تبييض رياضي لبن سلمان

تبييض رياضي لبن سلمان

30 ابريل 2020
+ الخط -
تبييض رياضي، هذا هو المصطلح الذي تستخدمه منظمات حقوق الإنسان الدولية عادة في توصيف الأنشطة والفعاليات الرياضية التي يقوم بها ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، لتبييض صورته وإخفاء انتهاكاته الفظة والدموية لحقوق الإنسان في الداخل، وجرائمه المتنقلة في الخارج من اليمن إلى إسطنبول. 
عاد المصطلح ليطفو على السطح الأسبوع الماضي، مع سعى بن سلمان، وعبر صندوق الاستثمار السيادي السعودي، إلى شراء نادي نيوكاسل يونايتد الذي ينشط في الدوري الإنكليزي الممتاز، بموازاة حملة حقوقية دولية للضغط على رابطة الأندية الإنكليزية واتحاد كرة القدم والحكومة البريطانية لرفض الصفقة التي تحمل طابعا سياسيا واضحا، ولا يجري أصلاً إخفاء أهدافها السياسية والإعلامية من بن سلمان ورجاله. وقد تضمّن التبييض الرياضي استضافة السعودية فعاليات ومنافسات دولية على أراضيها، مثل مباريات كؤوس السوبر الإسباني والإيطالي ومباريات دولية ودّية لمنتخبات عالمية، إضافة إلى مسابقات للمصارعة الحرّة، وأخيراً الدورة السنوية لرالي داكار الدولي للسيارات.
ويعتبر السعي إلى شراء نيوكاسل أول تبييض رياضي خارجي لبن سلمان، بالمعنى الجغرافي وليس السياسي الإعلامي، إذا استثنينا شراء صديقه المقرب منه، والمشرف على هذه العملية، تركي آل الشيخ، نفسه لنادي العامرية (الميريا) الذي يلعب في دوري الدرجة الأولى في إسبانيا، ما يطرح تساؤلا عن مصدر ثروة هذا الرجل، وكيف له أن يدفع ملايين الدولارات لشراء نادٍ باسمه الشخصي، فيما هو موظف حكومي، أو يفترض أنه كذلك.
وكان بن سلمان قد سعى أولاً إلى شراء نادي مانشستر يونايتد، أحد أعرق الأندية في إنكلترا 
وأوروبا والعالم. الصفقة التي عمل عليها تركي الشيخ أيضاً، قبل أن يظهر أخيراً اسم ياسر الرملان، رئيس صندوق الاستثمار السعودي، في صفقة نيوكاسل، ما يؤكد الطابع الرسمي لها. وقد تعثرت تلك الصفقة لرفض مالكيه الأميركان "نظراً لوضعه المادي المستقر نسبياً"، على الرغم من الإغراءات الكبيرة، واستعداد بن سلمان لدفع ما يتجاوز المليار دولار ثمناً للصفقة، بموازاة رفض جماهير النادي العريق القاطع فكرة بيع النادي لحاكم السعودية الفعلي، الذي توصل إلى قناعةٍ بصعوبة نجاح الصفقة، بل باستحالته، ما حوّل أنظاره إلى نيوكاسل الذي يملك تاريخا لا بأس به في الكرة الإنكليزية، وخرج من صفوفه لاعبون كبار (كيفن كيغان، آلان شيرر، أندى كول وآخرون)، وله مشجعون متحمسون. واستغلالاً للحالة المتعثرة التي يعانيها الآن، لم يمانع جمهوره محاولات إنقاذه وإخراجه من المكان الذي لا يليق به أبداً مع هبوطه إلى الدرجة الأولى منذ سنوات، ثم مراوحته في أماكن الهبوط معظم المواسم الماضية السابقة.
من الزاوية الرياضية، إذن، يشبه نيوكاسل تقريباً نادي مانشستر سيتي، قبل أن تشتريه طبعاً العائلة الحاكمة في الإمارات، وتحوّله إلى أحد أندية القمة في إنكلترا وأوروبا مع تبييض رياضي أيضاً، ولكن ليس بوتيرة مكثفة وفظّة، كما فعل ويفعل بن سلمان، مع تجاوزات مالية وممارسات إدارية غير رياضية، دفعت الاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات رادعة على سيتي تمنعه من المشاركة في دوري الأبطال لعامين مقبلين، ما يعني عودة مشروع النادي إلى الصفر، إضافة إلى خسائر فنية مالية وإدارية فادحة.
