قطر في ماراكانا

قطر في ماراكانا

25 يونيو 2019

منتخب قطر في استاد ماراكانا بالبرازيل (16/6/2019/فرانس برس)

+ الخط -
مع مشاركة الفريق العربي القطري في بطولة كأس أميركا الجنوبية لكرة القدم (كوبا أميركا)، وهي أقدم بطولة كروية في العالم، يحلو لنا، نحن العرب، من محبي هذه الرياضة الشيقة، الأشهر والأكثر شعبيةً عالمياً، أن نتذكّر ارتباط اللعبة بالشعور الوطني والقومي، والسياسة، ومختلف مجالات الحياة. وتزيد أهمية الأمر لأن البطولة تقام هذه المرة في البرازيل التي ارتبط اسمها في أذهاننا بكرة القدم، قبل أن يرتبط بالقهوة والغابات والأنهار العظيمة. 
ولأن فريق دولة قطر لعب أولى مبارياته، وسجل أول أهدافه، في استاد ماراكانا الذي يعد من أعظم ملاعب كرة القدم في العالم وأكثرها تاريخية، تلح عليّ عبارة عجيبة كان أحد المعلقين الرياضيين يكرّرها كلازمة، حين يتحدّث عن المباريات التي تقام في البرازيل، وذلك قبل أن تجتاحنا الفضائيات ويصير حضور المباريات رهناً بالاشتراكات المدفوعة. كان المعلق إذا ذكر استاد ماراكانا، الواقع في مدينة ريو دي جانيرو، يقرن اسمه بوصف "الشهير"، فلا يقول اسم الاستاد من دون أن يصفه بالشهير، حتى قد يظن السامع أن الملعب اسمه "استاد ماراكانا الشهير" فعلاً، وليس استاد ماراكانا وحسب.
لعل "نبوءة" ذلك المعلق تحققت في هذه البطولة، وصار الاستاد أكثر شهرة بالنسبة لنا نحن العرب، بعد أن لعب الفريق القطري فيه مباراة تاريخية فعلاً، أداءً ونتيجة، في مواجهة منتخب باراغواي، وكان فيه الظهور الأول لفريق عربي يُستضاف للمرة الأولى في تاريخ هذه البطولة، وسجّل فيه لاعبه، المعز علي، هدفاً عربياً جميلاً.
يمكن أيضاً أن نستذكر طرائف ارتبطت ببطولات كرة القدم، نحمد الله أن التاريخ قد تجاوزها بعد ثورة الاتصالات الهائلة، منها أن شيخاً مشهوراً كان أدلى بتصريحات صحافية، عشية إحدى البطولات الكروية العالمية، في القرن الماضي، اعتبر فيها كرة القدم وسيلةً لإلهاء شباب العرب والمسلمين عن الاهتمام بقضايا أمتهم. يا لهذا العالم المشغول بالعرب كي يتآمر عليهم، وينظم البطولات الكبرى من أجل استهدافهم وإلهائهم. ومنها أيضاً أن معلقاً رياضياً مشهوراً، حين تحدث عن بطولة كأس العالم التي أقيمت في البرازيل عام 1950، قال إننا نتذكّر جيداً كذا وكذا، عن المباراة النهائية بين البرازيل وأوروغواي التي أقيمت في "استاد ماراكانا". أليس طريفاً أن يقول أحد إننا نتذكّر جيداً ما جرى في العام 1950 يوم لم تكن في بيوتنا 
تلفزيونات، ولم تكن البطولة تبث تلفزيونياً، ولم يكن نفر من مستمعيه مولودين أصلاً؟
الصحيح اليوم أن الرياضة باتت مجالاً واسعاً للاعتزاز الوطني، في مختلف مجالاتها، ولذلك نجد أن دولاً غير ذات تأثير في العالم تكسب شهرة وحضوراً قد يفيدها سياحياً، حين يبلغ فريقها بطولة كأس العالم مثلاً، كما أن دولاً أصاب الإعلام العالمي صورتها بسوء، ربما تتحسّن صورتها، حين يظفر فريقها ببطولة دولية، ويعكس ما فيها من جوانب عطاء إنساني، كما هو حال اليونان مثلاً لمّا ظفرت ببطولة أوروبا في العام 2004، ومن قبلها الدنمارك في 1992.
قطر، بفريقها الكروي الذي حقق بطولة كأس آسيا قبل أشهر، ومشاركتها المقدّرة في بطولة أميركا اللاتينية هذه، ثم تنظيمها كأس العالم في العام 2022، جعلت الرياضة رافعة وطنية مهمة لحضورها الدولي، ولا شك أن قطاعات واسعة من المشجّعين العرب يتعاملون مع هذه الإنجازات القطرية في مجال كرة القدم بمشاعر خاصة، لأنها، جميعها، تعكس صورة طيبة عن الشعوب العربية أمام العالم المشغول حقاً بكرة القدم، حتى جعلها مقياساً رئيسياً لمدى نجاح الدول والشعوب في التقدّم والتميّز.
يمكن أن نستند هنا إلى دراسة حديثة نشرها معهد سياسات الهجرة البريطاني عن تأثير الأداء المميز للاعب المصري، محمد صلاح، مع ناديه ليفربول، في انخفاض نسبة هجمات الكراهية ضد المسلمين في مقاطعة ميرسيسايد البريطانية التي تقع فيها مدينة ليفربول، بمقدار 18.9%، وانخفاض نسبة التغريدات المسيئة للمسلمين لدى جماهير ليفربول بمقدار النصف مقارنة بجماهير بقية الأندية البريطانية. المأمول إذن أن تتمكّن دول عربية إضافية في تحقيق إنجازات مميزة في مجال هذه اللعبة العالمية، وأن يتمكّن لاعبون عرب آخرون من تحقيق حضور دولي مميز كذلك، فلا شك في أن ذلك سينعكس إيجابياً على كل فرد فينا، حين يتعامل مع العالم.
1E93C99F-3D5E-4031-9B95-1251480454A7
سامر خير أحمد

كاتب أردني من مواليد 1974. صدرت له سبعة كتب، أبرزها: العرب ومستقبل الصين (بالعربية والصينية)، العلمانية المؤمنة، الماضوية: الخلل الحضاري في علاقة المسلمين بالإسلام، الحركة الطلابية الأردنية. رئيس مجموعة العمل الثقافي للمدن العربية.