مقطع سوري أردني

مقطع سوري أردني

06 فبراير 2019
+ الخط -
أكد الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، في مقابلته مع فضائية الميادين قبل أيام، ما رجّحته تقديراتُ محللين ومراقبين، أن الرئيس السوداني، عمر البشير، أدّى زيارته دمشق، في 16 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بطلبٍ (أو إيعازٍ؟) من العربية السعودية، غير أن نصرالله كشف عن جديدٍ مهم، موجزُه أن البشير طلب من (أو تمنّى على) بشار الأسد أن تُخاطب حكومتُه جامعةَ الدول العربية، وتطلب منها عودة سورية إلى مقعدها، غير أن الأخير رفض هذا الكلام (أو سخر منه؟)، وقال لضيفه إن سورية ليست هي التي خرجت من الجامعة، حتى تطلب العودة إليها، وعلى من أخرجوها أن يعيدوها من تلقاء أنفسهم. وربما ساهم هذا الرد، معطوفا على تدخل أميركي، في فرملة اندفاعة دولٍ عربيةٍ باتجاه نظام الأسد، بدليل إلغاء زيارة الرئيس الموريتاني، محمد ولد عبد العزيز، دمشق، واستنكاف الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، عن زيارةٍ مثيلةٍ كانت غير مستبعدة.
ولكن، بتقليب المسألة على وجوهها، يتبيّن أن الأسد ليس مهجوسا بعودة العرب إليه. لسانُ حاله يقول إنها إذا تمّت، من دون أي تنازلٍ منه، فبها ونِعْمَت، وإذا لم تتم، فلتبقَ دار لقمان على حالها. يتعاطى مع هذه المسألة بمقادير ظاهرةٍ من الزّهو، فهو منتصرٌ، وعلى الآخرين أن يتعاملوا معه على هذا الأساس، لا على اعتباره ملهوفا على عودة أي علاقةٍ مع أي نظام عربي، ولو كان هذا في العربية السعودية. يعبّر عن ذلك إعلامه الدعائي إيّاه، وينطق به حالُه وسلوكُه، فلا يُقابِل أي تحيةٍ بأحسن منها، ولا يستقبل أي خطوةٍ بأخرى مثلها. ومن علاماتٍ دالّةٍ على ذلك أن إعادة الإمارات فتح سفارتها في دمشق لم تحظَ بتثمينٍ باعتبارِها بادرةً مقدّرة، وكذا تلك القبلات في العناق الودود بين وزيري خارجية البحرين وسورية، خالد آل خليفة ووليد المعلم، في اللقاء العابر في نيويورك في سبتمبر/ أيلول الماضي. أما التواصل الذي لم ينقطع مع الجزائر وسلطنة عُمان فلا حاجة لإعطائه غير حجمه المعلوم.
يزعُم صاحب هذه الكلمات أن البرودة الظاهرة التي يُبديها نظام الأسد تجاه خطوات التطبيع الأردنية نحوه تبقى الأكثر دلالةً على صحة الكلام أعلاه. تتوالى مشاوير وفودٍ نقابيةٍ وبرلمانيةٍ وأهليةٍ مدنيةٍ أردنيةٍ إلى دمشق، ويستقبل الأسد بعضَها، ولكن وفدا سوريا موزونا لم يصل بعد إلى عمّان، باستثناء وفدٍ من نقابة المحامين السوريين ترأسّه النقيب نزار سكيف، الشهر الماضي (يناير/ كانون الثاني 2019). كما أن إعلان عمّان عن تسمية مستشارٍ برتبة قائم بالأعمال لإدارة مقر السفارة الأردنية في دمشق لم يحظ باحتفاءٍ من الجانب السوري، إلا إذا اعتبرناه ذا قيمة الكلام الذي يوزّعه القائم بالأعمال السوري في عمّان، أيمن علوش، على زوّاره من إعلاميين أردنيين يعتنقون حب نظام الأسد، عن عمق العلاقات الأخوية بين البلدين والشعبين. ولم تكترث دوائر الحكم في دمشق كثيرا بتوجيه رئيس مجلس النواب الأردني، عاطف الطراونة، دعوةً إلى نظيره، رئيس مجلس الشعب السوري، حمودة صباغ، قبل أيام، للمشاركة في أعمال الاتحاد البرلماني العربي الذي تستضيفه عمّان في مارس/ آذار المقبل (هل الدعوة جائزة ولم تَستَعد سورية عضويتها في جامعة الدول العربية؟).
زيادةً على هذا كله، تتطلّع الحكومة الأردنية باهتمام كثير إلى استعادة المبادلات التجارية مع سورية حيويتها، وتُراهن على هذا الأمر بحسابات المصلحة الأردنية، لما تأتي به من نفعٍ اقتصادي مؤكّد، سيما لقطاع النقل. والمتوقع أن نفعا كثيرا يعود إلى الجانب السوري من نشاط اقتصادي وتجاري مثل هذا، غير أن رسوما وضرائب كبيرة تفرضها السلطات السورية على الشاحنات الأردنية العابرة، تجعل قدومها إلى سورية (ولبنان) غير مجدٍ أحيانا، فيما يخبرنا العارفون أن السلطات الأردنية لا تفرض على الشاحنات السورية العابرة أراضيها سوى رسوم عادية قليلة. وحسنا فعل رئيس تحرير صحيفة الغد الأردنية، مكرم الطراونة، في دعوته دمشق إلى أن تُدرك أن عمّان لم تكن طرفا في معركتها حتى تتعامل معها بعقلية المنتصر.. وفي الوسع أن يقال، من دون تحرّزٍ كثير، إن النظام في دمشق يتعاطى مع مسألة عودة جامعة الدول العربية إليه (وليس العكس) بعقلية المنتصر بالضبط.
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.