دراما رمضانية وانطباعات أولية

دراما رمضانية وانطباعات أولية

18 مارس 2024
+ الخط -

لعلّ الوقت مبكّرٌ لتقييم أي من مسلسلات الموسم الرمضاني الحالي. وقد حافظت الدراما العربية على زخمها وكثافتها وتنوّعها مثل الأعوام السابقة، رغم الظروف السياسية المعقّدة التي تشهدها المنطقة، وقد أُنتِجت أعمال درامية عديدة زخرت بها الشاشات العربية، وشرعت في سباقها التقليدي إلى نيْل أعلى نسب المشاهدة. وكالعادة، يقع المتابع الصائم في حيرة وارتباك، فالأعمال كثيرة والوقت قليل، والمسؤوليات والواجبات اليومية لا تتوقّف في الشهر الفضيل، حتى لو قُلّصت ساعات العمل إلى حد يتناسب وساعات الصوم الطويلة. تظلّ مقدّرةً للمواطن مواجهة أزمات السير الخانقة ومتطلّبات التسوق اليومية التي تفرضها خصوصية الشهر، حيث تبذل ربّات البيوت جهودا إضافية في إعداد الطبخات الشهية لإرضاء أذواق أفراد العائلة، وكذلك إقامة الولائم للأقرباء وتبادل الأطباق مع الجيران ضمن طقوس رمضان التي توارثناها وتمكّنا من الحفاظ عليها، رغم اختلاف الظروف المعيشية وتعقيدها في زمن الغلاء الفاحش وحالة الإحباط العامة التي نعيشها جرّاء الحرب الجائرة في غزّة ونحن في عجز مطلق، غير قادرين على إحداث أي تغيير يُذكر. 
تشهد عمّان رمضاناً باهتاً حزينا. عزف كثيرون عن مزاولة الطقوس الاحتفالية المعتادة، من نصب الزينة البرّاقة على الشرفات، وعن ارتياد الخيم الرمضانية التي تقدّم عروضا خاصة على وجبات السحور، وعن تبادل الزيارات المسائية. واختصر كثيرون في مآدبهم الرمضانية، فاقتصرت على الحد الأدنى من الأطباق تضامناً مع الأهل في غزّة وخصّصوا جزءاً من دخولهم للتبرّع دعما لهم في شدّتهم، وذلك من باب أضعف الإيمان. لذلك، لم يتبق لهم من وسيلة لتزجية الوقت والتقاط الأنفاس سوى متابعة الأعمال الدرامية التي تصرف أذهانهم ولو لوقتٍ وجيز عن المآساة التي استنزفت طاقاتهم، ودفعتهم إلى التحايل على الواقع المرير الباعث على الأسى. 
يمكن القول إن ثمّة خصوصية لأعمال درامية كثيرة في هذا الموسم، إذ حرص صنّاع بعض هذه الأعمال على طرح قضايا مجتمعية جادّة ملتزمة، تلامس الواقع بحرفية وإقناع من دون افتعال أو مبالغة. وقد تخلّص كثير منها من حتمية الثلاثين حلقة، خلافا للمسلسلات المعرّبة عن التركية التي اكتسحت السوق في السنوات الأخيرة، وكرّست نمطاً من الأعمال الرديئة التافهة السطحية، ركيكة المضمون، غير معنية سوى بالفرجة والإبهار البصري الذي تنتهي صلاحيته سريعا من دون أن تترك أثراً حقيقياً في نفس المتلقي. ولعلّ المسلسل اللبناني "على أمل"، من تأليف نادين جابر وإخراج رامي حنّا وبطولة ماغي بو غصن، خير مثال على أهمية دوْر الدراما في تعرية أمراضنا الاجتماعية المستعصية وكشفها، إذ يتناول العمل بحلقاته العشر معاناة المرأة، لا سيما في القرى والأرياف، ويؤكّد حقّها في التحصيل الأكاديمي والالتحاق بسوق العمل واختيار شريك الحياة بعيدا عن ضعوط الأسرة وتسلّط الرجل الواهم بالتفوّق والأفضلية وتجبّره. 
كما يطرح المسلسل المصري "صيد العقارب" (15 حلقة)، من تأليف باهر دويدار وإخراج أحمد حسن وتمثيل نخبة من نجوم مصر، منهم غادة عبد الرازق، القضية ذاتها من زاوية مختلفة. تظهر فيه المرأة نموذجاً للقوة والطموح والقدرة على مواجهة قيم المجتمع المتخلّفة التي لا تقرّ بتميّزها وتتوقّع منها أن تتخلّى عن استقلاليّتها وأحلامها بالإنجاز والتحقّق والتفوق، وأن تلزم بيتها، وأن يقتصر دوْرها على السهر على راحة زوجها وأولادها.
يسلط المسلسل السوري "أغمض عينيك"، من تأليف أحمد الملا ولؤي النوري وإخراج مؤمن الملا وبطولة أمل عرفة وعبد المنعم عمايري ومشاركة منى واصف، الضوء على واقع الأطفال المصابين بالتوحّد والصعوبات والمعيقات التي تعترضهم، وحجم معاناة ذويهم في سبيل توفير شروط حياةٍ لائقةٍ بهم تتيح لهم التعبير عن ذواتهم، وتؤكّد ضرورة تمكينهم وتطوير مواهبهم والاعتناء بصحتهم النفسية والعقلية، ما يمكّنهم من الانخراط في الحياة بشكل طبيعي قدر الإمكان .
في المحصّلة، نحن بصدد موسم درامي ثري ومحرّض، يستحقّ بعضٌ من أعماله الالتفات والمتابعة والإشادة.. لذلك، للحديث بقية.

AD06A645-8A0A-4B42-9292-5FC44B5D51C6
بسمة النسور

كاتبة أردنية، تحمل الليسانس في الحقوق، صدر لها ست مجموعات قصصية، وكتبت نصين مسرحيين. تكتب في الصحافة العربية منذ 1990، وتشغل موقع رئيسة تحرير مجلة "تايكي" المتخصصة بالإبداع النسوي.