استراحة ما قبل الهجوم الكبير: أوكرانيا أصبح لديها "بعض مما تحتاجه"

استراحة ما قبل الهجوم الكبير: أوكرانيا أصبح لديها "بعض مما تحتاجه"

08 يوليو 2022
آثار القصف الروسي داخل مدرسة في خاركيف، أمس (سيرغي بوبوك/فرانس برس)
+ الخط -

بعد 133 يوماً على الغزو الروسي لأوكرانيا، بدا مشهد استراحة يتبلور على الجبهات، في صورة أقرب إلى الهدوء الذي يسبق العاصفة. وتأتي الاستراحة، من الجانب الروسي خصوصاً، قبل استحقاقين مفترضين في شهري أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول المقبلين.

في الاستحقاق الأول، يُفترض استئناف المفاوضات الروسية ـ الأوكرانية، المتوقفة منذ إبريل/نيسان الماضي. أما الاستحقاق الثاني فيتعلق ببدء فصل الشتاء في أوكرانيا وروسيا، وتأثيره على سير العمليات الحربية. مع العلم أن القوات الروسية الغازية، تعرّضت لنكسة ميدانية كبيرة في مطلع هجومها في 24 فبراير/شباط الماضي، مع غرق دباباتها في الثلوج الذائبة الممتزجة مع الوحول، والتي سمحت للأوكرانيين باستهدافهم عبر الطائرات المسيّرة بكثافة.

"وقفة عملياتية" لموسكو

ويرى محللون أجانب أن روسيا ربما تخفف مؤقتاً وتيرة هجومها في أوكرانيا، مع محاولة الجيش الروسي إعادة تجميع قواته لشن هجوم متجدد. ولم تدل القوات الروسية، أول من أمس الأربعاء، بأي ادعاء أو تقييم يومي للمكاسب الإقليمية في أوكرانيا "للمرة الأولى في الحرب"، وفقاً لمعهد دراسة الحرب.

وأشار المعهد، ومقره واشنطن، إلى أن موسكو ربما تكون قد اتخذت "وقفة عملياتية" لا تستلزم "الوقف الكامل للأعمال العدائية الجارية". ورأى أن "من المرجح أن تحصر القوات الروسية نفسها في عمليات هجومية صغيرة الحجم نسبياً، لأنها تحاول تهيئة الظروف لعمليات هجومية أكثر أهمية وإعادة بناء القوة القتالية اللازمة لمحاولة تنفيذ تلك المهام الأكثر طموحاً".

وتابع المعهد: "لم تستولِ روسيا على ما يبدو على أي أراض جديدة منذ استيلائها على ليسيتشانسك يوم الأحد الماضي". وصدر بيان، أمس الخميس، عن وزارة الدفاع الروسية بدا وكأنه يؤكد هذا التقييم. وجاء في البيان أن الوحدات العسكرية الروسية المشاركة في القتال في أوكرانيا أخذت وقتاً للراحة.

قانون في البرلمان الروسي لتجنيب موسكو الاعتراف بالفشل

 

وأشارت وكالة "تاس" الروسية للأنباء إلى أن البيان تطرق إلى موضوع "الوحدات التي قامت بمهام قتالية خلال العملية العسكرية الخاصة (الاسم الرسمي الروسي لغزو أوكرانيا) تتخذ إجراءات لاستعادة قدراتها القتالية. وتم منح الجنود الفرصة للراحة وتلقي الرسائل والطرود من منازلهم".

كما وافق تقييم استخباراتي لوزارة الدفاع البريطانية مبدأ "الاستراحة"، معتبراً أن "الجيش الروسي يعيد تجميع قواته". وجاء في التقييم الصادر أمس، أن "القصف العنيف على طول خط الجبهة في دونيتسك من المرجح أن يؤمن مكاسب روسية سابقة"، في إشارة للسيطرة على منطقة لوغانسك الإدارية.

وأشار التقييم إلى قانون جديد قيد النظر في البرلمان الروسي، لمنح الحكومة سلطات اقتصادية استثنائية وسط الحرب، معتبراً أن "من شأن القانون السماح لروسيا بتجنب الاعتراف بأنها منخرطة في حرب أو فشلها في التغلب على الجيش الأوكراني، على الرغم من تفوق الجيش الروسي عدداً وتسليحاً".

بدوره، اعتبر رئيس مجلس الأمن والدفاع القومي الأوكراني أوليكسي دانيلوف، أن "هناك بوادر لنفاد ترسانة روسيا". وأوضح المسؤول الأوكراني في تصريحات صحافية، أمس، أن "بوادر بدء نفاد الترسانة الروسية بدأت تظهر بعد أربعة أشهر منذ بداية الحرب". ورأى أن "القوات الروسية وفي وضعها الراهن لم تعد قادرة على شن الهجوم إلا في اتجاه واحد من جبهات القتال المتعددة".

