في جدال حل السلطة الفلسطينية

في جدال حل السلطة الفلسطينية

07 نوفمبر 2019

اجتماع برئاسة عباس لمجلس الوزراء الفلسطيني برام الله (13/4/2019/الأناضول)

+ الخط -
يطرح مقال الكاتب الفلسطيني، حسام أبو حامد، "الهندي الأحمر وربيعه الفلسطيني" في "العربي الجديد" (25/9/2019) قضايا وأفكارا خلافية عديدة، قد تغني النقاش الفلسطيني وتثريه، ومنها دعوات حل السلطة الفلسطينية التي طالب بها عديدون، والتي أتفق مع ضرورتها اليوم. وقد أشار إليها حسام بقوله "حان الوقت للبحث بجدّية في بدائل محتملة، وأن يختبر الفلسطينيون، نظريا وعمليا، تحويل الصراع بعيدا عن حل الدولة وحل الدولتين، باتجاه حركة تكاملية لتقرير المصير، ترتكز على حلّ (أم إسقاط؟) السلطة الفلسطينية، وإجبار إسرائيل على إعادة تحمل مسؤوليات الاحتلال الكاملة في الضفة وقطاع غزة.". انطلاقا من أهمية الفكرة، تحاول هذه المطالعة تناولها عبر استعراض جميع حيثياتها، ودراسة إمكانية تنفيذها، وتحديد الشروط الواجب توفرها من أجل نجاحها.
قضية شائكة
علينا الاعتراف بأن تكوين أو بناء سلطة إدارية في ظل سيطرة وتحكم الاحتلال أمر غريب ونادر، إن لم نقل فريد من نوعه، وما يزيده غرابة وندرة العمل على حلها، بغض النظر عن اتفاق صاحب هذه السطور الكامل مع الفكرة، إذ إن السلطة الوطنية الفلسطينية بالقائمين عليها، وببنيتها التي أفرزتها الاتفاقات المبرمة مع الاحتلال، أصبحت عائقا أمام تطور حركة التحرر الفلسطينية، واستكمالها ونجاحها، فقد تمكّن الاحتلال من تكبيلها، وجعلها خط الدفاع الأول عنه، كما نجح في الحد من إمكانات إصلاحها وتغييرها المستقبلية، خصوصا بما يتعلق بتوجهاتها الوطنية. لذا يبدو أن حل السلطة، على الرغم من صعوبته وإشكاليته السياسية والاجتماعية، قد بات شرطا لازما لاستعادة حقوقنا المسلوبة. بيد أن فرادة الفكرة وندرتها يحرمنا من إمكانية الاسترشاد بتجارب تاريخية مشابهة، الأمر الذي يلقى على عاتقنا معالجة القضية وتمحيصها بكل جدية، حتى نتمكّن من تقديم إجابات وافية عن جميع تفاصيلها، ومن هذه الأسئلة: ما هي خطوات حل السلطة؟ ومن هي القوى التي تتحمل أعباء حل السلطة، فهل هم فلسطينيو الشتات، أم القاطنون في مناطق نفوذها وإلى ما هنالك من تجمعات جغرافية فلسطينية ذات خصوصية قانونية وسياسية، أم جميعهم؟ وهو ما قد يقودنا، في حال اعتبارها مهمة جميع الفلسطينيين بغض النظر
عن أماكن تجمعهم، إلى التساؤل حول دور مشاركة كل من هذه التجمعات وطبيعتها؟، وعن أي سلطة نتحدث؟ الضفة الغربية، أم قطاع غزة، أم كليهما؟ وأي منهما يحظى بالأولوية، أم يجب أن تتم في كل منهما وفي الوقت نفسه؟ ثم ما هي الوسائل والطرائق التي تمكن الفلسطينيين المقيمين داخل مناطق السلطة اليوم من مواجهة تداعيات حل السلطة، أو ما يعرف إعلاميا باليوم التالي، وبالتحديد في الفترة التي قد يسودها الفراغ بعد حل السلطة، وقبل تحمل الاحتلال، أو ربما جهة أخرى كالجانب الأردني أو المصري مثلا، مسؤولياته الكاملة القانونية والسياسية والاقتصادية تجاه مناطقها؟ وكيف يجب التعامل مع سلاح السلطة من أجل ضمان عدم تحوله إلى لعبة في يد الاحتلال، أو بعض القوى الدولية والإقليمية، وبما يثير الفوضى والبلبلة ويعزز أجواء الانقسام والصراع الداخلية؟.
