في محاسن "صفقة القرن"

في محاسن "صفقة القرن"

02 فبراير 2020
+ الخط -
منذ إعلان "خطة السلام" الأميركية الإسرائيلية، أو ما اصطُلح على تسميتها "صفقة القرن"، خرجت كتاباتٌ كثيرة لتشير إلى كارثية ما تحويه على الشعب الفلسطيني وقضيته المحقّة، وتورّط بعض العرب ضمنياً مع الإدارة الأميركية، في محاولة لتمرير الإملاءات على القيادة الفلسطينية، إضافة إلى قراءة تأثيرات الصفقة المزعومة على الخريطة الفلسطينية وامتداداتها الجغرافية، مع ما تتضمنه من مخطط ترانسفير لفلسطينيي الـ48 القاطنين في منطقة المثلث التي تقترح الخطة ضمّها إلى الأراضي الفلسطينية الموعودة. كل مساوئ الصفقة باتت معلومة، من دون نسيان أن أجزاءً كبيرة من بنودها باتت مطبَّقة على أرض الواقع، بغضّ النظر عن الرفض الفلسطيني أو القبول بها، على الرغم من أن الإدارة الأميركية وإسرائيل تعلمان يقيناً أن الخطة وُضعت لتُرفض. 
لكن مع مرور الوقت، باتت تظهر محاسن لهذه الصفقة على أرض الواقع، ولعل ما تضمنه خطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس أمام الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب، جزء أساس من هذه المحاسن، فبغضّ النظر عن المطالعة التاريخية التي قدّمها أبو مازن لمسار المفاوضات وما فعله خلالها، الذي يمكن أنه أوحى بالكثير من العتب، خلاصته أنْ "قدمتُ كل التسهيلات وكانت صفقة القرن مكافأتي"، إلا أن الكلمة تضمّنت قرارات فعلية تشير إلى أن عباس "نفد صبره"، فللمرّة الأولى تلوّح الرئاسة الفلسطينية مباشرةً بحل السلطة، وهو ما أشار إليه عباس في الرسالة التي قال إنه وجهها إلى إسرائيل والإدارة الأميركية. لم يعلن حل السلطة مباشرةً، لكنه ضمناً يمكن القول إن اللجوء إلى هذا الخيار بات في أولوية القيادة الفلسطينية. أبو مازن، بحسب رسالته، قال إنه أبلغ إسرائيل أن عليها أن تتحمّل مسؤوليتها كقوة احتلال في الضفة الغربية، ما يعني إنهاء الدور الوظيفي للسلطة الفلسطينية، أي رعاية الحياة اليومية لنحو مليون ونصف مليون فلسطيني في الضفة الغربية، الذي أساسُه بالنسبة إلى إسرائيل الحصول على التنسيق الأمني اللازم لمنع عمليات عسكرية داخل الأراضي المحتلة. أبو مازن في خطابه فاخر، إلى حد ما، بالقيام بهذا الدور، قبل أن يعلن إنهاء التعاون الأمني مع دولة الاحتلال، وهو موقف متقدّم جداً من سلطةٍ ترى في العمل العسكري الفلسطيني تهديداً أو خطراً، وهو ما عاد وكرّره عباس بخطابه في الإشارة إلى رفضه العمل المسلح.
هذان الموقفان، المرتبطان فعلياً بالتطبيق، يمكن أن يُدرَجا ضمن المحاسن التي أظهرتها صفقة القرن على الساحة الفلسطينية، فهما مطلبان أساسيان منذ توقف عجلة التفاوض والتغوّل الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية، وتحويل السلطة إلى بلدية تابعة للاحتلال توفر له الخدمات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، وهو ما لم تقم بالأساس من أجله السلطة التي كان من المقرّر أن تكون مشروع دولة. وكان من المفترض لحظه انتفاء أي أفق لهذا المشروع، العودة إلى ما قبل "أوسلو"، وتحميل إسرائيل مسؤولية احتلالها، الأمر الذي، لا شك، حان وقته بعد الخطة الأميركية الإسرائيلية.
إيجابية أخرى لا تقلّ أهميةً عن النقطتين السالفتين، هي التوجه الواضح اليوم لدى القيادة الفلسطينية إلى المصالحة وإنهاء الانقسام الممتد خلال الثلاثة عشر عاماً الماضية. توجّه عزّزه اتصال عباس برئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، والاتفاق على زيارة أبو مازن المرتقبة لغزة، وهو ما بدأ الإعداد له مع قرب زيارة وفد من حركة فتح للقطاع. إنهاء الانقسام، إذا استُكمل فعلياً، ولم تدخل عليه الأطراف الدولية والعربية لتعطيله، كما كان يحدث سابقاً، يمكن اعتباره إنجازاً طال انتظاره يُحسب لصفقة القرن.
مثل هذه الخطوات، وإن جاءت متأخرة، إلا أنها ستصبّ في خدمة القضية الفلسطينية، وإعادتها إلى صدارة المشهد العالمي.
حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب رئيس تحرير "العربي الجديد"، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".