الحكومة الاستثنائية في لبنان

الحكومة الاستثنائية في لبنان

31 يناير 2020

رؤساء الجمهورية والنواب والحكومة والوزراء في قصر بعبدا (22/1/2020/الأناضول)

+ الخط -
بعد 33 يوماً على التكليف، وبعد 85 يوماً من الفراغ الحكومي، أبصرت حكومة حسّان دياب النور، معلنة دخول لبنان مرحلة جديدة، عنوانها الأبرز الاستثنائية، بعد خيبة آمال سيطرت على الشارع اللبناني المنتفض، والذي أعلن، ساعات من قرار التأليف، رفضه هذه الحكومة والأسماء التي تألفت منها. الحكومة التي وصفها رئيسها، حسّان دياب، بأوّل حكومة في تاريخ لبنان تجمع بين مواصفات استثنائية لمواجهة ظروف غير عادية (استثنائية)، شكّلت استفزازاً للساحات اللبنانية، بحكم الاستثنائية التي حملتها في نقاط عديدة. 
أوّل الاستثناءات التي حفلت بها حكومة حسان دياب أنّ جميع أعضائها من الشخصيات الجديدة التي لم تتقلّد وزاراتٍ من قبل، باستثناء دميانوس قطار الذي شغل ثلاث وزارات في آن واحد في حكومة نجيب ميقاتي التي أعقبت سقوط حكومة رشيد كرامي عام 2005، إلى جانب خلوّها من أي نائب، بما في ذلك جبران باسيل، الذي يعد الوجه الأبرز الغائب عن الحكومة لأول مرة منذ 2009.
ثاني الاستثناءات، ونال قدراً كبيراً من اهتمام وسائل الإعلام اللبنانية والعربية والدولية، أنّ هذه 
الحكومة حملت للمرة الأولى توزير ست سيدات، وهو عدد غير مسبوق من الوزيرات في تاريخ الحكومات اللبنانية. ويبدو أنه جاء محاولة من حسّان دياب لكسب ود المرأة اللبنانية التي كانت محرّكاً رئيسياً في الحراك الشعبي. وهي المرة الأولى أيضاً التي تشغل فيها سيدة منصب وزير الدفاع ونائب رئيس الحكومة، لتكون بذلك زينة عكر عدرا أول امرأة عربية تتولى منصب وزير الدفاع، بعد أن تولّت ريّا الحسن وزارة الداخلية في حكومة سعد الحريري المستقيلة.
ثالثاً، أنّ الحكومة شُكّلت بغياب أحزاب رئيسية في المشهد السياسي اللبناني، كتيار المستقبل بزعامة سعد الحريري، وحزب القوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع، والحزب التقدمي الاشتراكي بزعامة وليد جنبلاط، وحزب الكتائب، الأمر الذي أدّى إلى نعتها بعشرات النعوت والتسميات، كحكومة اللون الواحد، وحكومة المحور الواحد، وحكومة 8 آذار الممانعة، وحكومة حزب الله، حكومة الحلف الإيراني، حكومة الوكلاء والمستشارين، حكومة الفشل، حكومة المحاصصة، حكومة الهالوين، وهي سابقةٌ لم تطاول أي حكومة لبنانية سابقة.
رابع الاستثناءات في حكومة دياب، دمج بعض الوزارات مع بعضها بعضا، وتسليمها لوزير واحد من دون أي ترابط بين هذه الوزارات، ولو بالحد الأدنى، وهو ما أثار تهكّم لبنانيين عديدين، ومن ذلك دمج وزارتي الثقافة والزراعة اللتين تسلمهما الوزير عبّاس مرتضى. وينطبق الأمر نفسه على دمج وزارتي الشؤون الاجتماعية والسياحة وتسليمهما للوزير رمزي مشرفية، وكذلك وزارتي البيئة والتنمية الإدارية اللتين تم تسليمهما للوزير دميانوس قطار.
خامس الاستثناءات، يتعلق بقرار رئيسها حسّان دياب بالإقامة مع عائلته في الجناح المخصّص لرئيس الحكومة في السراي الحكومي، ليكون بذلك أوّل رئيس حكومة يقطن السراي منذ تدشينها مقراً لرئاسة الحكومة في عهد الرئيس رفيق الحريري.
وسادسا، الترحيب الإسرائيلي بتعيين ست وزيرات في الحكومة اللبنانية الجديدة، بما في ذلك 
وزارة الدفاع، حيث نشرت الخارجية الإسرائيلية على صفحتها الرسمية على "تويتر" تغريدة أعربت فيها عن سعادتها بتعيين ست وزيرات، بما في ذلك تسليم وزارة الدفاع لزينة عكر.
ويمكن القول إنّ سابع هذه الاستثناءات يتعلّق بالتجنّي السياسي الواضح على مصطلح حكومة التكنوقراط، حيث تظهر القراءة المتأنية للسير الذاتية لوزراء حكومة حسّان دياب أنّ نصفهم غير متخصصين في الوزارات التي سيشغلونها، بحيث تم تسليم وزارة البيئة لخبير اقتصادي، وتم تسليم وزارة الدفاع لسيدة مختصّة في الإدارة والتسويق، وتم تسليم وزارة السياحة والشؤون الاجتماعية لطبيب جراح، وتم تسليم وزارة الشباب والرياضة لسيدة مختصّة بالعلوم الاجتماعية، وتم تسليم وزارة الإعلام لسيدة مختصّة في القانون، في حين تم تسليم وزارتي الزراعة والثقافة لوزير واحد بعيد كل البعد عن اختصاصي الزراعة والثقافة.
وبالتالي، لم تتشكل حكومة التكنوقراط (الاختصاصيين) وفق منطق الاختصاص، فعلى الرغم من وجود وزراء اختصاصيين عديدين، إلا أنّ النصف الآخر من هؤلاء الوزراء غير اختصاصيين، ما يدفع إلى وصف هذه الوزارة بشكلٍ دقيقٍ بأنّها حكومة مستقلّين غير مستقلين، أو حكومة حزبيين بقناع الاستقلالية والاختصاص، فحكومة التكنوقراط الاستثنائية التي وعد بها حسّان دياب الشعب اللبناني، بعد تكليفه بتشكيل الحكومة، جاءت استثنائية في كل شيء، إلا بالاختصاص الذي تاه في متاهات المحاصصة الحزبية التي أوصلت لبنان إلى حافّة الانهيار المالي والاقتصادي والاجتماعي.