إذاً تتعدّد النقاط والأسئلة المتعلقة بموضوع حل السلطة، وهنا محاولة بطرح أهمها، مع عدم ادعاء القدرة على تقديم إجابات واضحة عن جميع الأسئلة المرتبطة بالموضوع، ولكني أعتقد أن تحليل الموضوع، وتفكيكه بصورة علمية وموضوعية، قد يساهم في دفع النقاش حوله خطوة إلى الأمام، كما سوف يساعد في تأسيس أرضية صلبة، يمكن الوقوف عليها، والبحث انطلاقا منها عن جميع الأجوبة المفقودة اليوم، وهي الغاية الرئيسية من هذه المادة.
دور السلطة
تمخضت السلطة عن اتفاق أوسلو الموقع بين الاحتلال والقيادات الفلسطينية، برعاية المجتمع الدولي ومباركته ومراقبته، إذ عملوا جميعاً على تأصيل دور السلطة وتجذيره في مناطق نفوذها النظرية، بما يضمن ارتباط سكان هذه المناطق بها بجميع نواحي حياتهم اليومية ومسائلها، من دون أن يعني هذا الارتباط منح السلطة أفقا مستقبليا، قد يحولها من سلطة إدارة ذاتية أو سلطة تحت الاحتلال، أو بالأصح سلطة في خدمة الاحتلال إلى سلطة وطنية حقيقية، مسؤولة عن دولة مهما صغر حجمها. كما لم تتمخض اتفاقات السلام المعقودة عن تكوين سلطة إدارية داخل فلسطين جزافا، أو تعبيراً عن ترف سياسي، أو نتيجة ضغوط دولية، وربما فلسطينية أو عربية، بل كانت استناداً لمحدّدات صلبة وواضحة، تهدف إلى تحقيق مجموعة من الغايات، قد يكون أبرزها:
- التنسيق الأمني: يهدف إلى تقليل حجم وطبيعة وتأثير المخاطر الأمنية التي قد يتعرّض لها 
الاحتلال جراء احتلاله، من خلال تدريب السلطة على تنفيذ مجموعة من المهام الأمنية، كمراقبة الخلايا النائمة ومداهمتها واعتقالها، أو بالحد الأدنى تحذير الاحتلال منها، وتفتيش الفلسطينيين ومراقبتهم، خصوصا في مناطق الاحتكاك المباشرة مع قوات الاحتلال، وإجراءات أمنية أخرى عديدة غالباً ما يتباهى بها رئيس السلطة، محمود عباس، في تصريحاته ولقاءاته الصحفية، وفي مقدمها التي يجريها مع وسائل إعلامية تابعة أو محسوبة على الاحتلال.
- دور تشريعي وأمني داخلي: حيث تلعب السلطة دوراً أمنياً وتشريعياً محورياً داخل مناطق سيطرتها، من حيث ضبط الأمن، وملاحقة ومحاسبة المجرمين، واستصدار التصاريح الأمنية للعاملين داخل "إسرائيل" أو للراغبين في مغادرة فلسطين، ما يزيل عبء هذه القضية عن كتف الاحتلال.
