"خيانة" سامي عنان

"خيانة" سامي عنان

03 ابريل 2019
+ الخط -
تُعلن قناةٌ تلفزيونيةٌ مصريةٌ خاصةٌ أنها ستبثّ، مساء الأحد الماضي، لقاءً، أجرته بالهاتف مع الرئيس المخلوع حسني مبارك، ثم لا تفعل "لظروفٍ خارج إرادتها"، كما قالت. ولا تحتاج عبارةٌ كهذه إلى عناءٍ في تفسيرها، فالذي في موقعٍ ما في جهاز أمنيٍّ ما، أجاز إجراء هذه المقابلة، لم يكن في باله أن أحداً آخر، في موقعٍ ما أيضاً في الجهاز الأمني نفسه، أو غيرِه ربما، لن يُجيز بثّها. ووحدهم الراسخون في علوم السلطة البوليسية الحاكمة في مصر، في وسعهم حلّ هذه الأحجية، وكذا تفسير السماح بتسريب نتفٍ مما قاله مبارك في المقابلة الهاتفية التي أفيد بأنها أجريت أياماً بعد حضوره "شاهداً" في محكمة جنايات القاهرة، في واحدةٍ من قضايا عديدةٍ تم تركيب اتهاماتٍ فيها للرئيس المنقلَب عليه محمد مرسي. ولمّا كانت واحدةٌ من هذه النتف قد ذاعت سابقاً، وتتعلق بعدم حبّ مبارك الرئيس الأميركي جورج بوش الابن، واحترامه، في الوقت نفسه بوش الأب، فإن ترجيحاً سيتسرّب إلى الخاطر أن هذه المقابلة (الهاتفية) كانت مرتجلةً وقصيرة، غير أن ذلك لا يعني التبخيس من قيمتِها، أقلّه في المستوى المهني صحافياً، سيما أنّ حسني مبارك يرمي فيها رئيس أركان الجيش المصري الأسبق، الفريق سامي عنان، بخيانةٍ عظمى، في أثناء وقائع تظاهرات ثورة يناير في عام 2011، تصدّى لها وزير الدفاع في حينه حسين طنطاوي. وإذ ضنّ المذيع الذي أجرى المقابلة، في إيجازه عنها لموقع إخباري مصري، بتفصيلٍ في هذا الأمر، فإنه أحسن فعلاً عندما نقل عن مبارك قوله إن الأميركيين كانوا يريدون أن يضعوا عنان رئيساً.
مهمٌ أن نعرف ماذا يقول مبارك في شيخوخته وخريف عمره، عمّ صنع وسمع وشاهد. ولكننا لسنا مضطرين لتصديق أي كلامٍ منه، من قبيل زعمه إنه أقفل الهاتف مرتين في وجه الرئيس باراك أوباما، في غضون الاحتجاجات والتظاهرات، وأن الأميركان ساوموه من أجل أن ينهوا "القصة" وينقذوه، في مقابل أن يعطيهم "حتّةً" من أرض مصر، وهو ما رفضه. وليس لأن سوء الظن من حسن الفطن، لا يمكن لعاقلٍ أن يشتري هذا الكلام، وإنما أيضاً لأن المصادر الأميركية الموثوقة، والموثّقة، لم تأت على شيءٍ من هذا، وإنما أفادت بأن نقاشاً مطولاً كان يدور في أثناء الثورة بين البيت الأبيض والمخابرات المركزية ووزارتي الخارجية والدفاع ومكتب الأمن القومي، وكانت الاجتهادات متباينةً فيه، مع ميلٍ حذرٍ إلى حماية نظام مبارك ما أمكن، من دون حماسةٍ كثيرة في ذلك لدى أوباما. ويجوز التقدير، في الأثناء، أن المؤسّسة الأميركية كانت تستحسن أن يكون بديل مبارك، إذا ما طاح، جنرالاً من الجيش. ومعروفٌ أن العلاقة بين قيادة الجيش المصري والمؤسسة الأميركية الحاكمة، سيما في "البنتاغون"، أكثر من وثيقة.
وإلى هذا الأمر، لن يغيب عن بال قارئ نتف حسني مبارك، في المقابلة التلفزيونية الهاتفية التي لم تُسمع، أن سامي عنان محتجزٌ في السجن منذ أزيد من عام، وأن محكمةً عسكريةً حكمت عليه، في يناير/ كانون الثاني الماضي، بالسجن عشر سنوات، بتهمةٍ لا تزيّد في القول إنها فضيحةٌ مشهودةٌ للحكم في مصر، من فرط انكشاف النكاية وقلة الأخلاق فيها، وهي ترشّح الرجل لانتخابات الرئاسة، فيما الرئيس الراهن عبد الفتاح السيسي صار رئيس الضرورة، وصاحب الرؤية، بعدما أطلّ ببذلته العسكرية، معلناً ترشّحه للرئاسة في ولايةٍ أولى، ويجري الآن العمل على تأبيد الثانية. والسؤال هنا ما إذا كان حسني مبارك، في اتهامه عنان بالخيانة (العظمى)، وبأن تزبيطاً أميركياً كان يتم له ليصير رئيساً، إنما أراد مزيداً من التنكيل بالجنرال العتيد، باستضعافه والجرأة عليه، أم إنه قال عن الرجل ما "نقلوه" إليه، و"أسمعوه" له.
ليس منسياً أن اندلاع ثورة يناير تصادفَ مع وجود سامي عنان في مهمةٍ في الولايات المتحدة. وهناك ربما سمع ما هو حسّاس مما كانت أدمغة صنّاع القرار في واشنطن تفكّر فيه. ومرجّح أنه نقل إلى مبارك وحسين طنطاوي ما سمع، أو بعضَه. إذاً، أين هي "خيانته العظمى"؟ إنها، على الأغلب، تفكيرُه في الرئاسة، في زمن رئاسة عبد الفتاح السيسي المديدة، لا في زمن رئاسة مبارك التي انتهت في أول مسيرة احتجاج يوم 25 يناير 2011.
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.