الحراك المصري بين الضربة القاضية والنقاط

الحراك المصري بين الضربة القاضية والنقاط

28 سبتمبر 2019
+ الخط -
هناك وسيلتان لكسب مباراة ملاكمة: تراكم النقاط لصالح المنتصر، ضربة قاضية تطرح الخصم أرضًا، فيعد له الحكم عشرًا، إن قام خلالها استؤنفت المباراة، وإلا اعتُبر الضارب هو الفائز. وبين السيناريوهينِ تدور محاولات إسقاط النظام الانقلابي المصري. 
قبيل الحراك الثوري الذي بدأ في يناير/ كانون الثاني 2011، كانت وسائل التواصل الاجتماعي معينا على خروج أكبر عدد ممكن من الجماهير إلى الميادين؛ غير أنه خلف تلك المواقع كانت أيدٍ وأذهان لمجموعة من الشباب، اختلفنا مع بعضهم أو اتفقنا إلا أن هامش مناخ الحرية في عهد المخلوع حسني مبارك سمح لهم بذلك؛ إلا أننا عقب الانقلاب العسكري في 3 يوليو/ تموز 2013، صرنا أمام كتاباتٍ لأشخاص داخل مصر وخارجها تدعو إلى انتظار نصر وشيك على النظام الظالم المستبد من دون حراك كافٍ على الأقل.
وعلى مدار شهور طويلة، صار بعض المصريين ينتظرون سقوط النظام الذي "يترنّح"، على حد قول بعضهم، فيما كان النظام يزداد استقرارًا فوق الأرض المحلية وعلى الساحة الدولية. حاولت الجموع الغفيرة المعروفة وغير المعروفة استنطاق الأحداث، بل اختلاقها أحيانًا دفعًا لها بالاعتراف بواقع غير الواقع المؤسف المتردّي في مصر. وبعدما كاد الحراك الشعبي الثوري أن يتلاشى عقب دعوات النزول في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، أو ما تمت تسميتها بثورة الغلابة، حتى إذا ظهر المقاول محمد علي، ونجح في اجتذاب مئات للخروج في محافظات مختلفة في 20 سبتمبر/ أيلول الحالي، حتى تعدّدت أقوال أهالي مواقع التواصل الاجتماعي، ربما بحسن نية وأحيانًا ليست قليلة بشكل غير مبرّر، إن لم يكن مخابراتيا. واستمرت الأقاويل المؤكدة لقرب سقوط النظام كله، وهروب كباره ورموزه؛ بالإضافة إلى انشقاقات في قلب الجيش، ومعركة المخابرات العامة مع المخابرات الحربية التي تسمح بتدفق الثوريين إلى الشوارع. والمحصلة النهائية لكل هذه الأقاويل وغيرها مما لم يقم على أي منها دليل واحد، ولم يؤكدها مصدر موثوق، هي اعتقال أكثر من 1500 مصري في أثناء التظاهرات، ونحو خمسمائة آخرين من البيوت، وقتل ستة شبان مصريين، ووفاة اثنين معتقلين في السجون.. ذلك كله في أسبوع، فيما قال محللون في مواقع التواصل إن النظام لن يبطش بالثوار لأجل كلمة قائده في الجمعية العامة للأمم المتحدة، الثلاثاء الماضي، بل زاد آخرون إنه لن يعود بعدها إلى مصر!
الذين ينتظرون انقلابًا على الانقلاب يعانون من فرط أمان شديدة لم تستفد مما حدث ويحدث عبر أكثر من سبع سنوات عجاف؛ فالمعركة لن تنفع معها ضربة قاضية ضد نظام يستقوي بالرصاص ضد عزّل؛ بالإضافة إلى المناصرة الدولية والإقليمية له؛ وملابسات بداية الحراك الثوري الذي نرجو له الاكتمال منذ 2011 من الصعب، إن لم يكن المستحيل، تكرارها، على الأقل في الوقت الحالي.. من توافق رغبة الجيش في عزل حسني مبارك مع الملايين من المصريين، وهو السيناريو الذي يسعى السيسي إلى تقويضه ما استطاع.
ولا ينفي ما سبق في أي حال أن إمكانية استمرار النظام المصري مقبولة أو معقولة؛ فالنظام 
يعمل، بالتضييق الأمني المتصاعد على جميع المناوئين أو حتى المعارضين له؛ سواء الذين يرفضونه كليًا أو جزئيًا .. يعمل على التخلص من الجميع، ما أمكنه إلى ذلك سبيلًا، فالذي لا يقتله يسجنه في ظروف وملابسات بالغة السوء والقسوة، وهو ما لا يمكن استقراره عمليًا على مدار الزمن.
خلاصة القول إن استقرار النظام المصري واستمراره محال، لكن سقوطه بالضربة المباشرة القاضية أمر فيه أحلام كبيرة، لم يستفد منها مناوئو النظام شيئًا سوى خيبة الأمل والخسارة على جميع المستويات. أما السعي الحقيقي لإسقاط نظام السيسي فلا يكون إلا باتحاد جميع الرافضين له، والتنسيق بينهم لإحداث أكبر قدر ممكن من الجهد المُسقط له ولرئيسه، والاتفاق على ما يمكن الاتفاق عليه، ونبذ نقاط الخلاف حتى حين، فلعل الأيام وجهود الرجال تريح أعيننا وأنفسنا قريبًا من قسوة الواقع المصري المؤثر بالسلب على الأمة كلها.