أكذوبة عجز واشنطن أمام نتنياهو

أكذوبة عجز واشنطن أمام نتنياهو

22 مارس 2024
بايدن ونتنياهو في تل أبيب، أكتوبر 2023 (إيفلين هوكشتاين/رويترز)
+ الخط -
اظهر الملخص
- الولايات المتحدة تمارس سياسة الخداع مع الدول العربية، مشجعةً على التطبيع مع إسرائيل مقابل تنازلات ضئيلة، وتحمي سمعة إسرائيل الدولية على حساب الفلسطينيين.
- إدارة بايدن تظهر دعماً لإسرائيل مع الادعاء بالعمل من أجل وقف النار، مفضلةً السياسات الصهيونية على حقوق الإنسان والعدالة.
- السياسة العربية تعاني من التبعية للضغوط الأمريكية والإسرائيلية، مما يثير غضب الشعوب العربية ويدعو إلى تغيير جذري في النهج السياسي العربي.

تكرر أميركا لعبتها المفضلة في أكذوبة الظهور عاجزة أمام دولة الاحتلال الإسرائيلي. الأمر ليس جديداً، بل ظل يُمارَس لعقود خلت. وتلك الأكذوبة ليست أحجية صعبة، ويرافقها تشجيع السياسة الرسمية العربية على "جرأة السلام"، في مقابل ممارسة الخبث السياسي بتصوير تل أبيب متعنتة، لجلب "تعديل" هنا وهناك، حتى تتمخض تلك الجرأة عن فأر التطبيع، وضحالة "السلام مقابل السلام"، وهو ما حدث بتفريغ "المبادرة العربية" من مضامينها طيلة 22 سنة.

مشكلة واشنطن أنها تتذاكى على المحتاجين لها رسمياً، بينما الكثيرون في الشوارع العربية أدركوا حقيقتها التاريخية، أقله منذ مكوكية هنري كيسنجر في سبعينيات القرن الماضي. والأمر غير مرتبط بمن يحكم تل أبيب، سواء كان اسمه مناحيم بيغن أو إسحاق شامير أو آرييل شارون أو بنيامين نتنياهو.

واشنطن تكذب حين تقول إن الحاجات الإنسانية لناس غزة ليست للتفاوض، مصرة على التلاعب بالعرب والفلسطينيين بطبول توسيع حرب الإبادة، واستخدام الحصار والتجويع، وارتكاب المذابح، كوسائل ضغط حربي، ضد كل توجيهات محكمة العدل الدولية.

وحتى حين يتحدث الرئيس الأميركي جو بايدن عن الحرب، تراه أحرص على "سمعة إسرائيل الدولية"، وليس على الضحايا الفلسطينيين، الذين شكك في الأصل في وجودهم. صهيونية الرجل تطغى على رئاسته، التي تستثني من حق الحياة من يقف في طريق مشروعها طويل الأمد على أرض فلسطين وفي المنطقة.

تريد الإدارة الأميركية، بجيش موظفين ومستشارين تعودوا على أن السياسة العربية تتنازل دائماً، إقناع ناخبي بايدن، الممتعضين من مواقفه، بأنه يعمل من أجل "وقف النار"، ويبثون أكاذيب عن أنه "ممتعض من نتنياهو".

وفي المحصلة، يصبح الحل في يد الضحية: لا شيء غير الاستسلام، لأن بايدن "محبط" من تل أبيب، وأن "الدولة العظمى" هي قزم سياسي أمام الفاشية الصهيونية. من يشتري هذه الأكاذيب التي يروّجها أنتوني بلينكن في جولاته المكوكية، إنما يمنح سيقاناً لسردية تل أبيب.

خلال الأسابيع الأخيرة ناور نتنياهو للتنصل من وساطات وقف إطلاق النار، كما هي العادة في السياق الصهيوني المحمي أميركياً، لجلب مزيد من الضغوط على الحالة الفلسطينية، وفرض كي الوعي الجماعي عليها، وللأسف ببعض أوهام فلسطينية، وبقاء التفكك بدل المسارعة إلى وحدة وطنية تتصدى لما يجري.

المنطقة باتت متخمة بالكذب الأميركي. ويزيد جرعته وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، مثلما فعل سابقوه، حين يهرع إلى العرب من أجل انتزاع تنازلات منهم، مع إظهار تل أبيب أنها متعنتة ومتمردة على أميركا، فتلك هي اللعبة المفضلة.

أمام استمرار همجية التجويع وارتكاب جرائم الحرب والإبادة، يبدو أن الأوروبيين أكثر تململاً من بعض الرسميين العرب، خشية على مصالحهم طويلة الأمد، إذ يستمر البعض الرسمي في المنطقة بتجاهل أنه في الشهر السادس للحرب على غزة لم يستطع أن يطبق بنداً واحداً من بنود قمة الرياض العربية ـ الإسلامية. فلا هم كسروا حصار غزة ولا مارسوا ضغطاً حقيقياً على الغرب وواشنطن، لرفع اليد عن جرائم تل أبيب، والكف عن مشاركتها بالأسلحة والذخيرة.

السياسة العربية في 2024 تعيش وكأنها في مرحلة تبعية وتسليم بقدرية أن أميركا هي المتحكمة بحال أوطانها ومستقبلها. وحتى في منطق المصالح فإن الركون لتلك الفرضيات أمر مدمر لتلك المصالح، خصوصاً أن ناس المنطقة يعيشون على مرجل الحنق والغضب، بسبب الهوان الذي تحياه تلك السياسات كقدر محتوم.