- دور اقتصادي: لا يقتصر على دور إداري فقط، من حيث تنظيم المشاريع وعقد الاتفاقات والمناقصات الداخلية والخارجية، بل يتعدّاه إلى دور توظيفي، من حيث استيعابها أعدادا كبيرة من العاطلين على العمل، وترخيصها أو تفويضها بعض الشركات الخاصة من أجل الإشراف وتنفيذ ومتابعة الشؤون الخدمية، وهو ما يستوعب جزءا مهما من اليد العاملة. حيث تقدر نسبة العاملين في قطاع الخدمات والفروع الأخرى، كالفروع الأمنية والعسكرية والداخلية، بحدود 35% من مجمل القوى العاملة للعام 2018 وفق إحصائيات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، وبذلك يتحرّر الاحتلال من مسؤولياته الاقتصادية والاجتماعية تجاه الفلسطينيين المقيمين في هذه المناطق.
شرطة فلسطينية وقوات أمن أثناء احتجاج في رام الله (21/7/2018/ الأناضول)
- دور سياسي: يبدأ من اعتراف منظمة التحرير بحق "دولة إسرائيل" بالوجود، مقابل اعتراف الاحتلال بمنظمة التحرير ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني، كي يتحول لاحقا، بعد دخول القيادة الفلسطينية الموقعة على "أوسلو" إلى الداخل الفلسطيني، وبناء مؤسسات السلطة الفلسطينية وهيكلتها، إلى تحويل قيادة السلطة إلى الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، بدلاً من المنظمة. وعليه يصبح القاطنون في مناطق السلطة هم الفلسطينيون فقط، أو بالشكل الأكبر، بدلاً من التعريف القانوني للشعب الفلسطيني. وبالتالي، لعبت السلطة دوراً سياسيا في تجزئة الشعب والقضية الفلسطينية، بما خدم ويخدم مصالح ومتطلبات الاحتلال الحالية والمستقبلية، وهو ما عجز الاحتلال عن تحقيقه في الماضي، كما كان سيصعب عليه في المستقبل، لولا وجود السلطة بالهيكلية التي أوجدها.
وبمحصلة ذلك كله، يتمثل دور السلطة في إحكام قبضتها على المجتمع داخل مناطق سيطرتها، وتهميش جميع التجمعات الفلسطينية الخارجة عنها، وتحرير الاحتلال من أعباء احتلاله الأراضي الفلسطينية، المباشرة منها وغير المباشرة، كتلك المتعلقة بإدارة شؤون الفلسطينيين الموجودين داخل فلسطين ورعايتهم. لذا وعلى الرغم من ضعف قوى السلطة عموما وتهلهلها، إلا أنها محطة رئيسية ومركزية، تلعب دوراً وسيطا بين الاحتلال والشعب الفلسطيني والمانحين الدوليين والإقليميين؛ بحيث أضحت بالنسبة لغالبية الفلسطينيين المقيمين داخل مناطق سيطرتها النظرية، بالإضافة إلى جزء لا يستهان به خارجها، حجر أساس، يحتاج هدمه أو تجاوزه تخطيطا وتدبيرا كثيريْن، وهو ما يفرض علينا تناوله بصورة منفصلة وشاملة ومحددة، تتجاوز لغة التمنيات والآمال.
حل السلطة أم تنحيها؟
طالب كثيرون أو بعضهم، على فترات ومراحل متقطعة، بحل السلطة الوطنية الفلسطينية، كما فرضت الوقائع الميدانية، في بعض المراحل، نقاش تبعات حل الاحتلال السلطة قسريا، ولوحت السلطة أحياناً عن عزمها حل ذاتها، تعبيراً عن امتعاضهم على انتهاك الاحتلال المستمر جميع الاتفاقات الموقعة وتقويضه حل الدولتين. وبالتالي، هناك ثلاثة احتمالات، قد تفضي واحدة منها إلى حل السلطة، الأمر الذي يتطلب المرور على كل منها ولو سريعا لتبيان الإمكانات، واستقراء النتائج، واستنتاج مدى تطابقها أو تعارضها مع أهدافنا الوطنية التحرّرية.
