رجال تحت المجهر

رجال تحت المجهر

02 سبتمبر 2019

(ضياء العزاوي)

+ الخط -
عبّر الشاب المهندس الإلكتروني الألمعي، خرّيج الولايات المتحدة، عن سعادة غامرة وفخر كبير، لأنه تمكّن أخيرا، من تخفيف مشاعر الاستقلالية لدى زوجته الطبيبة المتخصّصة في أمراض النساء والمتفوقة. وقال بالحرف الواحد إنه لمس لديها هذه النزعة الاستقلالية، منذ بداية زواجهما، ما سبّب لهما مشكلاتٍ كثيرة، كادت أن تؤدي إلى الطلاق، غير أنه تمكّن، عبر السنين، من ترويضها وإقناعها بأن مكان المرأة هو بيتها، وإن مهمتها الوحيدة هي الاعتناء بأولادها وبيتها، بحيث تخلّت، في النهاية، عن أحلامها في افتتاح عيادة خاصة بها، وكفّت عن متابعة المستجدّات، وحضور المحاضرات، والمشاركة في عمل تطوعي، إرشاد وتوعية وعلاج، كانت تقوم به خدمة للفقراء غير القادرين على تأمين تكاليف العلاج، إيمانا منها بأهمية الجانب الإنساني في حياة الطبيب. إضافة إلى أنه فرصة ثمينة لاكتساب الخبرة، ما اعتبره منهدسنا الجهبذ نشاطا غير ضروري، من شأنه التأثير على سعادة الأسرة واستقرارها. وأضاف بلهجة المنتصر أنه تخلص من عبء الخادمة الوافدة التي "تكلف بلاوي"، وأنه تعهد لزوجته بدفع راتبها من المستشفى الخاص، لأنه عندما حسبها "طلعت وحدة بوحدة". والآن هو يعيش سعادةً وراحة بال، تمكّنه من الإبداع والتقدم أكثر في عمله، بعد أن أصبح بيته أكثر نظافة وترتيبا وانتظاما. وقد ارتاح من مهمة توصيل الأولاد إلى مدارسهم، والاعتماد على خدمات المطاعم التي تقدّم الوجبات الجاهزة، لأن زوجته طاهية ممتازة، تقضي كثيرا من وقتها في إعداد الأطباق الشهية.
وفي اعترافٍ شجاع بالازدواجية والتناقض، قال فنان مبدع في مجاله إنه لا يرى غضاضة في تعدد علاقاته النسائية، بل يجد فيها حقا مشروعا له، طالما أن روحه توّاقة إلى التجديد والتنوّع، وأنه قادر، بصفة دائمة، على الوقوع في غرام أكثر من امرأة في الوقت نفسه، مبرّرا ذلك بطبيعة الفنان التي تتسم برهافة الحس وسرعة الملل والحاجة الطبيعية إلى الدهشة والفرح الذي توفره البدايات الجميلة لقصص الحب التي تشحن الروح بالطاقة وحب الحياة والشغف الكفيل بتعزيز حالة الإبداع الضرورية لأي فنانٍ لديه توقٌ فطريٌّ للانفلات والتحرّر من قيد الروتيني والمتكرّر. وفي إجابة منه على سؤال مشروع، على الرغم من تقليديته، إذا كان يوافق على أن تمر شريكة حياته بالمشاعر والتجارب ذاتها، قال من دون تردّد، مقرا بالتناقض، إنه لا يمكن أن يوافق على أمر كهذا، كون ذلك مرتبطا بكرامته غير القابلة للخدش تحت أي عذر.
رجل ستيني اتخذ قرارا مبكرا بعدم الإقدام على خطوة الزواج، لعدم إيمانه بجدوى هذه المؤسسة، ولعدم قدرته على التصدّي لتبعاتها من مسؤوليات الأبوة، يطرح نفسه أمام الآخرين من المخدوعين بكلامه المنمق شخصا تقدّميا ذا نمط تفكير غربي، يكن احتراما كبيرا للأنوثة. وقد أحاط نفسه بصديقات مضللات محدودات التفكير، ممن تنطلي عليهن حيل الذكور المكشوفة البائسة، فيبُحن له بهمومهن، ويشاركنه أسرارهن، ويجدن لديه الملاذ، معتقداتٍ أنه نموذجٌ مختلف جدير بالثقة، وهن لا يعرفن أنه مجرّد نموذج رث، لا يخلو من مقدار كبير من الادّعاء، وأنه يمارس، في جلساته الذكورية، استعراضا مقيتا مقزّزا، ولا يتوانى عن لوك سيرتهن وتشويه سمعتهن، وانتهاك أسرارهن، مضيفا إليها التوابل والبهارات، مختلقا حولهن، بضمير ميت، حكايات وقصصا لم تحدث إلا في خياله المريض، فيما هن سعيداتٌ بالصداقة النبيلة الخالية من أي أغراض غير مدركاتٍ مقدار القبح الذي يكتنف شخصيته المبنية على الخيانة والغدر والنذالة.
نماذج مختلفة لعلها شائعة من رجالٍ، نتعثر بهم في الحياة، تتنوّع مقادير أذيتهم، موجودون بكثرة في مجتمعاتنا الشرقية المعادية للأنوثة. ولا مفرّ، والحالة هذه، من المراهنة على وعي المرأة وقدرتها على التمييز، وتوخّي الحيطة والحذر واتخاذ القرار المناسب في حراكها الاجتماعي، واختيار الأصدقاء الجديرين بالثقة الذين يحفظون غيبتها، ويصونون كرامتها، ويعاملونها بالمحبة والاحترام الذي تستحق.
AD06A645-8A0A-4B42-9292-5FC44B5D51C6
بسمة النسور

كاتبة أردنية، تحمل الليسانس في الحقوق، صدر لها ست مجموعات قصصية، وكتبت نصين مسرحيين. تكتب في الصحافة العربية منذ 1990، وتشغل موقع رئيسة تحرير مجلة "تايكي" المتخصصة بالإبداع النسوي.