عباس خارج السياق

عباس خارج السياق

09 يوليو 2014

عباس في زيارته طارق أبو خضير (Getty)

+ الخط -

"إن شاء الله سيكبر طارق، وسيطالب بالسلام، لأننا نفهم بالسلام والعدل أكثر منهم"، العبارة ليست للأسقف جنوب الأفريقي، ديزموند توتو، ولا للدالاي لاما، مُنظـِّرَاً بسلام يعمُّ الأرض، وإنما للرئيس الفلسطيني، محمود عباس، الذي لا ييأس من الحديث عن "السلام"، حتى في أعتى الأوضاع الحربية، التي تعيشها الأراضي الفلسطينية كافة.

يمكن نسيان أن حديث عباس جاء في دار عزاء الطفل الشهيد، محمد أبو خضير، الذي قتله مستوطنون، وأحرقوا جثمانه. ويمكن تجاهل أن كلام الرئيس الفلسطيني كان موجهاً إلى الشاب طارق أبو خضير، الذي شوه المستوطنون وجهه ضرباً. لكن، كيف يمكن تجاهل أن الحديث جاء في وقت كان هدير الطائرات، فوق غزّة مسموعاً بوضوح للعالم، ومواكب تشييع الشهداء ممتدة من القطاع المحاصر إلى الضفة الغربية المحتلة.

لم يكن الكلام عابراً، ولا هو زلة من رئيس كرّس حياته من أجل "عملية السلام". يبدو أنه عن سابق تصور وتصميم، إذ أكمل ما قاله في منزل عائلة أبو خضير على صفحات صحيفة "هآرتس"، بشكل أكثر وضوحاً. الرجل لم تعد لديه شروط للعودة إلى المفاوضات، هذا ما قاله.

"لا مانع لدينا من العودة إلى المفاوضات تسعة أشهر أخرى، ونبدأها بتخصيص ثلاثة أشهر، لترسيم الحدود. عندما نعرف الحدود، يُمكن أن نتفق على باقي القضايا". كلام منطقي نوعاً ما، لكن أي منطق قد يسود في ظل الجنون السائد حالياً في الأراضي الفلسطينية. وإلى أي آذان قد توجه تلك الرسائل "السلمية"، في وقت لم يعد هناك أحد يكترث فيه بالعملية برمتها. الولايات المتحدة، الراعي الأساسي لها، نفض وزير خارجيتها يده كلياً من المفاوضات، وترك الفلسطينيين والإسرائيليين يتدبرون أنفسهم. الأمر نفسه بالنسبة إلى رئيس الحكومة الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، والذي لم يكن بالأساس يريد السير في العملية، لولا الضغوط الأميركية. الآن، لا ضغوط أميركية، وووضع داخلي بالأساس غير مريح، فلماذا سيستمع إلى "منطق" عباس ودعواته؟

يبدو كلام عباس معزولاً عن الواقع الأمني والاجتماعي الفلسطيني، وخارج السياق السياسي الدولي العام. هو سياق لم يعد حاضراً إلا في ذهن أبو مازن، الذي يجاهر بإيمان غير واقعي. حديثه لـ "هآرتس" يوحي بذلك، حين يقول "أنا لا أؤمن بالعنف، ولا بالقتال، ولا بالحرب، ولا غيرها. أريد أن أعمل السلام معكم، وأن آتي لكم بكل عربي ومسلم، لكي يصنع السلام معكم".

بين أمانيه وكلامه، يبدو أن هناك واقعاً يحاول الرئيس الفلسطيني إغفاله، أو تناسيه، أو هو فعلاً يعيش في واقع آخر، غير الذي يعيش فيه سائر الفلسطينيين.

حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".