أزمة الصدر و"الإطار التنسيقي": أبعد من خلافات تشكيل حكومة

أزمة الصدر و"الإطار التنسيقي": أبعد من خلافات تشكيل حكومة

07 ابريل 2022
مناصر للصدر يحمل لافتة داعمة للأخير ولمرشحه للحكومة جعفر الصدر (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -

يزداد المشهد السياسي العراقي تعقيداً، في ظل استمرار انعدام فرص الاتفاق بين القوى الرئيسة في البلاد حيال ملف تشكيل الحكومة الجديدة، وذلك على الرغم من مضي أكثر من 5 أشهر على إعلان نتائج الانتخابات التشريعية العامة التي أجريت في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي.

وتعثرت حتى الآن عدة مبادرات سياسية داخلية، فضلاً عن وساطات قادتها قيادات إيرانية بارزة وشخصيات مهمة في "حزب الله" اللبناني، تحركت طوال الأشهر الماضية بين بغداد والنجف وأربيل، لتقريب المسافة بين كل من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، المتصدر في الانتخابات الأخيرة بفارق كبير عن أقرب منافسيه (73 مقعداً)، وقوى تحالف "الإطار التنسيقي"، الذي يوصف بأنه مدعوم من طهران.

ويتصدر "الإطار التنسيقي"، رئيس الوزراء الأسبق، زعيم ائتلاف "دولة القانون" نوري المالكي، وزعيم منظمة "بدر" هادي العامري، إلى جانب قوى أخرى بزعامة عمار الحكيم وحيدر العبادي وفالح الفياض وأحمد الأسدي، وهمام حمودي. ويملك هؤلاء ما مجموعه 64 مقعداً في البرلمان.

ويسعى الصدر، من خلال تأسيسه الشهر الماضي تحالفاً يضم قوى سياسية عربية سنية وكردية، حمل اسم تحالف "إنقاذ وطن"، إلى تشكيل ما يسميه حكومة "أغلبية وطنية" ستكون الثامنة منذ الغزو الأميركي للبلاد عام 2003.

ويرفض الصدر مشاركة ائتلاف المالكي بالحكومة الجديدة، محملاً الأخير مسؤولية التردي الأمني والاجتماعي والاقتصادي واتساع رقعة الفقر والفساد والطائفية في العراق خلال سنوات حكمه للبلاد من عام 2006 ولغاية عام 2014.

الخلافات المعلنة هي رأس جبل الجليد الظاهر، وهناك ملفات أخرى أعمق بدأت تظهر بعد انتهاء حقبة سليماني

خلافات الصدر و"الإطار التنسيقي"

لكن في المقابل، يؤكد سياسيون من كلا المعسكرين المتصارعين، أن الخلافات لا تنحصر على شكل أو آلية تشكيل الحكومة الجديدة ومشاركة طرف فيها أو استبعاده منها.

ويشير هؤلاء إلى أن الخلافات المعلنة هي رأس جبل الجليد الظاهر، وهناك ملفات أخرى أعمق بدأت تظهر بعد انتهاء حقبة زعيم "فيلق القدس" السابق بالحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، الذي كان يؤدي دور الضامن والضابط للتفاهمات طوال السنوات الماضية.

وفي هذا السياق، يتفق سياسي بارز وعضو في "التيار الصدري" بمدينة النجف جنوبي العراق، مع مسألة أن الخلافات بين الجانبين أكبر من تشكيل الحكومة أو الكتلة الكبرى داخل البرلمان التي تتولى مهمة تشكيل الحكومة. ويشير في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "الصدر يريد الخروج من حالة اللادولة التي يعاني منها العراق منذ عام 2003".

ويضيف المصدر نفسه، الذي طلب عدم الكشف عن هويته بسبب قرار منع المتحدثين وأعضاء "التيار الصدري"، من التحدث لوسائل الإعلام طيلة مدة المهلة التي قدمها الصدر (40 يوماً) لخصومه السياسيين من أجل تشكيل حكومة بمفردهم، أن "الخلاف بين الصدر وقوى الإطار التنسيقي، يمتد لسنوات، لكن الجديد أن جميع الأضداد اجتمعوا في تحالف واحد هذه المرة".