الاحتلال يحل السلطة: تعتمد هذه الفرضية على ممارسات الاحتلال التي تؤدي إلى تآكل حل 
الدولتين، عبر ضم جدار الفصل العنصري للأراضي التابعة للسلطة، وتغيير مساره بصورة شبه دورية كي يضم مساحات جديدة من أراضي السلطة، وتوسيع المستوطنات الموجودة أصلاً في الضفة، والعمل على بناء وتشييد مستوطنات جديدة، ومن ثم توسيعها وحمايتها عبر تعديل مسار جدار الفصل مجددا، حتى تصبح مودودة خلفه في القسم التابع للاحتلال، حيث يبدو أن هذه العملية مستمرة حتى التهام جميع الأراضي الفلسطينية التي كان الاحتلال قد أقر بمسؤولية السلطة عنها وفق "أوسلو" وملحقاته. كما تعتمد هذه الفرضية أيضا على تصريحات وبرامج عديدة لأحزاب إسرائيلية تطالب بصورة مباشرة باجتياح الضفة واستعادة السيطرة عليها عسكريا، على محدوديتها وضعف تمثيلها السياسي، أو تلك الأكثر رواجا، والتي تتعهد بضم مساحات واسعة مما يعرف بالمنطقة ج، وتعد بترحيل جميع الفلسطينيين الموجودين في هذه المناطق، وربما المتاخمين لها أيضا، قسرياً بقوة السلاح، أو عبر الحصار وتضييق الخناق، كما تعهد بذلك رئيس حكومة الاحتلال، نتنياهو، في حملته الانتخابية أخيرا.
طبعا يصعب اليوم التنبؤ بواقعية إقدام الاحتلال على حل السلطة، نظراً إلى حجم الخدمات الجليلة التي تؤديها بما يقي ويحمي الاحتلال من تبعات احتلاله الأراضي الفلسطينية، غير أن إغفال خطورة هذا المخطط على المدى البعيد مستقبلاً يعبر عن تجاهل طبيعة الاحتلال وأهدافه الاستراتيجية بعيدة المدى، التي لا يدّخر مناسبة كي يعبر عنها، والمتمثلة بسعيه إلى السيطرة على الأراضي بعد إخلائها من سكانها الأصليين. إذ لا يسعى الاحتلال إلى أي شكلٍ من التعايش والسلام مع سكان البلد الأصليين، أو حتى مع محيطه العربي، بقدر ما يعمل على تثبيت أقدامه في المنطقة، ومن ثم يتربص أي فرصة مستقبلية، تتيح له إبادة الفلسطينيين جماعيا سياسيا وعملياً، عبر ترحيلهم قسريا أو قتلهم بدم بارد، ولنا في دروس النكبة مثالاً عن إجرام الاحتلال، ودعم المجتمع الدولي وصمته عن ممارساته تلك. وعليه، يغدو تقويض السلطة من الاحتلال اليوم مجرد خطوة أولى، تهدف إلى الانقضاض على دوائرها ومؤسساتها والأراضي الخاضعة لها نظريا، والأهم على القاطنين فيها من الفلسطينيين. وهو ما يزيد من الصعوبات المحيطة بطرح خيار حل السلطة فلسطينيا، ويفرض علينا دراسة احتمال استغلال الاحتلال ذلك، بما يخدم غاياته الإجرامية، ما سوف يبعدنا أكثر عن بلوغ أهدافنا وحقوقنا الوطنية والإنسانية والتاريخية.
