أول قاعدة عسكرية روسية في أفريقيا: محاولة متأخرة للحاق بالغرب

أول قاعدة عسكرية روسية في أفريقيا: محاولة متأخرة للحاق بالغرب

08 ابريل 2024
مواطنان ببانغي وسط أعلام روسية، مارس 2023 (باربارا ديبو/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- روسيا تخطط لإنشاء قاعدة عسكرية في جمهورية أفريقيا الوسطى، مما يعكس توجهها لتعزيز وجودها العسكري في أفريقيا وتحول بعض الدول من النفوذ الفرنسي إلى الشراكة مع موسكو.
- القاعدة العسكرية تهدف إلى دعم النظام الحاكم في بانغي وتعزيز الأمن الإقليمي، مع التخطيط لاستضافة حوالي 10 آلاف جندي روسي وتأكيدات على استمرار المفاوضات لتحديد موقعها.
- تطلعات روسيا تمتد لإنشاء قواعد عسكرية أخرى في دول مثل إريتريا ومدغشقر، ضمن مشروع "الفيلق الأفريقي" لتوسيع نفوذها العسكري والسياسي والسيطرة على الموارد الطبيعية مثل الذهب والألماس.

تستعد روسيا لإنشاء أول قاعدة عسكرية لها في القارة الأفريقية، بعد أن بسطت نفوذها في عدة دول وسط وغربي أفريقيا، وأصبحت شريكاً استراتيجياً رئيسياً لدول أفريقية كانت إلى وقت قريب ضمن المعسكر الفرنسي، لكن الانقلابات وما رافقها من تغييرات في أنظمة الحكم، فضلاً عن طموح روسيا ونشاطها السياسي والاستخباري المكثف في أفريقيا أدى إلى دخول موسكو لاعباً قوياً في عدد من الدول الأفريقية. ويؤكد إنشاء القاعدة العسكرية رغبة مشتركة بين روسيا والبلدان الأفريقية، خصوصاً التي خرجت من المعسكر الفرنسي، في تكثيف التعاون العسكري وتعويض الوجود الفرنسي في القارة، كما يؤكد طموح موسكو المتزايد لبسط سيطرتها على بعض الدول الأفريقية، التي تعاني من الإرهاب والفقر، وفي الوقت نفسه تتوفر على موارد معدنية ونفطية مهمة غير مستغلة ومنها الذهب والألماس واليورانيوم.

وبعد التكهنات التي انتشرت حول الدولة التي ستستضيف القاعدة العسكرية الروسية، أعلن رسمياً أنّ جمهورية أفريقيا الوسطى ستكون المقر لأول قاعدة عسكرية روسية في القارة الأفريقية وستستوعب نحو 10 آلاف جندي روسي. وقال السفير الروسي في جمهورية أفريقيا الوسطى ألكسندر بيكانتوف، إن وزارتي الدفاع في البلدين "تواصلان المفاوضات" بشأن إقامة قاعدة للجيش الروسي في بانغي، وأكد أن الجهود متواصلة لاختيار موقع القاعدة.

وقبل هذا التصريح الذي يعتبر الأول من قبل مسؤول روسي بهذا الخصوص، لم ينفك كبار المسؤولين في أفريقيا الوسطى عن التعبير عن رغبتهم في استضافة القاعدة العسكرية الروسية، بل كانوا السباقين للإعلان عن إنشاء القاعدة، وكان ذلك صيف العام الماضي حين أكد سفير جمهورية أفريقيا الوسطى في موسكو، ليون دودونو بوناغازا، أن بلاده مستعدة لاستضافة القاعدة العسكرية الروسية، مؤكداً أن الغرض من الوجود العسكري الروسي في جمهورية أفريقيا الوسطى هو تدريب جنود الأخيرة.

فيلق أفريقي

لكن الأمر الذي لا تريد بانغي التصريح به هو أن تأييدها وموافقتها على صفقة إنشاء القاعدة مرده اعتماد النظام الحاكم بقيادة الرئيس فوستين أرشانج تواديرا على روسيا من أجل حماية حكمه، الذي يواجه تمرداً عسكرياً واستعادة بعض الأراضي التي خسرها أمام الجماعات المتمردة، وبالتالي يرى في استضافة القاعدة الروسية قوة إضافية لنظام حكمه. في هذا الصدد، قال الباحث الموريتاني محمد سعيد أحمدو، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن السلطات في بانغي ترغب في أن يضطلع الجنود الروس بمهام أمنية موسعة لتعزيز أمنها الإقليمي وتدريب الجيش، لذلك فهي ترغب في استضافة هذه القاعدة على الرغم من كل ما يثار حول دور روسيا وتورط الجنود الروس في صراعات داخلية بهذا البلد. ورأى أن إنشاء القاعدة في أفريقيا الوسطى سيمنح هذا البلد دوراً إقليمياً، كما سيساعد الرئيس فوستين أرشانج تواديرا على البقاء في الحكم واستعادة أجزاء من الأراضي التي تسيطر عليها الحركات المتمردة.