وأضاف دانيلوف في الوقت نفسه بأن "القوات الأوكرانية لا يزال يتعين عليها خوض حرب دفاعية حتى الآن، على الرغم من تضاعف قدرات العدو". وأكد أن "الجيش الأوكراني أصبح بإمكانه ضرب أهداف كانت خارج قدراته، وذلك بعد حصوله على بعض الأسلحة المتقدمة من الحلفاء في الفترة الأخيرة".

وقبل الاستراحة الجديدة، تمكنت روسيا من احتلال كامل مقاطعة لوغانسك في الشرق الأوكراني، فضلاً عن الشريط الساحلي الذي يربط دونيتسك بشبه جزيرة القرم الأوكرانية التي ضمّتها بالقوة في عام 2014، بعد إسقاطها آخر جيوب المقاومة في مدينة ماريوبول في مايو/أيار الماضي.

وكانت المدينة الساحلية المطلة على بحر آزوف، المتفرع من البحر الأسود، تُشكّل عائقاً أمام هذا الربط. كما سيطر الروس على مقاطعة خيرسون، في أعلى غرب القرم، وباشروا خططاً لتنظيم استفتاء لضمّها في وقتٍ لاحق من العام الحالي. وبالإضافة إلى ذلك، خرق الروس أجزاء من مقاطعة زابوريجيا.

في المقابل، تمكن الأوكرانيون من تحقيق الكثير من المكاسب الميدانية، بدءاً من منع سقوط العاصمة كييف سريعاً، وفقاً لمخطط الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ثم نجحوا في طرد الروس من مواقع محاذية لكييف وخاركيف وتشيرنيهيف وسومي، فضلاً عن التحشيد لشنّ هجوم مضاد لاستعادة خيرسون.

وتخشى روسيا عملياً من خسارة خيرسون، فقد نقلت وكالة "نوفوستي" الروسية، أمس، عن مصدر عسكري روسي قوله إن "الجيش الروسي منع سلسلة من الهجمات الإرهابية في خيرسون".

وأضاف أن "إرهابيين من قوات العمليات الخاصة الأوكرانية خططوا لتنفيذ أعمال إرهابية ضد الجيش الروسي، وكذلك ضد أحد قادة الإدارة العسكرية والمدنية لمنطقة خيرسون"، منوّهاً إلى أن أسماء المتورطين والعملاء معروفة بالفعل. ولفت المصدر العسكري إلى أن "مجموعة المخربين تم تشكيلها في عام 2014. ولهذا، اختارت العمليات الخاصة الأوكرانية سكاناً غير معروفين ظاهرياً في خيرسون، كما تم التحضير لأنشطة التخريب التي تمت تحت إشراف متخصصين من دول حلف شمال الأطلسي، الذين علموهم التعامل مع الألغام، وغيرها".

وقال إن "الجيش الروسي اعتقل بعض المسلحين، الذين اعترفوا بالتخطيط لقتل رئيس الإدارة العسكرية المدنية، فلاديمير سالدو، ونائبه، كيريل ستريموسوف"، اللذين عيّنتهما موسكو سابقاً.

وأطلقت القوات الأوكرانية مسيّرات عدة استهدفت بيلغورود وكورسك الروسيتين، في أول هجمات من نوعها ضد الأراضي الروسية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945). ولم تتمكن القوات الروسية من وقف الهجمات التي تكررت مراراً واستهدفت مخازن للوقود خصوصاً.

وتمكن الأوكرانيون من السيطرة مرة جديدة على جزيرة الأفعى الاستراتيجية، التي تُعدّ ممراً إجبارياً للسفن العابرة من مرفأ أوديسا وإليه. وتوعّد الأوكرانيون أيضاً بشنّ هجمات لتحرير أراضيهم قبل استئناف التفاوض في أواخر أغسطس، بفعل تلقيهم مزيداً من الأسلحة الهجومية، من الأميركيين خصوصاً.

ميدانياً، أعلن مسؤولون أوكرانيون أن القصف استمر في شرق أوكرانيا، حيث قُتل تسعة مدنيين على الأقل وأُصيب ستة آخرون خلال 24 ساعة.

وذكر مكتب الرئاسة الأوكرانية في بيان، أمس الخميس، أن مدنا وقرى في سبع مناطق أوكرانية تعرضت للقصف في اليوم الماضي. ووقعت معظم الوفيات المدنية في مقاطعة دونيتسك، حيث استمر القتال.