ويتابع "الصدر مدرك أنه في حال خسارته المواجهة السياسية الحالية، فإنه سيخسر جزءاً كبيراً من مستقبل التيار الصدري السياسي لصالح تلك القوى والقوى المدنية التي تصاعد وجودها في المشهد في العامين الأخيرين".

مخاوف خصوم مقتدى الصدر

ويوضح المصدر أن "ملف السيطرة على سلاح الفصائل وتحرير المؤسسات المالية في الدولة من هيمنة الأحزاب، وتنقية الحشد الشعبي وجعله جهازاً أمنياً أكثر انضباطاً وارتباطاً بالدولة وليس بزعماء الفصائل، وفتح ملفات الفساد بأثر رجعي منذ عام 2005 وملف سقوط المدن بيد تنظيم داعش، هي أبرز نقاط الخلاف".

ويصف المصدر ذاته الأجواء في كل من النجف وبغداد حالياً بأنها "معدومة الثقة". ويقول إن "خصوم الصدر من القوى الشيعية يعتبرون أنه سيطيح بهم بشكل تدريجي واحداً بعد الآخر، بحال شكّل حكومة أغلبية بعيداً عن التوافق معهم، لذلك رفضوا قبول شرطه بإقصاء المالكي من الحكومة، وكذلك ما زالوا مصرين على أن تكون الكتلة الكبرى في البرلمان من القوى الشيعية حصراً، لمنع انفراد الصدر بالقرارات المهمة".

هناك خلافات حول برنامج الحكومة الذي يسعى إليه الصدر

ووفقاً للمصدر فإن "الخلافات تتركز أيضاً على برنامج الحكومة الذي يسعى إليه الصدر، مثل نزع سلاح الفصائل، الثقيل والمتوسط، وتسليمه للدولة، وتشذيب الحشد الشعبي وفتح ملفات الفساد، وتحرير المؤسسات المالية، وإجراء إصلاحات واسعة في البنوك".

وبحسب المصدر نفسه، "تعتبر قوى المعسكر المقابل، أن تلك الإجراءات لا تستهدف نية الإصلاح، بقدر ما تهدف لضرب قوى سياسية محددة".

وفي الإطار ذاته، يقول السياسي المقرب من "التيار الصدري"، مناف الموسوي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "من الخطأ اعتبار الخلافات الحالية محصورة بتشكيل الحكومة، بل القضية ترتبط بمشروع أو رؤية الصدريين عموماً للمشهد العراقي".

ويوضح أن هذه الرؤية ترتكز على "فك التبعية للخارج، وتحرير مؤسسات الدولة، وبناء جيش قوي وفاعل، وإجراء إصلاحات حقيقية في مختلف المجالات، خاصة المتعلقة بحياة المواطنين".

ويشير الموسوي إلى أن "الصدر قدم للقوى الأخرى مبادئ حول إصلاح الدولة، ومنها ما يتعلق بقضية حصر السلاح بيد الدولة، وفتح ملفات الفساد الكبيرة وتقديم المتورطين بها للقضاء، وهذه النقاط يتخوف منها الإطار التنسيقي كثيراً، كون بعض ملفات الفساد متورط فيها قيادات بارزة في هذا التحالف".

الخلاف حول الكتلة الكبرى في البرلمان العراقي

لكن العضو البارز في تحالف "الإطار التنسيقي"، علي الفتلاوي، يرد على ذلك بالتساؤل عن مصير الفصيل المسلح الذي يملكه الصدر (سرايا السلام)، و"هل سيكون من ضمن إجراءات حصر السلاح بيد الدولة؟".

ويضيف الفتلاوي في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "سلاح الفصائل محصور بشكل رسمي ضمن هيئة الحشد الشعبي، وملف الفساد تجب معالجته، لكن نحن نرى أنه يجب ألا يكون باباً لتصفية حسابات، وتسقيط شخصيات أو جهات سياسية محددة".

