيع على السلام بين اليمن والسعودية أحياناً، وأحياناً تقول إنها لم تعد ترفض صرف الرواتب المقطوعة منذ 2017، وأحياناً ترسل التهديدات وأحيانا رسائل ترغيب".

وأشار عاصم إلى أنه "عندما لم تجد تراجعاً من اليمن في اتجاه نصرة الفلسطينيين، اضطرت إلى إصدار التوجيهات بعرقلة التوقيع، ونحن نعرف أن النظام السعودي لا يستطيع أن يرفض أي طلب للأميركيين، وتأجل التوقيع".

محمد علي: أي مطالبة باعتبار الحوثيين جماعة إرهابية ستكون لها نتائج سلبية على ما يسمى خريطة الطريق

وأضاف عاصم: "بالنسبة للضربات، فنحن نقول إنه عدوان بربري غاشم، ولم يأت إلا بعد توقيف وإعاقة خريطة الطريق التي أعلن عنها المبعوث والتي نعتبرها ناقصة، وهنا نؤكد أن التوقيع أو عدم التوقيع لن يثنينا عن موقفنا المعلن والواضح والمساند لأهلنا في فلسطين".

وأكد عاصم أنه بالنسبة إلى غروندبرغ، فإنه "لا يستطيع أن يقدم أو يؤخر أو يستعجل، لأن قراره بيد الإدارة الأميركية كسابقيه (إسماعيل ولد الشيخ ومارتن غريفيث) وإلا لو كان قراره مستقلاً، فلماذا لم يواصل عمله كما أعلن".

وقال: "لا أعتقد أن لديه أوراقاً، لا رابحة ولا خاسرة، وإنما الأوراق بيد الإدارة الأميركية، ونحن نعرف ذلك جيداً، من الجولات الأولى للمشاورات في كل من سويسرا 2015 والكويت 2016 والسويد 2019. لذلك نقول باختصار إن الملف بأيدي الأميركيين وليس لدى المبعوث" الأممي إلى اليمن.

الهجمات الأميركية البريطانية تعيق عملية السلام في اليمن

ورأى المحلل السياسي الدكتور علي الذهب، في حديثه لـ"العربي الجديد، أن الهجمات الأميركية البريطانية تعيق عملية السلام، ولا تحبطها أو تقوضها نهائياً، لأن من يقف وراء عملية السلام أو يوجهها، أو يضع المحددات الأبرز لها، هو الولايات المتحدة وبريطانيا والدول العظمى ذات الصلة، ومجلس الأمن والأمم المتحدة تحركهما هذه الدول، ولذلك جهود المبعوث الأممي ليست إلا إسقاطاً لتوجهات هذه الدول".

واعتبر أن "المرحلة قد تطول قليلاً، وأن الجهود التي كادت تقترب من عملية سلام جزئية، أشار إليها المبعوث الأممي في ديسمبر الماضي، يبدو أنها أجلت قليلاً، ولكن هذا لا يعني أن عملية السلام قد فشلت، فهناك ترتيبات دولية وإقليمية، وهناك مصالح متشابكة بين الأطراف الداعمة أو الواقفة إلى جانب أطراف الصراع الداخلي، وهي التي تتحكم بالمسألة".

الخروج من الأزمة اليمنية يتوقف على تفاهم القوى

وأشار الذهب إلى أن "الخروج من الأزمة اليمنية يتوقف على تفاهم هذه القوى، وأعني بذلك بريطانيا والولايات المتحدة والسعودية وإيران، فضلاً عن الوسطاء الإقليميين الذين يلعبون دوراً في هذا المجال، وأعني بذلك سلطنة عمان".

ولفت المحلل السياسي إلى أنه إذا حصل تفاهم في هذه المسألة وخفض التصعيد بين الحوثيين وهذه الدول في البحر الأحمر، أعتقد أنه سيُعاد النظر في عملية السلام لتأخذ مساراً جديداً.

