أزمة المياه بين سورية والأردن: فقر بالموارد وتوظيف سياسي

أزمة المياه بين سورية والأردن: فقر بالموارد وتوظيف سياسي

20 يوليو 2022
يطالب الأردن باستمرار بتفعيل اتفاقية استثمار مياه نهر اليرموك مع سورية (Getty)
+ الخط -

مع بداية فصل الصيف كل عام، تعود أزمة المياه إلى الواجهة في كل من سورية والأردن، وتتعالى مطالب في الجانب الأردني بضرورة التزام الجانب السوري بتمرير كمية المياه المتفق عليها بين الجانبين، والتي تحدد حصة كل منهما في الأحواض الحدودية المشتركة.

وما يزيد من تعقيد الأمور كون إسرائيل طرفا ثالثا في تقاسم المياه المشتركة، وهي ما زالت في حالة حرب مع سورية، بينما وقعت اتفاقية سلام مع الأردن.

وفي جديد هذا الملف الذي يثار بين الفينة والأخرى، أعلن وزير المياه والري الأردني محمد النجار أن النظام السوري رفض طلبا ببيع الأردن 30 مليون متر مكعب من المياه، بحسب ما نقلت، أمس الثلاثاء، قناة "المملكة" الأردنية.

وأضاف النجار أن الرفض جاء "نتيجة الظروف الجوية والوضع السياسي في مناطق جنوبي سورية"، وأوضح أن وزير موارد المياه لدى النظام السوري رد قبل أيام على طلب الحكومة الأردنية بالرفض، قائلا إن سورية تعاني أيضا من نقص كبير بالمياه.

ويطالب الأردن باستمرار بتفعيل اتفاقية استثمار مياه نهر اليرموك مع سورية الموقعة عام 1987، حيث يردد مسؤولون أردنيون أن الجانب السوري تجاوز حقوقه بموجب هذه الاتفاقية من خلال زيادة عدد السدود والآبار على مداخل سد الوحدة، ما تسبب بتراجع كميات المياه التي تصل إلى السد وقلل من حصة الأردن.

وسبق أن طالب وزير المياه الأردني بتعديل اتفاق 1987 "بما يتلاءم مع التوقعات المحتملة للتغير المناخي واستضافة الأردن نحو 1.5 مليون لاجئ سوري"، في إشارة إلى مسؤولية النظام السوري عن توفير المياه لمواطنيه اللاجئين في الأردن.

 وذكر الوزير النجار، في تصريحات له مطلع فبراير/ شباط الماضي، أن معدل المياه الداخلة من نهر اليرموك إلى الجانب الأردني بين عامي 2010 و2019 بلغ نحو 58 مليون متر مكعب سنوياً، مضيفاً أنه "لا توجد إشارة في نصوص الاتفاقية إلى التزام الجانب السوري بكميات محددة تجاه الأردن"، وفق ما نقلت في حينه وكالة "عمون" الأردنية.

وتنص اتفاقية 1987 على حق الأردن بالحصول على نحو 200 مليون متر مكعب من مياه اليرموك سنويا، بينما تبلغ حصة سورية من مياه النهر بموجب الاتفاق 90 مليون متر مكعب سنوياً، إضافة إلى قيامها ببناء 25 سداً لري أراضيها بسعة 159 مليون متر مكعب. 

وجرى الاتفاق بين الجانبين على بناء سد الوحدة على نهر اليرموك عام 2004، بطول 110 أمتار، وطاقة تخزينية تبلغ 115 مليون متر مكعب، بهدف توفير المياه والطاقة الكهرومائية التي يحتاجها الجانبان.

غير أن تقارير إعلامية أردنية تقول إن ما يحصل عليه الجانب السوري يتجاوز 270 مليون متر مكعب، وتتهم النظام السوري بحجز المياه السطحية والجوفية قبل وصولها للأردن، عبر بناء 42 سداً وحفر آلاف الآبار، ما يتسبب بضياع حصة الأردن من النهر، حيث لا يحصل حالياً على أكثر من 50 مليون متر مكعب سنوياً.

تحصل إسرائيل، بموجب اتفاق السلام الموقع مع الأردن، على حصة تبلغ 25 مليون متر مكعب من مياه نهر الأردن سنوياً

كما تحصل إسرائيل، بموجب اتفاق السلام الموقع مع الأردن، على حصة تبلغ 25 مليون متر مكعب من مياه نهر الأردن سنويا، وهو ما يعترض عليه الجانب السوري باستمرار.

ويقع معظم حوض اليرموك في سورية بنسبة 80 في المئة، بينما يقع في الجانب الأردني ما نسبته 20 في المئة من إجمالي طول نهر اليرموك البالغ نحو 57 كلم.

وفي العام 2016، هدد الأردن باللجوء إلى التحكيم الدولي للمطالبة بحصته المائية.

ولعل رغبة الأردن في الوصول إلى توافق مع الجانب السوري هي من بين أهم الدوافع وراء مساعيه اعتبارا من العام الماضي لإعادة الدفء إلى علاقاته مع النظام السوري، فضلا عن فتح معبر نصيب الذي كان يعتبر قبل عام 2011 شريانا رئيسيا للاقتصاد الأردني، من خلال تجارة الترانزيت بين كل من سورية ولبنان باتجاه الخليج العربي، عبر الأردن.

في سبتمبر/ أيلول الماضي، وعقب التقارب بين الجانبين، اتفقا على تفعيل اللجنة الفنية المشتركة من وزارتي المياه في البلدين لمتابعة تنفيذ اتفاقية استثمار مياه نهر اليرموك، غير أن تقدما لم يحصل في هذا الملف منذ ذلك الحين.

خيارات "محدودة" للأردن

ويرى الباحث السوري موفق سلامة، المتابع لملفات المياه في المنطقة، أن كلا البلدين سورية والأردن يعانيان من نقص في المياه، سواء المعدة للشرب أم للزراعة، لكن الأزمة تبدو مستفحلة أكثر في الأردن، الذي يعد من أفقر الدول مائيا في العالم.

وأضاف سلامة، في حديث مع "العربي الجديد"، أن خيارات الأردن محدودة، فهو إضافة إلى الآبار الجوفية، ليس أمامه سوى الاعتماد على المياه المشتركة مع كل من سورية والاحتلال الإسرائيلي، حيث نصّت اتفاقية وادي عربة الموقعة بين الاحتلال والأردن عام 1994 على تزويد الأردن سنويا بنحو 55 مليون متر مكعب بسعر سنت واحد للمتر المكعب. وفي هذا السياق جاء إعلان الأردن في يونيو/ حزيران الماضي عن شراء 50 مليون متر مكعّب من المياه من إسرائيل.

وأضاف سلامة أن النظام السوري "لا ينشغل حاليا كثيرا بهذا الملف إلا بمقدار توظيفه سياسيا للضغط على الأردن من أجل تسريع خطوات تقاربه مع النظام، الذي يفتقر إلى الموارد الكافية للتحكم بمياه الجنوب السوري".

وأشار المتحدث إلى أنه "على سيبل المثال، لم يستطع قبل أشهر التحكم بمياه سد سحم الذي صبّ كل مخزونه في سد الوحدة المشترك مع الأردن، بعدما أصاب عطل إحدى فتحات التحكم، ولم يتمكن النظام من إصلاحها، قبل إفراغ مياه السد، ما تسبب بخسائر كبيرة لمزارعي المنطقة".

المساهمون