إسرائيل والمواجهة مع إيران

إسرائيل والمواجهة مع إيران

09 اغسطس 2019
+ الخط -
وصلت المواجهة الدائرة بين إسرائيل وإيران، منذ أكثر من عشر سنوات، حالياً إلى منعطف مهم، بدأ يطرح تساؤلات مهمة داخل إسرائيل بشأن مصيرها في ضوء التطورات المستجدة في المنطقة. تعود هذه المواجهة إلى سنة 2009، مع الحملة المسعورة التي شنها رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، على البرنامج النووي الإيراني، وتصويره بأنه يشكل تهديداً وجودياً على إسرائيل. ومنذ ذلك الحين، بدأ التحريض الإسرائيلي على إيران لدى الولايات المتحدة، واشتدت الضغوط على إدارة باراك أوباما للقيام بعمل عسكري ضد المنشآت النووية الإيرانية قبل فوات الأوان. ولكن هذه الضغوط لم تؤت النتيجة المطلوبة التي كانت تتوقعها إسرائيل، بل دفعت الولايات المتحدة والدول الكبرى إلى إجراء مفاوضات مع إيران، والتوقيع على اتفاق نووي معها سنة 2015، عارضته إسرائيل منذ اللحظة الأولى، واعتبرته سيئاً، ولن يردع إيران عن الحصول بعد انتهاء العمل به على سلاح نووي، وشكّكت في جدوى الاتفاق وبمدى التزام إيران به. 
عرفت هذه المواجهة مرحلة جديدة من التصعيد مع التدخل العسكري الإيراني في الحرب الأهلية في سورية، ومع محاربة إسرائيل تمركز إيران العسكري في هذه الدولة. كما تشجعت إسرائيل كثيراً من الأجواء المعادية لإيران التي سادت دول المنطقة، وخصوصا دول الخليج، بسبب تدخلها في الحرب في سورية وحرب اليمن، واستغلت هذه الأجواء من أجل التقرّب من هذه الدول لمواجهة الخطر الإيراني المشترك. وبنت إسرائيل خططا كثيرة على هذا التقاطع الظرفي للمصالح مع محور الدول السنية المعتدلة المتضرّرة من صعود نفوذ إيران في المنطقة، ووظفته جيداً لمصلحتها.
شكل خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، وفرض إدارة ترامب عقوبات اقتصادية جديدة مشدّدة على إيران في رأي إسرائيل إنجازاً للاستراتيجية الإسرائيلية المعادية لإيران 
والاتفاق الموقع معها. ولكن تطورات بدأت أخيرا تثير علامات استفهام مقلقة داخل إسرائيل بشأن مستقبل المواجهة بين إسرائيل وإيران، وإمكانية أن تجد إسرائيل نفسها مجدّداً وحيدة في هذه المواجهة. منها إعلان الرئيس الأميركي، ترامب، أنه يفضل التفاوض مع إيران على اتفاق نووي جديد، بدلاً من الدخول في مواجهة عسكرية معها، ودعوته لهذا الغرض وزير الخارجية محمد جواد ظريف إلى البيت الأبيض. وإعلان دولة الإمارت عن إعادة انتشار قواتها في اليمن، الأمر الذي فسرته إسرائيل بأنه أقرب إلى الإعلان عن انسحابها من الحرب ضد الحوثيين المدعومين من إيران، وربما مؤشرا على اقتراب هذه الحرب من نهايتها، وبداية زعزعة العداء الخليجي لإيران. بالإضافة إلى زيارة قائد حرس الشواطئ الإماراتي طهران، وتوقيعه اتفاقاً مع نظيره الإيراني، بشان حماية الملاحة البحرية. كما يمكن أن تضاف إلى ذلك الرسائل التي بعثت بها السعودية أخيرا إلى إيران والتي عبرت فيها عن استعدادها للتحاور معها، بشرط أن تحترم إيران سيادة الدول العربية، وتلتزم عدم التدخل في شؤونها الداخلية.
تضع هذه التطورات إسرائيل في مواجهة موقف أميركي أكثر مهادنةً مما ترغبه مع إيران، وأمام بداية تبدل في الموقف الخليجي من إيران، وربما بداية انفتاح سياسي ما، وذلك كله يتعارض مع الخطط الإسرائيلية لمواجهة مشروع إيران النووي، ووجودها العسكري في سورية والعراق ولبنان، ويدفعها إلى إعادة درس خططها لمواجهة ما تسميه "الخطر الإيراني".
لقد اعتمدت إسرائيل كثيراً على إدارة ترامب لتركيع إيران، وإخضاعها من خلال العقوبات. كما كانت تأمل أن يؤدي تأجيج الكراهية والعداء بين دول الخليج وإيران إلى تطبيع العلاقات مع هذه الدول. ولكن هذا كله بدأ يتغير أخيرا.
يجري هذا كله، في وقت تستعد فيه إسرائيل لخوض معركة انتخابية ثانية للكنيست في غضون أقل من نصف سنة، وفي ظل تخوف كبير داخل حزب الليكود من فشل نتنياهو في العودة إلى رئاسة الحكومة. ويمكن القول أيضاَ إن مصير المواجهة مع إيران سيكون مرهوناً أيضاً بما ستؤول إليه هذه الانتخابات، وبما إذا كان نتنياهو سيفلح في العودة مجدّداً إلى السلطة، ويواصل مواجهته مع إيران.
رندة حيدر
رندة حيدر
رندة حيدر
كاتبة وصحافية لبنانية متخصصة في الشؤون الإسرائيلية
رندة حيدر