اتصال ماكرون وبوتين: محاولة فرنسية لأداء دور وسيط فاعل بشأن أوكرانيا

اتصال ماكرون وبوتين: محاولة فرنسية لأداء دور الوسيط الفاعل بشأن أوكرانيا

28 يناير 2022
المحادثة دامت أكثر من ساعة (Getty)
+ الخط -

تواصل فرنسا لعب دور الوسيط في النزاع بين أوكرانيا وروسيا، إذ تحدث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هاتفياً، اليوم الجمعة، مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، في اتصال دام أكثر من ساعة، فيما أعلن الإليزيه أن ماكرون سيتحدث هاتفياً مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الساعة الـ7 مساء (بتوقيت باريس) اليوم الجمعة، في إطار الجهود التي تبذلها باريس لمنع تطور النزاع بين البلدين، في حين سيزور وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان العاصمة الأوكرانية كييف "قريباً جداً" برفقة نظيرته الألمانية أنالينا باربوك.

وأعلن الكرملين، في بيان اليوم الجمعة، أنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أبلغ نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون بأنّ ردود الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي على مقترحات روسيا الأمنية "لم تعالج مخاوف موسكو الرئيسية".

وأضاف، في بيان، أنّ "بوتين أبلغ ماكرون بأنّ موسكو ستدرس ردّ واشنطن والناتو على مقترحاتها وتحدد خطواتها لاحقاً"، وأضاف أنّ المحادثات "ركّزت على مسألة منح روسيا ضمانات أمنية قانونية طويلة الأمد".

من جانبها، ذكرت الرئاسة الفرنسية أنّ الاتصال الهاتفي بين الرئيسين "أتاح التفاهم على ضرورة نزع فتيل التصعيد"، مضيفة أنّ "الرئيس بوتين لم يبد أي نية عدوانية (...) لقد قال بوضوح إنه لا يسعى إلى المواجهة".

وقال بيان الإليزيه، إنّ المحادثة الهاتفية التي استمرت ساعة بين ماكرون وبوتين، تضمنت "اتفاقاً على ضرورة وقف التصعيد". وأكدت رئاسة الجمهورية أنّ "الرئيس بوتين لم يبد أي نية هجومية" على أوكرانيا. من جهته الرئيس الروسي "كرر لومه تجاه الناتو" فيما طالبه ماكرون بـ"أن تحترم روسيا سيادة الدول".

وبالنسبة إلى الأمن الاستراتيجي في أوروبا، توافق الرئيسان "على مواصلة الحوار الذي يستدعي أن يكون الأوروبيون (...) طرفاً معنياً فيه". وأضاف الإليزيه أنّ بوتين "أمل أيضاً أن يواصل مع الرئيس (ماكرون) النقاش الذي بدأ اليوم"، موضحاً أنّ "الحوار صعب" لكن "قنوات النقاش مفتوحة".

وقبل المحادثة الهاتفية بين الرئيسين، كان وزير الخارجية الفرنسية قد قال إنّ الأمر متروك لبوتين، وإنّ عليه الاختيار "بين المواجهة أو الحوار (..) الكرة الآن في ملعب بوتين". وأضاف، في مقابلة على إذاعة "آر تي إل"، أنّ "الوضع خطير للغاية (...)، الوضع متوتر جداً في أوكرانيا. كيف يمكن أن يكون الأمر غير ذلك وهناك آلاف الجنود الروس على حدود أوكرانيا؟".

وبحسب جان إيف لودريان، فإنّ "هناك شكوكاً في إرادة فلاديمير بوتين (لحل الأزمة دبلوماسياً)، ومن هنا تأتي أهمية المحادثة بين ماكرون وبوتين (..) هناك خطر من غزو روسيا لأوكرانيا".

وخلال مقابلته، شدد لودريان "نحن مستعدون للحوار، لكن ذلك يتطلب طرفاً ثانياً يعلن قبوله الحوار (..) من الضروري الاستمرار في الحديث بحزم مع الروس لوضع فلاديمير بوتين أمام مسؤولياته". وأضاف "يمكننا أن نرى بوضوح أن هناك مناورات منتظمة لزعزعة الاستقرار يجرى تنفيذها"، محذراً من "آثار شبح التداعيات الهائلة" على روسيا إذا أرادت مهاجمة أوكرانيا.

وخلال اجتماع عقد الأربعاء الماضي في باريس، اتفق الروس والأوكرانيون على العمل على تعزيز وقف إطلاق النار في شرق أوكرانيا، حيث خلف الصراع بين كييف والانفصاليين الموالين لروسيا أكثر من 13 ألف قتيل منذ 2014.

في المقابل، قال وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف، اليوم الجمعة، إنه يريد الدبلوماسية "وليس الحرب". وأضاف في مقابلة أذيعت على عدة محطات إذاعية وتلفزيونية روسية: "لقد اخترنا طريق الدبلوماسية لعقود عديدة، علينا أن نعمل مع الجميع، هذا هو مبدأنا". وأضاف: "إذا كان الأمر متروكاً لروسيا، فلن تكون هناك حرب. نحن لا نريد الحروب. لكننا لن نسمح أيضاً بأن تهدد مصالحنا بشدة، أو نتجاهل تلك التهديدات".

وتحاول فرنسا في وساطتها استخدام أوراق كثيرة للضغط باتجاه حل الأزمة، فبينما كان الحوار الرئيسي حول أوكرانيا قائماً بين الولايات المتحدة وروسيا، نجحت باريس بالتعاون مع برلين في الدخول بقوة على خط هذه الأزمة سعياً لدور أوروبي أقوى ومؤثر، ففرنسا تترأس الاتحاد الأوروبي في النصف الأول من العام الحالي، وتحاول حشد الأوروبيين لإنشاء نظام أمني، سيعرض على موسكو للحوار معها بشأن المسائل الأوروبية، فضلاً عن رباعية النورماندي التي نجحت في جمع الرئيسين الأوكراني والروسي على طاولة واحدة.

ولفرنسا دور مؤثر على الحكومة الأوكرانية أيضاً، إذ نجحت باريس في انتزاع "خطوات ثقة" من الجانب الأوكراني، في إطار الخطة الفرنسية المبنية على قيام الطرفين بإجراءات متبادلة لتخفيف التصعيد وبناء الثقة، كان آخرها سحب الحكومة الأوكرانية مشروع قانون في البرلمان لإدارة المناطق الخاضعة لسيطرة الانفصاليين المدعومين من قبل موسكو شرقي البلاد، وهو أمر شكّل نقطة تحول بالنسبة لروسيا، التي يتوجب عليها القيام بعملية تبادل للسجناء ورفع نقاط تفتيش يقيمها الانفصاليون داخل الحدود الأوكرانية. وبهذا الشأن، تنتظر فرنسا "بياناً عاماً من الروس بشأن نواياهم يكون مطمئناً للجميع"، وفق ما كشف مستشار الرئيس الفرنسي للشؤون الأوروبية كليمان بون الأسبوع الماضي.

ورقة أخرى تحاول فرنسا لعبها لا تحظى حتى الآن بردّ إيجابي من قبل أوكرانيا، وهي عقد محادثات بين الحكومة الأوكرانية والانفصاليين برعاية فرنسية في صيغة النورماندي، لكن في الأروقة الدبلوماسية تعتبر هذه الخطة، على الرغم من أنها واعدة، صعبة المنال في الوقت الحالي، لكن في حال تحققت، فستكون أساساً مهماً في المحادثات بصيغتها الكبرى بين الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا.