المغرب .. هذا الاستثمار السياسي

المغرب .. هذا الاستثمار السياسي

26 مارس 2020
+ الخط -
تبذل السلطات في المغرب جهودا محمودة لمواجهة وباء كورونا، والتخفيف من حدة الخسائر المواكبة لانتشاره المقلق. ومع إعلان حالة الطوارئ الصحية نهاية الأسبوع الماضي، دخلت المواجهة مع هذا الوباء منعطفا حاسما يصعب التكهن بمآلاته، في ظل الارتفاع المتواتر لأعداد المصابين، ومحدودية الإمكانات الطبية التي تتوفر عليها الدولة. 
قد يقول قائل إن المغرب، مثل دول كثيرة، يدفع اليوم ثمن انسياقه وراء الوصفات الكارثية للمنظمات المالية الدولية، وإهماله القطاعات الاجتماعية الحسّاسة، وفي مقدمتها التعليم والصحة اللذان أثبتت التجربة أنهما عصب الرأسمال البشري. هذا صحيح، ولكن المحنة التي تواجهها البلاد تقتضي تكاتف الجهود الحكومية والمجتمعية والأهلية لمواجهة الوباء، والحد من تداعياته التي يصعب حصرها على المدى البعيد، خصوصا أن دولا، توسم بالكبرى والمتقدمة، تكاد تستسلم، وهي تعاني الأمرّين في مجابهة هذه الجائحة الكونية.
مناسبة هذا الكلام ما حدث، ليلة السبت المنصرم، حين تحولت دعوات إلى الدعاء والتكبير من شرفات المنازل وأسطحها لرفع البلاء إلى مسيرات جابت بعض المدن المغربية، في انتهاك سافر، ليس فقط لقرار السلطات بفرض الحجر الصحي العام، بل أيضا لحق المغاربة في الحياة والوقاية اللازمة بتعريض حياتهم لخطر الإصابة بالفيروس، وخرقِ حالة الطوارئ الصحية المفروضة للحد من تفشي الوباء وتوسع رقعته، مع ما يعنيه ذلك من ارتفاع تكاليف مواجهته في بلدٍ يعاني، أصلا، من نقص فادح في الإمكانات الطبية اللازمة ذات الصلة.
من المرجح أن خروج هذه المسيرات في التوقيت نفسه، في مدن وحواضر بعينها، لم يكن مصادفة، لا سيما وأنه جاء بعد حزمة قرارات اتخذتها السلطات في مواجهة تفشّي الوباء والحد من انتشاره، أبرزها إغلاق المساجد ودور العبادة، وإعلان حالة الطوارئ الصحية في أنحاء البلاد. وقد بات شبه مؤكد أن بعض تيارات الإسلام السياسي رأت في وباء كورونا فرصة غير مسبوقة للاستثمار السياسي في حالة القلق والخوف التي تسيطر على المغاربة، من خلال توظيفها المخزون الديني والروحي والتاريخي لديهم، مستغلةً، في ذلك، الحصيلة المأساوية الواردة من أوروبا ''دار الكفر'' التي وقف فيها العلمُ، حسب هذه التيارات، عاجزا عن إيجاد دواء لهذا الوباء الخطير.
معيب، أخلاقيا وسياسيا، أن تلجأ جماعات سلفية إلى الركوب على هذا الظرف الاستثنائي، واستغلال الخوف المتنامي لدى المواطنين، خصوصا داخل أوساط الفئات الفقيرة والهشّة، من الإصابة بعدوى الوباء، وذلك بهدف تصفية حساباتها الأيديولوجية والسياسية مع السلطة.
وحتى إذا افترضنا أن السلطة، بإمساكها ملف كورونا، ترغب في استخلاص عائدات سياسية تمكّنها من تعزيز بنياتها السلطوية وإعادة جدولة أولياتها بعد انحسار الوباء، إلا أن ذلك لا يبرّر إطلاقا ما أقدمت عليه هذه الجماعات. ما حدث ليلة السبت الماضي يمثل لعبا بالنار على أكثر من صعيد، لأنه قد يكون سببا في تشكّل بؤر محلية لتفشّي الوباء، ما قد يفتح الباب أمام احتمالات كارثية، يبدو المغرب في غنى عنها في ظل محدودية خياراته في هذا الصدد.
المغرب في حاجة لجهود الدولة والمجتمع على حد سواء. وحصرُ هذه الجهود ومركزتُها في يد السلطة في مصلحة الجميع، ما دام الأمر يتعلق بتدابير وإجراءات يمكن أن تثبت نجاعتها في حالة التقيد بالحجر الصحي العام. ولذلك، فإن محاولة بعضهم إرباك السلطة، وهز ثقة الرأي العام فيها، وخلط الأوراق بكسر حالة الطوارئ أمر مستهجن. ولا يقال هذا دفاعا عن السلطة، بل لأن اللحظة العصيبة التي يعيشها المغرب، مثل معظم البلدان، لا تحتمل مثل هذا النوع من المكايدات غير المبررة.
لا مشكلة للمغاربة في اللجوء إلى الدعاء والتكبير، ما دام ذلك حقهم الروحي والوجداني لمغالبة الوباء. ولكن المشكلة في توظيف ذلك لحشد الشارع وتعبئته من دون أفق، بما يُفضي إلى خرق الحجر الصحي العام، ليس باعتباره تدبيرا احترازيا فرضته السلطات، بل باعتباره الوسيلة الوحيدة، إلى الآن، للتوقّي من الوباء، حسب ذوي الاختصاص من أهل العلم.