عندما يصل داعش إلى سريلانكا

عندما يصل داعش إلى سريلانكا

07 مايو 2019
+ الخط -
فاجأ زعيم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، أبو بكر البغدادي، العالمَ بظهور مفاجئ يوم 29 إبريل/ نيسان الماضي، بعد اختفاء دام نحو خمس سنوات، وهي المدة التي استغرقها التحالف الدولي، بالتعاون مع الفصائل الكردية، لاسترداد مساحات الأراضي الشاسعة التي استولت عليها الخلافة المزعومة. وفي تسجيله المرئي، أعلن المذكور أنّ تفجيرات سريلانكا الدامية التي فجعتنا يوم أحد القيامة، 21 إبريل/ نيسان، كانت ردًّا على القصف الدموي الذي شنّه التحالف على قرية الباغوز في شمال سورية في مارس/ آذار الماضي. 
اختار التحالف الدولي، منذ اللحظة الأولى في الحرب، أن يشنّها جوًّا، وأن يتحالف مع الفصائل الكردية لتحارب برًّا نيابةً عنه، ويكافئها بالسماح لها بفرض سيادتها على الأراضي التي "حرّرتها" من "داعش". ولكنّ هذا التنظيم الإرهابي قرّر الانتقام من الحرب الجوية، فأصدر البغدادي، في وقتٍ مبكّر جدًا من الحرب، أمرًا ونداءً لكلّ مناصر وموالٍ لتنظيمه المزعوم، فردًا كان أم خلية صغيرة، أن يشنّوا هجمات انتقامية على أراضي أي دولة مشاركة في التحالف الدولي، وهم سبعون.
كانت السنوات الخمس السابقة أشدّ ما تكون على الناس هلعًا، بسبب الهجمات الدموية المفاجئة والصادمة التي شنّتها خلايا صغيرة موالية لـ "داعش" أو ذئاب داعشية منفردة. كانت هجمات سريلانكا يوم أحد القيامة جديد هذه الهجمات الدموية. يتساءل النّاس: لماذا سريلانكا ولماذا التوقيت؟ الإجابات في بيان التنظيم، وفي فيديو البغدادي، والأهم في نمط الهجمات التي شنتها الخلايا المبايعة، والذئاب المبايعون في السنوات الخمس الماضية، على مواطني دول التحالف.
كانت جريمة "داعش" الدموية المقيتة في سريلانكا في أحد الفصح، وأودت بحياة 350 مدنياً، مماثلة لعملية باريس في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، وأودت بحياة 130 مدنياً، ومماثلة 
لعملية بروكسل في مارس/ آذار 2016 والتي أودت بحياة 32 مدنياً، ومماثلة لعملية كنيستي طنطا والإسكندرية في أحد السعف في إبريل/ نيسان 2017 والتي أودت بحياة 47 مدنياً. العمليات الأربع متماثلة، من جهة أن من ارتكبتها خلايا صغيرة محلية بايعت أو والت التنظيم الأم، واستجابت لنداء البغدادي في شنّ هجمات تستهدف مواطني دول التحالف المدنيين، انتقامًا لقصف التحالف الدولي مناطق "داعش" الذي أودى بحياة مدنيين ومقاتلين. وتتماثل هذه الهجمات كذلك في أنها مكوّنة من عدة عمليات انتحارية منسقة تحدث في وقت واحد، لتحقق أكبر قدر من القتل والدمار والتشتيت للأجهزة الأمنية.
استطاعت خلية سريلانكا المكونة من ثمانية مواطنين سريلانكيين موالين لتنظيم داعش الأم أن تنفذ هجمة مركبة من ست عمليات، استهدفت ثلاث كنائس وثلاثة فنادق، وأودت بحياة ما يزيد على 350 مدنياً، منهم 38 مواطناً ينتمون لدول التحالف، كانوا الهدف الأول والأصلي للهجمة الدموية الوحشية.
وعلى الرغم من أن اختيار سريلانكا يبدو غريبًا، إلاّ أنّه يمكن فهمه في إطار سعي "داعش" إلى إيلام دول التحالف عبر قتل مواطنيها أينما كانوا، وحيث إن الأجهزة الأمنية في الدول الغربية، وفي دول الشرق الأوسط، نجحت في القضاء على الخلايا الموالية لتنظيم داعش، فإنّه اتجه إلى تحريك خلاياه الموالية في دول من غير التحالف، بل ودول غير متوقعة مثل 
سريلانكا، فبعد أن نجحت خلايا موالية للتنظيم في تنفيذ هجمات انتقامية ومنسقة ومعقدة في أوروبا والولايات المتحدة وروسيا وتركيا والسعودية ومصر وتونس في أعوام 2015 و2016 و2017، استطاعت الأجهزة الأمنية القضاء على بقايا هذه الخلايا، ولم يعد هناك من يوالي "داعش"، وينفذ لها عمليات معقدة، ولم تبق سوى الذئاب المنفردة التي تنفذ عملياتٍ صغيرة بأساليب بسيطة ومفاجئة. ولكن النجاح الأمني في القضاء على الخلايا المتدعشنة في دول التحالف الدولي (غربية وشرق أوسطية) جعل داعش يتوجه إلى أي دولة أخرى ليست من التحالف، ويمكن أن يقيم فيها مدنيون من دول التحالف، مثل سريلانكا التي لم يستهدفها "داعش" من قبل، ولهذا هاجم التنظيم ثلاثة فنادق عالمية لاستهداف الأجانب فيها.
أمّا توقيت الهجمة فمتعلق بقصف التحالف على منطقة الباغوز التي تحصن فيها آخر مقاتلي "داعش"، كما أعلن البغدادي، ما يعني أنّ إعداد العملية استغرق عدّة أسابيع، وأنّها غير مرتبطة مطلقًا بحادثة نيوزيلندا التي استهدف فيها ذئب أبيض منفرد مسلمين مصلّين في مسجديْن، كما ادعى مسؤول سيريلانكي في كلمة له في البرلمان من دون دليل أو برهان.
لا يهتم "داعش" الآن سوى بالانتقام، والانتقام وكفى، فلا يهمه تكوين نفوذ في أرض ما، بل ولا يهمه الاستيلاء على أرض، ولا فرض سيادته على أرضٍ ما. يهمه شنّ هجمات مفاجئة في أماكن غير متوقعة، يوقع فيها أكبر عددٍ من الضحايا، ثم يبحث عن مكان جديد، تناصره فيه خلية تتشكّل من أقلّ من عشرة أفراد، فتخطط لهجمة مركبّة، أو بسيطة، بحسب إمكاناتها في مدةٍ لا تستغرق أسابيع، وهكذا. ولا يهدف التنظيم سوى الانتقام الشرس من التحالف الدولي، والثأر الكبير لخسائره، وتحقيق أكبر قدر من الإيلام للناس وللعالم الذي ساند حرب التحالف على تنظيمه.
4FD1CF2E-2644-4CC1-8828-87204B0E3728
4FD1CF2E-2644-4CC1-8828-87204B0E3728
خديجة جعفر

كاتبة وباحثة مصرية، ماجستير في الفلسفة من الجامعة الأميركية في القاهرة.

خديجة جعفر