اكتشاف حياة على كوكب مصر

اكتشاف حياة على كوكب مصر

09 ابريل 2019
+ الخط -
حين ترشح الفريق سامي عنان في مواجهة عبدالفتاح السيسي، وقال خطابه الشعب السيد في الوطن السيد، قبل أن يلحق ببقية "الأسياد" في سجون العقرب وملحقاتها، كان شيءٌ ما يحدث. التفت المصريون قليلاً، ثم عادوا إلى روتينهم اليومي بعد القبض على رئيس أركان الجيش المصري الأسبق. الأمر نفسه تكرّر حين تجرأ مواطن مصري هو أحمد محيي، بالنزول وحده إلى ميدان التحرير، يحمل ورقة تطالب السيسي بالرحيل، انشغل المصريون به قليلاً ثم انتهى كل شيء. عمرو واكد وخالد أبو النجا بدورهما أثارا بعض الجدل، ما بين اتهامهما بالخيانة وتعليقات من نوعية "والله جدعان".. تبدو هذه المداخلات النوعية في الواقع المصري مثل أخبار اكتشاف حياةٍ على كوكب المريخ، والتعليق للباحث عمرو عزت. ودون ذلك، فغالبية المصريين في واد والسلطة في واد وما تسمى المعارضة في الخارج في واد، كل أخبارنا التي تتعلق بالمعتقلين وأحوالهم، الصحافة وحرية الرأي، حقوق الإنسان، إعلام الخارج، هاشتاغات "تويتر"، كل ما ننشغل به، ونتصور أنه يشغل الناس، هو في حقيقته أوهامنا التي تقودنا، ولا أثر له في حياة المصريين اليومية..
في الأسبوع الماضي، استقبلتُ صديقة متابعة غير مسيّسة ولا مؤدلجة، قادمة من مصر في إجازة. سألتها عن الأحوال، فقالت زفت.. وماذا عن نجاح حملة كذا، وهاشتاغ كذا، وبرنامج فلان، والحلقة التي أجراها علان، والفيديو الدعائي الذي ظهر فيه النجم الكبير، واللقاء المرتقب مع مينا موحد القطرين؟ كانت تنظر إلي مذهولة، وسألتني: هل تظنون حقاً أن المصريين يشغلهم هذا الكلام الفارغ، تدهور نتائج الأهلي وتحفيل الزملكاوية عليه أهم بكثير. اتهمتها باليأس، فقالت: أنا لا يائسة ولا متفائلة، ولا يوجد في مصر إلا ما يدعو إلى مغادرتها في هدوء، وهذا ما يبحث عنه كل مصري الآن، باستثناء سكان العاصمة الإدارية المرتقبين، هؤلاء الذين قرّروا أن يغلقوا على أنفسهم، ويتركونا في الخارج يقتل بعضُنا بعضاً..
التيار المدني مشغول بمعتقليه، ونشاطاته الخفيفة في ملفاتٍ بعينها، يتابعه أنصاره ومريدوه وراغبو التوقيع في كشوف تسجيل الموقف، من دون المشاركة بالفعل. الإخوان المسلمون وأنصارهم بالملايين، لكنهم وحدهم. هذه مفارقة لكنها حادثة، قنواتهم في تركيا ومواقعهم تسجل من المشاهدات ما يشي بوجود حياةٍ على هذا الكوكب، لكنها في الحقيقة متابعاتٌ محجوزة قبلاً، لو قال مذيعوهم وكتّابهم "ريان يا فجل" و"القرع لمّا استوى" لوجدوا من يشاهدهم ويشجّعهم، يشبهون ضابط الخال عبد الرحمن الأبنودي "ربنا رازقه بجهل غانيه عن كل العلم". يتحدّثون إلى أنفسهم، ويتوهمون أن لأصواتهم صدىً بين الناس.. "الحقيقة أن لدينا من البؤس في الداخل ما يكفي لننشغل به عن بؤس الخارج". كانت هذه هي جملتها الأخيرة التي أنهت بها النقاش، قبل أن ننتقل إلى موضوعاتٍ أكثر أهمية تتعلق بالجزائر والسودان.
انشغلتُ طوال الأسبوع، باستطلاع آراء أصدقاء لا تحرّكهم انحيازاتٌ أيديولوجيةٌ ضيقة، من خارج المهنة طبعاً. الإجابات كانت متشابهةً لدرجة تحيلك على مؤامرة الاتفاق عليك من كل حلفائك، لا أحد يشعر بنا، لأننا ببساطةٍ لا نشعر بأحد، هم يتكلمون عن أسعار الزيت والسكّر والمعكرونة، والذهب، وجهاز العرائس، وحلاوة المولد، وياميش رمضان، ومتى يرحل السيسي لنرتاح من كل هذا البؤس، ونحن نتحدّث عن الثورة المتخيلة، ونغترّ بمتابعات الغاضبين الذين يتابعوننا ليزدادوا غضباً، أو تخديراً. المواطن العادي يترحم على أيام حسني مبارك، بعدما كان يحلم بمصر الاسكندافية! ثنائية العسكر و"الإخوان" ألقت بالسواد الأعظم في غيابات العدمية السياسية، "ما أسخم من سيدي إلا ستي". الديموقراطية والشرعية والصندوق والحريات لم تعد تجارة رائجة، بعدما أثبت أصحابها أنهم "أهيف" من أن يتصدّوا لأي شيء، فضلاً عن أن يحموه. الناس لا تصدّق. هذا هو السؤال: كيف نجعلهم يصدّقون، حقيقة، لا وهماً افتراضياً على مواقع التواصل؟