ليلى الأطرش حين لا تشبه ذاتها

ليلى الأطرش حين لا تشبه ذاتها

09 ديسمبر 2019
+ الخط -
معروفٌ عن الروائية الأردنية، ليلى الأطرش، أنها لا تُقدم على مشروع رواية جديد، قبل أن تقوم بما يكفي من البحث والدراسة وتحرّي التوثيق الدقيق لكل الأحداث التاريخية المتعلّقة بفضاء الرواية. واصلت الأطرش نهجها هذا في روايتها "لا تشبه ذاتها" (دار الشروق، عمّان، 2018)، الحائزة أخيراً على جائزة كتارا للرواية العربية. مغامرة روائية من طراز مختلف أوصلت ليلى إلى أفغانستان هذه المرة، فتعرّفنا إلى هوية المكان الغريب، المرتبط في أذهاننا بالعنف والتطرّف والإرهاب. تأخذنا ليلى إلى هناك، من خلال سيرة الشخصية الرئيسية، حبيبة العين، المرأة الأفغانية، سليلة عائلة عريقة ثرية، وهي الساردة للأحداث كلها صوتاً منفرداً. يحكي، في صيغة رسالة طويلة، حكاية القهر والوجع والخيبة والخذلان، ويلقي الضوء على ملامح شعب متعدّد الثقافات. وعلى الرغم من انتماء عائلتها إلى الطبقة الحاكمة التي عاثت فساداً، فسرقت ونهبت وظلمت وجوّعت، ظلت حبيبة منحازة للطبقة المسحوقة المحرومة من أبسط حقوقها الإنسانية، خدمة لزعماء القبائل المتحالفة مع السلطة السياسية المتجبّرة. ولم يكن جدّها، الزعيم البشتوني فائق الثراء، بعيداً عن تلك المعادلة الطبقية الجائرة، على الرغم من أنه كان بالنسبة لها رمزاً للحق والنزاهة، غير أن سياق السرد عمل على تحطيم ذلك الرمز الذي توهّمته عادلاً حريصاً على نصرة الفقراء، ومدّ العون لهم والرأفة بحالهم، لنكتشف مدى طغيانه الذي تجلّى في الاعتداء على شرف خادمات القصر، صغيرات السن، والتآمر على فقراء القرية من خلال صفقة مشبوهة، تقتضي تعريضهم إلى خطر الموت وإقناعهم بالخضوع لاختبارٍ لصالح شركة غربية، مثل فئران تجارب، لتأثير مبيد حشري على المزروعات مقابل فتات، في حين حصد ثروة طائلة، غير مكترثٍ بحجم الضرر الواقع على أولئك المساكين، وقد فقد بعضهم نعمة البصر.
منتهى القسوة والوحشية المغلفة بادّعاء الإحسان والتقوى، وصولاً إلى انهيار نظام الحكم وهروب مؤيديه من بطش المتطرّفين الحاقدين الذين سيطروا على مقدّرات البلاد، وزرعوا الرعب في قلوب الشعب الذي تخلّص من فساد الطبقة الحاكمة وظلمها، ليقع أسير قوى التطرّف المتوحشة التي لم تتوان باسم الدين عن تحطيم إرث إنساني عظيم، متمثلاً في تماثيل بوذا، وقتل الأبرياء. وقام بتنفيذ الحدود على الشبهة. وتسرد حبيبة مشهداً فظيعاً لإقامة الحد على فتاة عشرينية بريئة بتهمة الزنا، حيث تم رجمها بلا رحمة حتى الموت.
تهرب عائلة حبيبة إلى لندن، وتنجو، شأن الأثرياء دائماً، من ويلات الحرب، لتبدأ حياة الاغتراب في المنفى، ولكن بمواصفات بورجوازية في العاصمة البريطانية. تسرد ليلى الأطرش تفاصيل حياة اللجوء، ولقاء الفتاة الأفغانية المتمرّدة على تقاليد العائلة بالشاب الفلسطيني، وريث اللجوء الغريب عن فلسطين التي لا تعني له شيئاً على المستوى الوجداني، ولا يجد غضاضةً في التعامل مع العدو الإسرائيلي تحقيقاً لتطلعاته في الثراء، نموذج وصولي سلبي، لكنه موجود في الواقع، ولا سبيل لإنكاره، على الرغم من أنه لا يمثّل الإنسان الفلسطيني الذي عانى القهر والقتل والتشريد والذل والهوان. تتكلّل علاقة الحب بالزواج غير المتكافئ الذي يثمر عن ابنة وحيدة، وسرعان ما ينتهي بالطلاق، على إثر تبديد الزوج ثروة العائلة على القمار.
تنتهي أحداث الرواية في مركز الحسين للسرطان في عمّان، حيث تخضع حبيبة للعلاج الكيماوي، وتسرد تفاصيل موجعة عن خيانة الجسد الذي أنهكته الأوجاع الكثيرة، تداعت في رسالة طويلة، وحكت الحكاية من أولها، بصوت امرأة حزينة، خذلها الرجل والوطن والقدر، غير أنها لم تتخلّ عن الأمل، وظلت متشبثة به خلاصاً وحيداً، على الرغم من تعاظم الأحزان... رواية ليلى الأطرش إضافة نوعية إلى منجزها الروائي المتميّز، نشد على يدها ونهنئها، ونتوقع منها مزيداً من العطاء.
AD06A645-8A0A-4B42-9292-5FC44B5D51C6
بسمة النسور

كاتبة أردنية، تحمل الليسانس في الحقوق، صدر لها ست مجموعات قصصية، وكتبت نصين مسرحيين. تكتب في الصحافة العربية منذ 1990، وتشغل موقع رئيسة تحرير مجلة "تايكي" المتخصصة بالإبداع النسوي.