رفعت منظمتا حقوق الإنسان الدولية، العفو الدولية (أمنستي) وهيومان رايتس ووتش، الصوت عالياً ضد صفقة شراء نيوكاسل، وأرسلت رسائل احتجاج إلى الجهات السياسية والرياضية الإنكليزية المعنية، تضمنت مطلبا واضحا وصريحا بضرورة رفض الصفقة، كما عرضت من خلالها سجل بن سلمان ونظامه، فيما يتعلق بترسيخ نظام استبدادي أحادي، وانتهاك حقوق الإنسان مع مئات من المعتقلين و"المعتقلات" السياسيين وأصحاب الرأي في ظروف سيئة، من دون 
التمتع بأدنى حقوقهم الإنسانية، إضافة إلى جريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي بشكل بشع، وذهنية أقرب إلى عصابات الإجرام، علماً أن لائحة الاتهام التركية وجّهت اتهامات إلى اثنين من رجاله المقرّبين. ثم جاءت وفاة الحقوقي والداعية، عبد الله حامد، قبل أيام في السجن، نتيجة الإهمال الطبي، لتقوي حجج المنظمات الدولية. ويضاف إلى جرائم الحرب الموصوفة في اليمن، على الرغم من التدخل إلى جانب الحكومة الشرعية ضد انقلاب دعمته الرياض أصلاً.
وجاء طلب مهم آخر لرفض الصفقة من شبكة بي إن سبورت، صاحبة الحقوق الحصرية لبثّ الدوري الإنكليزي في المنطقة العربية. وقد طالبت الشبكة بالتحقيق في القرصنة التي يقوم بها النظام السعودي ضد حقوقها الحصرية، بما في ذلك مباريات الدوري الإنكليزي نفسه، قرصنة العصر هذه تدرّ ملايين على بن سلمان وتركي الشيخ، ولا يمكن أصلاً تصور أن يتم بيع أجهزة استقبال، ودفع اشتراكات على نطاق واسع جدّاً ثم البثّ عبر القمر الصناعي "عرب سات" الذي تتحكم فيه السعودية، من دون موافقة رسمية، بل وبدعم سلطوي رسمي أيضا. علماً أن التسمية نفسها لقناة القرصنة "بي أوت كيو" تؤكد الطابع السياسي لها.
وقد ذكرت صحيفة ديلي ميل الإنكليزية، الأربعاء 22 إبريل/نيسان، أن رابطة الدوري الممتاز ستحقق في الشكوى، علماً أن هيئات رياضية ورقابية دولية أجرت تحقيقاتٍ مماثلة، وخلصت إلى النتيجة أو الحقيقة الساطعة كالشمس. تدار قرصنة العصر من أعلى المستويات في السعودية ورسميا، ويمكن الاستنتاج بسهولة أنها تتم بإشراف تركي الشيخ، الذراع الرياضية الترفيهية لبن سلمان، وهي لا تتماشى أبداً مع الصورة التي يقدمها الأخير، عن نفسه، أنه يسعى إلى بناء دولة عصرية وحديثة منفتحة على العالم ومؤسساته ونظمه المعول بها.
وثمة معطيان أساسيان يختصران القصة كلها، فما يفعله بن سلمان تبييض رياضي موصوف
لمستبد ونظام سياسي بشع، وفق القاعدة التي تقول إن في الوسع الحكم على استبداد أي نظام من عدمه، بملاحظة مستوى حضوره في الرياضة، وكلما زاد تدخّله فيها كان ذلك دليلاً لا يدحض على استبداده، تماماً كما كان الحال مع هتلر وموسيليني وفرانكو ومستبدين آخرين كثيرين في العالم الثالث من آسيا شرقاً إلى أميركا اللاتينية غرباً، مروراً بأفريقيا والمنطقة العربية طبعاً. ويتمثل المعطى الثاني في موقف الحكومة البريطانية المخجل والمشين، كونها لا تمانع من الصفقة من حيث المبدأ، وستدفع حتى باتجاه تمريرها، حفاظاً على مصالحها مع النظام السعودي وبن سلمان، تماماً كما فعلت في اليمن وليبيا ومناطق أخرى. وبالتالي، صفقة شراء نادي نيوكاسل بمئات ملايين الدولارات تملك احتمالات معقولة للمرور، وسيترأسه غالباً ياسر الرملان، أحد رجال بن سلمان، ولكن وصمة التبييض الرياضي ستلاحق هذا الأخير دائماً، وستكون الفرصة مواتية للتنديد به وبممارساته في ساحات الرياضة بشكل متواصل، أي أن الأمر سيرتد سلباً عليه، على عكس ما يتصور.