في مظاهرة في غزة تطالب بتنحي الرئيس محمود عباس (24/2/2019/ فرانس برس)
السلطة تحل نفسها: شهدنا في السنوات الماضية تصريحات عديدة لمسؤولي السلطة المتخبطة والمربكة، احتجاجا على عدم التزام إسرائيل باتفاقات السلام، وحؤولها دون إقامة دولة فلسطينية وفق رؤية حل الدولتين، ومنها التلويح بحل السلطة نوعا من تهديد "إسرائيل"، بتحميلها تبعات احتلالها أراضينا التاريخية، ما سوف يضعها مرة أخرى في مواجهة أشكال الغضب والنضال الشعبي. ولكن وعلى الرغم من توغل الاحتلال بمزيد من الإجراءات والسياسات أحادية الجانب التي تقوّض حل الدولتين أكثر وأكثر، أجرت القيادة الفلسطينية في الأسابيع والأشهر الأخيرة تغييراً واضحا في خطابها، يعكس عدولها عن تكرار عبارات التهديد بحل السلطة، واستبدالها بأخرى، تلوح بوقف العمل بجميع الاتفاقات المبرمة مع الاحتلال، ومن ضمنها التنسيق الأمني. لذا، وبغض النظر عن جدية التهديدات الأخيرة أو عبثيتها، إلا أنها انعكاس لعدم جدية التهديد الأول المعني بحل السلطة، وبالتالي هي مؤشر على عدم رغبة قيادة السلطة بالمضي في خيار حل السلطة ذاتياً، وهو أمرٌ يمكن بسهولة التأكد منه من استقراء ممارساتها داخل مناطق سيطرتها.
إذ تلجأ السلطة الفلسطينية إلى قمع ومحاصرة الأصوات المعارضة والمنتقدة لسياساتها بجميع
 الوسائل المتاحة لها، وتبرّر ذلك بذرائع متعددة قد يصعب حصرها الآن، الأمر الذي يحول دون تكوين رؤية اجتماعية سياسية موحدة في مناطق نفوذها، وهو ما يقوّض أي إمكانية لبروز قوى سياسية جديدة ومختلفة جذريا عن رؤية السلطة الأساسية، المتمثلة بحل الدولتين والتفاوض فقط، ما يفرض على الفلسطينيين التمسك بالعمل الدبلوماسي سبيلا وحيداً متاحاً، فعلى الرغم من تكرار تصريحات الرئيس محمود عباس، في أكثر من موضع، والمعبرة عن تأييده ودعمه جميع أشكال النضال السلمي، إلا أن ممارساته، من موقعه رئيسا للسلطة ولمنظمة التحرير ولحركة فتح، تؤكد رفضه أو تخوفه من أي شكل من النضال الشعبي، بغض النظر عن طبيعة النضال والجهة الداعية له وحتى مكان حدوثه. وعليه، يصعب العمل سياسيا واجتماعيا داخل المناطق الخاضعة لسيطرة السلطة وفق رؤية سياسية مغايرة، فكيف إن كانت هذه الرؤية تنطلق من حل السلطة ذاتيا، سواء عبر الضغط على القيادة المتنفذة في السلطة اليوم، أو إيصال شخصياتٍ تتبنّى هذا الحل إلى المراكز القيادية عبر العملية الانتخابية المحتمل حدوثها مستقبلا. وهو ما يقود إلى الحديث عن تعمد السلطة تأجيل الانتخابات مرارا وتكرار، الرئاسية منها (آخرها في العام 2005) أو التشريعية (آخرها في العام 2006). ومرة أخرى تجد السلطة مئات الذرائع والحجج التي تبرّر تأجيل الانتخابات، أو بالأصح إلغاءها، وخصوصا بعد سيطرة حركة حماس على قطاع غزة المستمر. والذي كان مقدمة لانقسام فلسطيني، يبدو أنه مستعص عن أي حل في المستقبل المنظور. كما توحي الآلية التي اتبعتها السلطة برئاسة أبو مازن عقب انتخابات 2006 التشريعية التي أفضت إلى سيطرة حركة حماس على المجلس التشريعي، عن حقيقية الرفض السلطوي لأي تغيير حقيقي في بنية السلطة وتوجهها، حتى لو قاد ذلك إلى صدام فلسطيني - فلسطيني.
كما يسهل ملاحظة مدى ارتباط وتداخل مصالح شريحة واسعة من قيادات السلطة، أو المحسوبين عليها، اقتصاديا وماليا، مع مؤسسات تتبع الاحتلال، أو داعميه المباشرين، وتنفذ أجندته.
وبالتالي، يبدو جلياً من كل ما سبق استحالة إقدام قيادة السلطة الحالية، أو أي قيادة تنتمي إلى التيار والتوجه نفسهعلى أي خطوة قد تسفر عن حل السلطة ذاتيا، كما يبدو من متابعة الوقائع الداخلية انغلاق السلطة على ذاتها، ورفض أي عملية ديمقراطية قد تؤدي إلى تغيير جوهري يمس الجهة والرؤية المسيطرة عليها. وبالتالي، وعلى الرغم من أن تبعات حل السلطة ذاتيا أقل خطورة من وسائل أخرى، إلا أنها صعبة أو مستحيلة التنفيذ، وهو ما يجعلنا نستبعدها تماما الآن وفي المدى المنظور، وعليه لن نتطرق لدرستها بعمق حاليا.
حل السلطة شعبيا: تدرك الغالبية الفلسطينية صعوبة حل السلطة بقوى شعبية، بغض النظر الآن عن الوسائل المحتملة لذلك، وعن أي تجمع من التجمعات الفلسطينية العديدة سوف يتكفل بهذه المهمة. كما ندرك مدى السوء والضرر الكبيرين الذين يضربان القضية والوضع والشعب الفلسطيني بصورة متزايدة ومتسارعة، في ظل استمرار السلطة. الأمر الذي يفرض على الفلسطينيين تناقضا يصعب حله بين ضرورة حل السلطة وصعوبة تنفيذ ذلك عمليا، نتيجة الدور الذي تقوم به تجاه القاطنين في مناطق سيطرتها، وبفعل التشتت الجغرافي الفلسطيني، وبسبب فقدان الثقة بالقوى السياسية الموجودة اليوم، وصعوبة بناء أو تشكيل قوى جديدة داخل فلسطين أو خارجها. لكن ذلك لا يلغي وجود احتمال ولو ضئيل بنجاح الشعب الفلسطيني بحل السلطة، وتجاوز حالتها سياسيا اليوم، بصورة مدروسة ومضمونة تحول دون أن يستغلها الاحتلال، بل قد ترتفع هذه الاحتمالات كثيراً إن عمل الفلسطينيون على امتلاك الأدوات الضرورية لتنفيذها، إلى جانب امتلاكهم رؤية تجنّبهم، أو تحد من، تبعات حل السلطة على معيشة الفلسطينيين، وبرنامج يقود نضالهم الوطني على طريق استعادة جميع الحقوق المستلبة.
عن أي سلطة نتحدّث
يمتلك الجسم السياسي الفلسطيني نظريا ثلاثة مراكز سلطوية واضحة للعيان؛ سلطتان إداريتان داخل فلسطين، واحدة في الضفة الغربية واخرى في قطاع غزة؛ وسلطة متمثلة بالجسم السياسي الأول، أي منظمة التحرير، والتي كان يفترض بأن تكون الهيئة السياسية والتشريعية الأعلى، وتمثل مجمل الفلسطينيين، بغض النظر عن أماكن وجودهم المؤقتة أو شبه الدائمة. لكن ونتيجة جملة من العوامل أصبحنا أمام صورة مقلوبة، أو بالأصح مشوهة، يصعب تفسيرها، تتمثل أولاً في سلطة إدارية في غزة تسيطر عليها حركة حماس التي لم يتم تمثيلها في منظمة التحرير منذ بداية تشكلها، أي أنها سلطة من خارج المنظمة. وتتبدى ثانيا في سلطة إدارية في رام الله تعلو شأنا وقوة ونفوذا وقدرة على التي تمتلكها منظمة التحرير، مع الإشارة إلى سيطرة حركة فتح شبه المطلقة على كل منهما، أي على منظمة التحرير وسلطة رام الله في الوقت نفسه. وبالتالي، لابد من تناول كل منهم على حده.
