الصين لا تضطهد المسلمين

الصين لا تضطهد المسلمين

27 مايو 2019

صيني مسلم في مسجد في بكين (18/3/2019/فرانس برس)

+ الخط -
على مدخل وزارة السياحة والثقافة الصينية، استقبلني صديق صيني قديم، عرفته حين كان طالباً في المعهد المركزي لإعداد كوادر الإدارة الثقافية في بكين. سألت الشاب المسلم من قومية هوي: كيف أصبحت موظفاً في الوزارة؟ قال إنه تقدّم لامتحانات الوظيفة، وحصل على المركز الأول، فجرى تعيينه. استفسرت إن كان لانتمائه القومي أو الديني علاقة، سلبية أو إيجابية، بقرارات التوظيف، فنفى ذلك قطعاً، مؤكّداً أن الأمر مقصور على مدى إنجازه في امتحان التوظيف، وليس ثمة معايير أخرى تؤخذ بالاعتبار، ما دام مواطناً صينياً.
وقبل عامين، في شهر رمضان قبل الفائت، وصلت إلى مقاطعة شينجيانغ، ذات الأغلبية المسلمة من قومية الويغور، قبل يومين من حلول عيد الفطر. كانت المطاعم التي يديرها مسلمون مغلقة خلال النهار، احتراماً لشهر الصيام. وفي ليلة العيد، حضرت صلاة العشاء في مسجد رئيسي عند منطقة البازار (السوق القديمة) في وسط المدينة، ثم شهدت احتفال العائلات والأطفال بحلول العيد في الساحة الرئيسية، وكان مشهداً بهيجاً أطلقت فيه الأغاني التراثية لقومية الويغور.
أسوق هذه المقدمة لأتساءل: هل يعاني المسلمون الصينيون، وحالهم كما وصفت، من اضطهاد ديني؟ بالطبع لا، ثم ما الداعي لأن تضطهدهم الحكومة الصينية المركزية على أساس ديني أصلاً؟! ثمّة من يعتقد أن الحكومة الصينية التي يديرها الحزب الشيوعي معنية بنبذ الأديان ونشر الإلحاد، وتستهدف الإسلام والمسلمين على هذا الأساس، وتلك فكرة أقل ما يقال عنها إنها مثيرة للضحك، فالحكومة الصينية ليست مشغولةً بهذا الأمر مطلقاً، لأنها حكومة براغماتية، تحتفظ بالشعار الشيوعي رمزياً لا أيديولوجياً، فقد غادرت الدعوة الشيوعية والسياسة الاشتراكية، بمعناهما التقليدي، منذ زمن، وتحديداً منذ وصول الرئيس الأسبق، دينغ شياو بينغ، إلى السلطة في عام 1978، وكل ما تفكر فيه اليوم هو النجاح الاقتصادي، والتقدّم التنموي، وزيادة حضورها الدولي، وهي أهدافٌ توظف فيها الصين ذلك التنوع الثقافي بين القوميات 
الصينية، رافعة للترويج السياحي وتسويق صناعاتها الثقافية.
لكن هل يعني هذا أنه ليس ثمّة مشكلة في مقاطعة شينجيانغ ذات الأغلبية المسلمة من قومية الويغور؟ نعم هناك مشكلة، ولكنها سياسية، قوامها صراع بين حركة انفصالية تطلق على نفسها اسم حركة تركستان الشرقية والحكومة الصينية، تريد فيها تلك الحركة التي تقيم زعيمتها ربيعة قدير في الولايات المتحدة الأميركية الانفصال بمقاطعة شينجيانغ، وإقامة دولة مستقلة، وهو حال يشبه الصراع الانفصالي في مقاطعة التبت مع الحكومة الصينية. وهذا يعني أن الحكومة الصينية تلاحق كوادر تلك الحركة وتعتقلهم، لأنهم انفصاليون، وليس لأنهم مسلمون. وليس المقام هنا تحليل إن كان هؤلاء الانفصاليون محقين في سعيهم إلى الاستقلال، أم أنهم مدفوعون لذلك من أميركا، الساعية إلى إزعاج خصومها في كل مكان، عبر إثارة الأقليات الدينية والقومية والطائفية، بل الهدف هنا القول إن الصراع بين هؤلاء الانفصاليين والحكومة المركزية الصينية سياسي في شكله ومضمونه وأغراضه، لا ديني.
يتكون الشعب الصيني، ذو المليار ونصف المليار إنسان، من 56 قومية، منها عشر مسلمة، عددها نحو مائة مليون إنسان، أكبرها قوميتا الويغور المنتمية لمقاطعة شينجيانغ وهوي 
المتمركزة في مقاطعة نينغشيا. يقول الويغور إنهم ينتمون إلى العرق التركي، بينما يعتقد هوي أنهم أحفاد التجار العرب الذي جاءوا عبر طريق الحرير، وتزوجوا من صينيات. تتمتع هاتان المقاطعتان بحكم ذاتي، أي أن الويغور وهوي يديرون شؤونهم الداخلية بأنفسهم، من دون تدخل الحكومة المركزية. والمعنى المباشر لهذا أن ثمّة بين الويغور والقوميات الصينية المسلمة الأخرى كثيرين من غير الانفصاليين، يشكلون الغالبية منهم في الحقيقة. وربما يمكن القول إن الأصل أن لا يكونوا انفصاليين، إذ لماذا يسعى عاقل إلى الانفصال عن دولة ناهضة مزدهرة حديثة، ولا تفرّق بين مواطنيها في الحقوق والواجبات؟!
يردّد الإعلام الأميركي أن الصين تضطهد المسلمين، في سياق تركيز إدارة الرئيس ترامب على مناكفة بكين، وتطاول الأخبار الأميركية موضوعات البيئة والتسلح والصناعة في الصين، إضافة إلى الأقليات، بينما يعيد نفر من العرب تلك المقولات، مدفوعين بتعاطفهم مع إخوانهم المسلمين في كل مكان، ومسكونين بالفكرة الرومانسية عن استهداف الإسلام. علينا أن ننظر إلى الأحداث حولنا بعين واسعة، وأن نفهم، في مثل هذا السياق، الصين على حقيقتها، كي نُحسن التعامل معها.
1E93C99F-3D5E-4031-9B95-1251480454A7
سامر خير أحمد

كاتب أردني من مواليد 1974. صدرت له سبعة كتب، أبرزها: العرب ومستقبل الصين (بالعربية والصينية)، العلمانية المؤمنة، الماضوية: الخلل الحضاري في علاقة المسلمين بالإسلام، الحركة الطلابية الأردنية. رئيس مجموعة العمل الثقافي للمدن العربية.