دول حصار قطر.. رمتني بدائها وانسلّت

دول حصار قطر.. رمتني بدائها وانسلّت

08 فبراير 2019
+ الخط -
كانت بطولة كأس الأمم الآسيوية لكرة القدم مناسبةً لإعادة طرح اتهامات دول الحصار للمنتخب القطري بأنه "مجنّس"، أي يتكون من لاعبين من أصول غير قطرية، وهي تهمةٌ عنصريةٌ بغيضةٌ، تليق فعلا بإعلام منحط، لم يتوقف يوما عن توجيه الإساءات للجميع.
لست المقالة معنيةً هنا بالدفاع عن المنتخب القطري، ولا شرح كيفية تشكيله في أكاديمية "أسباير" منذ أكثر من عشرة أعوام، ولا الاستشهاد بدول أخرى أجنبية حققت بطولات عالمية اعتمادا على لاعبين من أصولٍ أخرى، ولا سرد قصص لاعبين بارزين مجنسين في السعودية والإمارات، وهي "التهمة" نفسها التي يحاولون مهاجمة المنتخب القطري بها، فقد تكفل نشطاء مواقع التواصل ومستخدموها، وكتّاب ومحللون رياضيون بالرد والشرح، لكن اللافت أن هذه "التهمة" تمثل نمطا متكرّرا في خطاب دول الحصار وإعلامها، أي توجيه اتهامات لدولة قطر هم من قاموا بها في الحقيقة.
انطلقت، في بداية الأزمة الخليجية، الأبواق الإعلامية في دول الحصار، تتهم قطر بإقامة علاقات وثيقة مع إيران. وعلى الرغم من أن هذا لا يعيب الدوحة في شيء، إلا أن هذا الاتهام مردود على مطلقيه ببساطة، بمعلومة تفيد بأن الإمارات كانت في ذلك الوقت تستحوذ على النسبة الأكبر من العلاقات التجارية بين إيران ودول الخليج، إذ وصل حجم التبادل التجاري بين البلدين عام 2017 إلى أكثر من 11 مليار دولار، كما أن 29% من واردات إيران، التي بلغت قيمتها 71.5 مليار دولار عام 2017، مرت عبر الإمارات.
أما الاتهام الكبير الآخر، فكان دعم قطر الإرهاب، فيما المعروف أن 15 من أصل 19 شخصا نفذوا هجمات 11 سبتمبر في العام 2001 في نيويورك وواشنطن كانوا سعوديين، 
وقد واجهت السعودية اتهامات أميركية بالوقوف مباشرة وراء تلك الهجمات. ومعروف أيضا حكاية قانون جاستا الذي يحمّل الحكومة السعودية المسؤولية عن تلك الهجمات، فضلا عن تقارير أخرى أثبتت التمويل السعودي للفكر المتشدّد والمتطرف في أوروبا، مثل بلجيكا التي اتهمت مساجد تمولها المملكة بالتحريض على الكراهية وبث الفكر المتشدّد، وقامت بترحيل إمام سعودي لأكبر مسجد في البلاد بدعوى تطرّفه وتهديده الأمن الوطني، فضلا عن الدعم السعودي المعروف لجماعات مسلحة في سورية يعتبرها الغرب "إرهابية". كما كشف تقرير أممي أن الإمارات تتعاون مع إيران لخرق حظر استيراد الفحم الصومالي الذي يموّل حركة الشباب المجاهدين المصنّفة إرهابية.
وكانت الأزمة الخليجية قد اندلعت أساسا بعد اختراق دول الحصار الموقع الإلكتروني لوكالة الأنباء القطرية وبث تصريحات كاذبة فيها على لسان أمير قطر، وعلى الرغم من النفي القطري ووضوح الكذبة، إلا أن إعلام دول الحصار انطلق يبث آلاف الأخبار الكاذبة ضد قطر وأميرها، حتى جاءت المفارقة باتهام الإعلام القطري، وخصوصا قناة الجزيرة، ببث "الفتنة" والتحريض ضد دول الحصار.
وبعد الفشل الذريع التحالف السعودي الإماراتي في تحقيق أي إنجازاتٍ على الأرض في اليمن، اتهمت دول الحصار قطر بإعطاء إحداثيات قوات إماراتية أدت إلى مقتل جنود إماراتيين، ليتقرّر إنهاء عمل القوات القطرية التي كانت تدافع عن الحد الجنوبي للسعودية، بتهمة "التعامل مع المليشيات الانقلابية". وعلى الرغم من عدم تقديم أي دليل على تلك الاتهامات، إلا أن المفارقة أن أبو ظبي تؤوي أحمد علي صالح، نجل علي عبد الله صالح، الرئيس اليمني المخلوع، والذي كان معاديا للتحالف السعودي الإماراتي في ذلك الوقت، ويعتبر المسؤول الأول عن استهداف جنود التحالف، وقائد "المليشيات الانقلابية" التي تتهم دول الحصار قطر بالتعامل معها.
وقد احتوت قائمة المطالب التي قدمتها دول الحصار لقطر على طلب إغلاق القاعدة العسكرية التركية في الدوحة، ونشطت حسابات سعودية وإماراتية تتهكّم من وجود القاعدة التركية وقبلها الأميركية في قطر، على الرغم من أن السعودية لجأت إلى كل من هب ودب من أجل الدفاع عن الحد الجنوبي، وحمايته من هجمات الحوثيين، فجاء جنود سودانيون وباكستانيون وسنغاليون وآخرون لإنقاذ سمعة الجيش السعودي التي تهاوت إلى الحضيض.
بعد ذلك جاء اتهام دولة قطر بالتخطيط لاغتيال ملك السعودية الراحل، عبد الله بن عبد العزيز، قبل أن يتولى الحكم، في الوقت الذي يعيش فيه المتهم الرئيسي لمحاولة الاغتيال في أبو ظبي، حيث منح اللجوء هناك.
وبعد شراء نادي باريس سان جيرمان الفرنسي (المملوك لقطر) اللاعب البرازيلي نيمار، 
اتهمت وسائل إعلام وحسابات سعودية وإماراتية قطر بالإسراف وإنفاق أموال طائلة لتسويق نفسها لدى الغرب، على الرغم من أن ذلك المبلغ لا يقارن بـ110 مليارات دولار تعهدت السعودية بإنفاقها لشراء أسلحة للحصول على رضا الرئيس الأميركي، ترامب، ولا حتى النصف مليار دولار التي دفعها ولي العهد، محمد بن سلمان، لشراء يخت وقصر ولوحة فنية! وهي كلها تندرج ضمن "الأغلى في العالم"، ولا عشرات الملايين التي تدفعها السعودية والإمارات لشركات العلاقات العامة في الولايات المتحدة.
وليس سرا ما قامت به دول الحصار من صناعة ودعم منشقين قطريين يدعون إلى تغيير النظام في وسائل إعلامهم، فيما أحد ادعاءات دول الحصار أن قطر كانت تدعم منشقين سعوديين وإماراتيين، مثلما صرح به الجبير في سبتمبر/ أيلول الماضي.
أما العلاقات بين قطر وإسرائيل فكانت محورا ضمن محاور الهجمة الإعلامية لدول الحصار، من دون أن يذكروا أن المكتب التجاري الإسرائيلي الذي كان في الدوحة أغلق عام 2008، كما لم يذكروا أن إسرائيل افتتحت مكتب تمثيل تجاري لها في أبو ظبي عام 2014، ليصل الأمر إلى حد توجيه رسالة إماراتية إلى الأمم المتحدة تتهم قناة الجزيرة بـ"بمعاداة السامية ودعم الحركات المعادية لإسرائيل".
المفارقة الكبرى أن دول الحصار وضعت ما تسمى "لائحة سوداء" للشخصيات والكيانات القطرية التي زعموا أنها تدعم الإرهاب، فإذا بالأمم المتحدة تدرج التحالف السعودي الإماراتي على لائحة سوداء، بسبب استهداف أطفال اليمن وقتلهم.
ويثير السخرية أيضا في قائمة "الاتهامات" احتواؤها على ما هي ليست اتهامات أصلا ولا تعيب أي دولة، مثل الحديث عن صغر دولة قطر وقلة عدد سكانها، وهي سمات تشترك فيها قطر مع دولتين خليجيتين على الأقل، إحداهما من دول الحصار نفسها (البحرين) التي كان ولي عهدها حاضرا في أثناء سخرية عبد الفتاح السيسي من قلة عدد سكان قطر وصغر مساحتها، لكنه ضحك وصفق كأنه ولي عهد بريطانيا العظمى!
اختتم مشهد الاتهامات البائسة للدوحة بحادث اغتيال الكاتب جمال خاشقجي، فقد تم إثبات التهمة رسميا على رجال ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، بعد أن حاولوا في وسائل الإعلام 
السعودية في البداية اتهام قطر بالمسؤولية عن الجريمة، ليصير من تبعات تلك الجريمة احتمال تطبيق عقوبات على السعودية، بعد عام ونصف العام من فرض السعودية وحلفائها عقوبات ضد قطر فرّقت بين العائلة الواحدة، واستهدفت حصار الدوحة بشكل كامل، كما أدت جريمة قتل خاشقجي، بشكل غير مباشر، إلى فرصة ذهبية لترامب من أجل "حلب" مليارات سعودية مضافة، لينتزع تعهدا سعوديا بتحمّل تكلفة إعادة إعمار سورية، وهي تكلفةٌ كان ترامب نفسه قد تحدث عنها قبل ذلك، عندما قال إن السعودية يجب أن تتحمل تكلفة وجود القوات الأميركية في سورية، لكن من سخرية القدر أن وزير خارجية المملكة، عادل الجبير، وقتها حاول التبرؤ من تحمّل تلك التكلفة، وقال إن ترامب يقصد قطر، لتأتي جريمة خاشقجي وتنسف الغرور والعنجهية السعودية التي لم يكن لها أي سند من الواقع، وتنسف اتهاماتها التي حاولت من خلالها أن تتبرأ مما كانت هي نفسها تقوم به.
D90F1793-D016-4B7E-BED2-DFF867B73856
أسامة الرشيدي

صحفي وكاتب مصري، شارك في إنجاز أفلام وحلقات وثائقية عن قضايا مصرية وعربية، وكتب دراسات ومقالات نشرت في مجلات ومواقع إلكترونية.