وقال: "يظل هناك ارتباط خارجي، وهو مسألة ربما يتمسك الحوثيون بها، أو تتمسك إيران بها، وهي غزة. يبدو أن هذه المسألة لا تزال تتحكم بالعودة إلى عملية السلام، لأن الحوثيين أبرزوا بموقفهم هذا قضية غزة بحيث أنها لا تقبل التراجع، وإذا كان هناك من تقدم في إحراز سلام في غزة، فأعتقد أنه سيساعد على عملية السلام في اليمن".

الضربات عطلت الكثير من التفاهمات

وقال الصحافي وضاح شمسان، لـ"العربي الجديد"، إن الضربات الأميركية البريطانية على مواقع الحوثيين تعد حدثاً تاريخياً في مسار الصراع اليمني، وستؤدي إلى منح هذا الصراع أبعاداً أخرى، وتغييرات في طبيعته، حيث إنها عطلت الكثير من التفاهمات".

واعتبر أن "الضربات الأميركية والبريطانية ستتسبب في مزيد من التصعيد، وتعقيد الأمور أكثر، وبالتالي فإن الجهود الدولية والأممية بشأن عملية السلام في اليمن ستفشل، أو ستؤجل إلى أجل غير مسمى حتى يُحسم هذا التوتر في البحر الأحمر".

ورأى شمسان أن "الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين وقعوا في حالة ارتباك شديد بسبب ميوعة سياساتهم بشأن العالم، وبشأن الشرق الأوسط واليمن خصوصاً، وعدم وضوح الكثير من المواقف تجاه الأزمة في اليمن، خصوصاً بين الإدارات الأميركية المتتابعة، ولكن إدارتي (باراك) أوباما و(جو) بايدن بالتحديد سمحتا للحوثيين بالتوسع والتمدد، ضمن تفاهمات غير معلنة مع إيران، لتوسيع نفوذها في المنطقة، وأدى ذلك إلى أن يتوسع نفوذ الحوثيين في اليمن".

وأشار إلى أنه "بينما كانت القوى المحلية في اليمن والقوى الإقليمية في المنطقة تحذر من توسع نفوذ الحوثيين، وأنهم سيصبحون خطراً على المنطقة وعلى مصالح العالم فيها، جرى تجاهل كل هذه التحذيرات، حتى وصلنا إلى هذه الحالة المربكة".

ولفت شمسان إلى أن "حالة الإرباك التي تمر بها الولايات المتحدة وحلفاؤها مرتبطة بحالة التناقض الحاصل بشأن أجندتهم لإحداث تسوية سياسية في اليمن، يكون الحوثيون طرفاً رئيسياً وجزءاً مهماً من المعادلة فيها، ورغبتهم من جهة أخرى في حماية مصالحهم في البحر الأحمر".

وأكد أن "الحوثيين يدركون تماماً حالة الارتباك التي يمر بها المجتمع الدولي، ورغبته في بقائهم وحضورهم في المشهد السياسي اليمني، ويدركون أيضاً أن رد الفعل سيكون جزءا من ذلك الارتباك وهو ما حدث، لاحظنا أن الضربات نفسها سبقتها إعلانات متعددة من مسؤولين أميركيين وبريطانيين عن نوعية الضربات وكيفيتها".

من جهته، قال المحلل السياسي محمد علي، لـ"العربي الجديد"، إن "مطالبة الحكومة بتصنيف جماعة الحوثيين جماعةً إرهابيةً جاءت وهناك حديث عن خريطة طريق جرى إعدادها والتوصل إليها من قبل إيران والسعودية، وهي من نتائج اتفاق الدولتين برعاية الصين في شهر مارس/آذار الماضي، وجرى التشاور فيها مع الشرعية والحوثيين، وهناك حديث عن التوقيع عليها خلال الأيام المقبلة".

وأضاف أن "أي مطالبة باعتبار الحوثيين جماعة إرهابية ستكون لها نتائج سلبية على ما يسمى خريطة الطريق التي سلمت للأمم المتحدة، والتي يعمل مبعوثها على إعداد الجداول الزمنية لها أو آلية تنفيذها مع طرفي الشرعية والحوثيين، وبالتالي فليس مناسباً خلال هذه الفترة مثل هذا التصنيف، ويمكن فقط التلويح بمثل هذا الطلب بهدف الإسراع في توقيع خريطة الطريق".

المساهمون