محمد سعيد أحمدو: القاعدة الروسية ستساعد تواديرا على البقاء في الحكم 

وكان تواديرا قد طلب من روسيا مساعدته على تثبيت حكمه وطرد المتمردين عام 2017 واستجابت موسكو بإرسال وفد من الضباط والمدربين العسكريين، ثم لاحقاً في عام 2018 وقّعت أفريقيا الوسطى اتفاقاً مع مجموعة فاغنر العسكرية من أجل توفير حراسة للرئيس وتدريب الجيش وصد هجوم المتمردين. وبعيداً عن المزايا التي يمكن لجمهورية أفريقيا الوسطى أن تكتسبها من إنشاء هذا المشروع، فإنّ وجود قاعدة عسكرية في القارة يمثل مكاسب لا يمكن حصرها بالنسبة لروسيا، فطموحات موسكو في أفريقيا كبيرة وتتخطى تعزيز وجودها العسكري إلى الهيمنة على قطاع الطاقة من غاز ونفط، والسيطرة على مناجم المعادن النفيسة وتوظيف كل ذلك في الدفاع عن مواقفها السياسية إزاء القضايا المختلفة.

وأشار الباحث محمد سعيد أحمدو في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أن الطموح الروسي بإنشاء قاعدة عسكرية في أفريقيا لا يقتصر على جمهورية أفريقيا الوسطى وحدها، بل إن روسيا تفكر جدياً في بناء قواعد في إريتريا ومدغشقر وموزمبيق والسودان، حسب ما أكدته تقارير غربية. وأضاف أنه "في زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الأخيرة إلى موريتانيا (في 7 فبراير/شباط 2023)، كان هناك حديث عن طلب روسي بإنشاء قاعدة عسكرية شمالي موريتانيا، وأن موسكو مستعدة لتوفير جميع الضمانات، لذلك فأفريقيا الوسطى ستكون أولى قواعد روسيا في أفريقيا، لكنها على الأكيد لن تكون الأخيرة".

وأكد سعيد أحمدو أن إنشاء القاعدة العسكرية يدخل ضمن مشروع "الفيلق الأفريقي" الذي بات يرسم معالم الوجود العسكري الروسي في أفريقيا، خصوصاً بمنطقة الساحل. ورأى أن موسكو تحاول استغلال نجاح "فاغنر" بأفريقيا واستعادة السيطرة عليها بعد وفاة زعيمها يفغيني بريغوجين، بإنشاء هيكل مسلح جديد يتولى العمليات الأفريقية للمجموعة، مع مواصلة تحقيق طموح موسكو في توسيع نفوذها بأفريقيا وتعزيز مكانتها كقوة عسكرية كبرى.

عمليات عسكرية واسعة النطاق

ويتوقع مراقبون أن تكون القاعدة العسكرية الجديدة بمثابة المقر الإقليمي للقوات الروسية المنتشرة في العديد من البلدان الأفريقية، مثل مالي وليبيا وبوركينا فاسو ولاحقاً النيجر، التي وقّعت في ديسمبر/كانون الأول الماضي اتفاقاً في مجال الدفاع مع روسيا. وغالبية هذه الدول كانت قد أنهت عقوداً من التعاون السياسي والعسكري والاقتصادي مع فرنسا. وحسب المعلومات الأولية ستضم القاعدة ما يصل إلى 10 آلاف جندي روسي مع إمكانية استخدامها لتجميع الجنود الروس في مناطق أخرى بالبلدان المجاورة عند الحاجة.

وحول ذلك، اعتبر الباحث في الشؤون الأفريقية دادي سيلي (من أفريقيا الوسطى)، أنه "على الرغم من أن روسيا قوة عسكرية كبرى لكن ليس لها وجود رسمي في القارة الأفريقية، وهذا الوضع على وشك أن يتغير، إذ تستعد موسكو لكسر هذا التقليد من خلال الانضمام إلى قائمة طويلة من الدول غير الأفريقية التي أنشأت قواعد في القارة، ومعظمها من دون هدف واضح". وأضاف سيلي في حديث لـ"العربي الجديد" أنه "في جيبوتي وحدها نجد عدة قواعد عسكرية لفرنسا والولايات المتحدة والصين وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا وبريطانيا وتركيا... وحتى اليابان لها وجود في جيبوتي". ورأى أنه على الرغم من أن أفريقيا تضم أكبر عدد من القوات الأجنبية، فإنها موطن لأكثر دول العالم اضطراباً، ما يطرح أسئلة حول دور وأهمية القواعد العسكرية طالما أنها لا توفر الأمن والاستقرار لدول القارة الأفريقية.