وذكر المكتب أن سبعة مدنيين قتلوا هناك، بينهم طفل. كما قال مسؤولون إن عشر مدن وقرى تعرضت للقصف في دونيتسك، ودُمّر 35 مبنى، بما في ذلك مدرسة وكلية مهنية ومستشفى. في كراماتورسك، قُتل شخص على الأقل وأصيب عدد آخر بجروح في قصف على المدينة، التي تُعدّ المركز الاداري لمنطقة دونيتسك. وخلّف الانفجار حفرة كبيرة في الفناء الواقع بين فندق ومبانٍ سكنية.

وكتب رئيس بلدية المدينة أولكسندر غونتشارينكو على "فيسبوك"، أن "غارة جوية استهدفت الجزء الأوسط من كراماتورسك"، مضيفاً أن "هناك ضحايا". ودعا السكان إلى البقاء في الملاجئ، موضحاً أن "الخطر لم ينتهِ بعد".

في جزيرة الأفعى، رفعت القوات الأوكرانية علمها في علامة رمزية على استمرار تحديها للغزو الروسي. وأظهرت صور نشرتها وزارة الداخلية الأوكرانية ثلاثة جنود أوكرانيين يرفعون العلم ذا اللونين الأزرق والأصفر، على رقعة على الجزيرة بجوار بقايا مبنى مهدم. وكتبت الوزارة على "تويتر": "المجد للجنود الأوكرانيين".

وأشار مدير مكتب الرئيس الأوكراني، أندريه يرماك، إلى أن "هذه المراسم ستتكرر في جميع أنحاء أوكرانيا في الأشهر المقبلة". وكتب على "تيليغرام": "علم أوكرانيا مرفوع على جزيرة الأفعى. ينتظرنا نشر العديد من مقاطع الفيديو المماثلة من المدن الأوكرانية التي تخضع حالياً للاحتلال المؤقت".

وأعلن المتحدث باسم إدارة إقليم أوديسا سيرهي براتشوك، أن ضربة صاروخية روسية طاولت الجزيرة، وتسببت في إلحاق أضرار كبيرة برصيف الميناء.

وأضاف براتشوك أن قذيفتين روسيتين أخريين دمّرتا مخزنين للحبوب في الإقليم كانا يحتويان على 35 طناً من الحبوب. وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية إيغور كوناشينكوف، إن "طائرة شنّت بعد رفع الجنود الأوكرانيين العلم الأوكراني ضربة بصواريخ فائقة الدقة على جزيرة الأفعى، أسفرت عن القضاء على عدد من العسكريين الأوكرانيين".

تفاؤل زيلينسكي

وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في رسالته اليومية، مساء أول من أمس الأربعاء، إن قواته أصبح لديها الآن بعض مما تحتاجه. وأضاف: "أخيراً، بدأت المدفعية الغربية العمل بقوة، الأسلحة التي نحصل عليها من شركائنا. دقة هذه الأسلحة هو ما نحتاجه بالضبط".

ونقل موقع "أوكرانيا بالعربية" عن زيلينسكي قوله: "أوكرانيا لا تتنازل عن شيء وستستعيد الأراضي المحتلة مؤقتاً"، موضحاً أن "هدف القيادة الأوكرانية الرئيسي يتمثل في الفترة الحالية في توفير أحدث وسائل القتال للجنود الأوكرانيين، والتي تعتبر ضرورية للذود عن بلادهم. الهدف ليس سهلاً ويتطلب العديد من المفاوضات والجهود، ولكننا سوف نوفر ذلك".


زيلينسكي: أوكرانيا لن تتنازل وسنستعيد الأراضي المحتلة

 

وشدّد على أنه "لا نضيع ولا يوماً واحداً، لإقناع الشركاء وإقامة أواصر جديدة واستغلال كافة الإمكانات السياسية والدبلوماسية والإعلامية".

وكان الرئيس الأوكراني، قد أكد أول من أمس الأربعاء، أن بلاده لم تعد تتوقع من شركائها الغربيين إمدادها بالطائرات الحربية. واعتبر بعد لقاء جمعه مع رئيس الوزراء الأيرلندي مايكل مارتن في كييف: "ربما أكون لحوحاً جداً، ولكن لا تزال سلامة الأجواء هي الأولوية بالنسبة لنا، إلا أن أحداً لا يتوقع هذا أو ذاك السلاح".

وفي الوقت نفسه أكد زيلينسكي أن أوكرانيا تتوقع وتنتظر وصول مزيد من منظومات الدفاع الجوي إليها لمواصلة صد العدوان الروسي بنجاح.

(العربي الجديد، الأناضول، أسوشييتد برس، رويترز، فرانس برس)

المساهمون