ويرى الفتلاوي أن "الخلاف الرئيسي حالياً بين الجانبين هو حول تشكيل الكتلة الكبرى في البرلمان"، التي يقول إنها "يجب أن تبقى ضمن نطاق الكتل الشيعية حصراً، فنحن نريد الحفاظ على حق المكون الأكبر (الشيعي) في تشكيل الحكومة العراقية".

ويتابع "كذلك، نحن نطالب بضمانات لعدم المساس بسلاح الفصائل، ووقف أي استهداف تحت غطاء مكافحة الفساد".

ويتحدث الفتلاوي عما يصفها بـ"مؤامرة كبيرة وخطيرة تستهدف المكون الأكبر، وتريد سحب أحقية اختيار رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة منه، وهذه المؤامرة مدعومة داخلياً وخارجياً. ولهذا، نحن نتصدى لهذه المؤامرة، ونؤكد ونصرّ ولم ولن نتنازل عن قضية تشكيل الكتلة الكبرى من قبل القوى السياسية الشيعية حصراً، أي بين التيار والإطار فقط".

الفتلاوي: ملف الفساد تجب معالجته، لكن نحن نرى أنه يجب ألا يكون باباً لتصفية حسابات

"الإطار التنسيقي" وخشية فقدان النفوذ

من جهته، يقول المحلل السياسي العراقي، إياد العنبر، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "قوى الإطار التنسيقي تخشى الذهاب للمعارضة، حتى لا تخسر نفوذها في مؤسسات الدولة المهمة، وكذلك حتى لا تخسر النفوذ السياسي خلال المرحلة المقبلة. ولهذا هم يريدون البقاء كجزء من السلطة من خلال حكومة توافقية".

ويوضح العنبر أن "قوى الإطار التنسيقي تريد أن تكون جزءاً من تسمية واختيار رئيس الوزراء الجديد، وذلك حتى يدرك هذا الأخير عندما يتم تشكيل الحكومة الجديدة أن هذه القوى شريكة في هذا المنصب، وهذا ما يضمن لها البقاء في المناصب الحكومية والمحافظة على نفوذها في مؤسسات الدولة".

ويتحدث العنبر عن خشية لدى الخصوم السياسيين للصدر "من نجاح حكومة الأغلبية التي يريدها الأخير، فهذا الأمر قد يساهم بخسارة هذه القوى الثقل البرلماني والسياسي إلى النصف خلال الانتخابات البرلمانية المقبلة، فنجاح حكومة الأغلبية سيثبت فشل وفساد القوى التقليدية التي كانت تسيطر على الحكم خلال السنوات الماضية".

وشهدت الأيام الأخيرة تطورات جديدة في المشهد السياسي المتأزم في العراق منذ ما يزيد عن خمسة أشهر، جراء الخلافات الحادة حول تشكيل الحكومة الجديدة. إذ أطلق تحالف "الإطار التنسيقي" حراكاً جديداً يستهدف مختلف القوى السياسية التي لديها تمثيل داخل البرلمان، لعرض مبادرة جديدة عليها.

لكن حتى الآن، لم ترد أي من القوى السياسية على المبادرة، في إشارة إلى رفض بحثها لتضمنها التأكيد على مسألة تشكيل حكومة توافقية بين الكتل الفائزة.

وما يزال التحالف المدعوم من طهران مصراً على شرط تشكيل الكتلة الكبرى التي خولها الدستور تشكيل الحكومة، من خلال الكتل السياسية الشيعية حصراً، على أن يتم بعد ذلك التفاوض على شكل الحكومة المقبلة ورئيسها وبرنامجها، وهو ما يرفضه الصدر، الذي ذهب الشهر الماضي للدخول في تحالف عابر للهويات الطائفية، بشراكته مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، وتحالف "السيادة"، بعدد مقاعد بلغ نحو 180 نائباً.