دادي سيلي: روسيا ستواجه صعوبات أخرى حتى بعد إنشاء القاعدة

وأكد سيلي أن مهمة القواعد العسكرية في أفريقيا غير واضحة، مشيراً إلى أنها "تخدم مصالح الدول التي أنشأتها لكنها لا تعمل بشكل ينسجم مع المصلحة العامة ولا تضمن حماية طرق التجارة، بقدر ما تظهر أن الدول الغنية قادرة على ترسيخ نفوذها وإظهار قوتها والتنافس في ما بينها... لكن طالما أنها لن تحقق شيئاً للدول المستضيفة فلن تطيل البقاء، فمثلاً فرنسا لها قواعد كثيرة في منطقة الساحل ورأينا كيف انتهت بها الأمور".

وتساءل الباحث عن دور هذه القواعد في ظل ارتفاع مبيعات الأسلحة بالدول التي تستضيفها ووجود المرتزقة والمليشيات واستغلال الثروات سراً ودعم الانقلابات، والتنافس الأعمى بين القوى العظمى من أجل الوصول إلى المواد الخام خصوصاً الذهب والألماس. وعن سبب اختيار موسكو لأفريقيا الوسطى من أجل إقامة قاعدة عسكرية لها، رأى سيلي أن الموقع الجغرافي لجمهورية أفريقيا الوسطى يلعب دوراً رئيسياً، فضلاً عن العلاقات المتميزة بين البلدين والتعاون العسكري الوثيق بينهما. وقال: "ستكون لدى القوات الروسية القدرة على مراقبة ما يحدث في غرب أفريقيا وشرقها وشمالها وجنوبها، على مسافة متساوية تقريباً بين الشمال والجنوب وبسرعة أكبر من الشرق إلى الغرب".

وأضاف أن "جمهورية أفريقيا الوسطى تقع بالفعل وسط القارة، ويمكن للجيش الروسي أن يتجه بسهولة نحو الغرب أو الشرق أو الشمال أو الجنوب، فالمسافة بين بانغي وجوهانسبرغ (في جنوب أفريقيا) جنوبي القارة تعادل تقريباً المسافة التي تفصل جمهورية أفريقيا الوسطى عن طرابلس في ليبيا شمالاً أو حتى عن جيبوتي شرقاً، وبالتالي فروسيا لن تجد موقعاً وسط أفريقيا أكثر مركزية من جمهورية أفريقيا الوسطى". وعن العقبات التي يمكن أن تحول دون تنفيذ المشروع أو تأخيره، رأى سيلي أنه يمكن أن يكون "تأثير العقوبات والقيود المفروضة على روسيا، والعقوبات المفروضة أيضاً على مجموعة فاغنر، وقرار حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة على أفريقيا الوسطى منذ الحرب الأهلية عام 2013، وكلها عقبات قد تؤخر إنشاء القاعدة".

وأوضح أن روسيا ستواجه صعوبات أخرى حتى بعد إنشاء القاعدة، فجمهورية أفريقيا الوسطى تعد من بين أكثر الدول غير المستقرة في العالم وتنشط بها جماعات سياسية وإقليمية وعرقية قوية ومتشددة تستخدم العنف لتصفية الحسابات والنزاعات، لذلك فإن سعي موسكو إلى استخدام القاعدة لدعم عملياتها في جميع أنحاء أفريقيا وحتى خارجها، يتطلب أولاً التعامل مع الوضع المتفجر وعدم الاستقرار في جمهورية أفريقيا الوسطى. وأكد أن إنشاء هذه القاعدة سيؤدي إلى تضاعف العمليات التي تنفذها الجماعات المتمردة المسلحة في جمهورية أفريقيا الوسطى والاشتباكات مع القوات الحكومية والمليشيات التي ترفض استعادة الاستقرار والحياة السياسية الطبيعية في هذا البلد.

القاعدة وقوة النفوذ الروسي

لم يكن اختيار جمهورية أفريقيا الوسطى لإنشاء أول قاعدة عسكرية روسية اعتباطياً، فالبلدان تربطهما علاقات تعاون وثيقة في مجالات الزراعة والثروة الحيوانية والتعدين والطاقة والبناء والنقل، فضلاً عن الاتفاق العسكري الموقّع بينهما عام 2018، الذي ينص على توريد الأسلحة وتدريب ضباط أفريقيا الوسطى في المدارس العسكرية الروسية ومحاربة الجماعات المتمردة. وفضلاً عن عناصر "فاغنر"، لدى روسيا حوالى 1900 مدرب عسكري في جمهورية أفريقيا الوسطى، يساعدون الجيش والأجهزة الأمنية ويحمون الرئيس. غير أن مراقبين يرون أن روسيا أصبحت تسيطر تماماً على أفريقيا الوسطى، ويؤكدون أنه في غضون سبع سنوات انتقل النفوذ الروسي من التخطيط لمحاربة الجماعات المتمردة وتقديم المساعدات العسكرية، إلى التدخل السياسي والسيطرة على مناجم الذهب والألماس.

المساهمون