- سلطة رام الله: التي تمثل الانعكاس المباشر والمستمر لاتفاق أوسلو وما تبعه من اتفاقيات، على المستويين، الإداري والفردي، أي هي السلطة المعترف بها إداريا وتشريعيا على جميع المستويات 
القانونية و"الإسرائيلية" والدولية، كما هي تجسيد للاتفاقات الموقعة بين الاحتلال ومنظمة التحرير المسيطر عليها من حركة فتح، على الرغم من اعتراضات بعض القوى السياسية الفلسطينية وتحفظاتها، ما جعل "فتح" المسيطر الأكبر على الوفد الموقع المشكل في معظمه من أعضائها، كما أصبحت المسيطر الأبرز على السلطة المشكلة من رحم الاتفاقات، وإن تخفت خلف شرعية انتخابية، مع الأخذ بالاعتبار محدودية العملية الانتخابية واقتصارها على بعض المناطق داخل فلسطين، أي لم تشمل الانتخابات مجمل الفلسطينيين، كعرب 48 واللاجئين خارج فلسطين، بالإضافة إلى فرض سيطرتها قسرياً في بعض الفترات، كما حصل بعد انتخابات 2006. وعلى المستوى الفردي، يسهل ملاحظة استمرار الاسماء والشخصيات النافذة نفسها في العملية التفاوضية منذ اتفاق أوسلو في العام 1993. وبالتالي، يمكن القول إن سلطة رام الله هي مربط فرس التنسيق الأمني، والمسؤول الأول عن تحرير "إسرائيل" من تبعات احتلالها وسيطرتها على أراضينا ومقدراتنا وحقوقنا، وحجر العثرة الأول في طريق استعادتنا حقوقنا المستلبة، ما يجعل من حلها وتجاوزها مطلباً لأشخاص وأطراف وطنيين عديدين.
في مظاهرة تطالب بإنهاء الانقسام السياسي الفلسطيني بين حماس وفتح في غزة (13/11/2012/فرانس برس)
- السلطة في غزة: والتي يعتبرها بعضهم تجسيدا يعاكس بنية سلطة رام الله وتوجهها، انطلاقا من سيطرة حركة حماس عليها، التي تجاهر بعدائها لنهج التفاوض، وتبنّيها خيار المقاومة العسكرية من أجل تحرير كامل الأراضي الفلسطينية. ولكن إن ابتعدنا قليلاً عن جماليات ومثاليات كثير من حملات البروباغندا الإعلامية الحمساوية، يمكن ملاحظة مدى تطابق كلا السلطتين الحمساوية والفتحاوية سلوكيا وقانونيا وسياسيا، ما قاد إلى النتائج نفسها المعيقة مسار استعادة حقوقنا المستلبة، وتلك التي تحرّر"إسرائيل" من تحمل تبعات الاحتلال القانونية والسياسية والاقتصادية والميدانية، فقد شاركت حماس في انتخابات 2006 بغرض انتزاع شرعية إقليمية ودولية على اعتبارها ممثلة للشعب الفلسطيني، في مقابل انخراطها عمليا بإدارة شؤون السلطة، وهو ما عكس تلاعبا حمساويا بالشعارات يشابه التلاعب الفتحاوي قبل توقيع اتفاق أوسلو ويطابقه من حيث النتائج. لأن اتكاء حماس على نتائج الانتخابات التشريعية داخل مناطق السلطة، يمثل قبولا بتحييد الفلسطينيين غير المشمولين بهذه العملية الانتخابية، وتحييد دورهم في صناعة مستقبل فلسطين. كما عكست مشاركة "حماس" قبولها غير المعلن بالأسس التي قامت عليها السلطة، على الرغم من رفضها لها وفق برنامجها الانتخابي، إلا أنها لم تقدّم أي بدائل نظرية أو عملية محتملة تعكس سعي "حماس" إلى إيجاد أسس وطنية مغايرة تشيد عليها سلطة وطنية مغايرة لتلك القائمة، استنادا إلى اتفاقات السلام المبرمة، بل لم تقدم "حماس" أي بديل عن ذلك، على الرغم من سيطرتها المطلقة على قطاع غزة، بل على العكس رضخت أكثر من مرة للعبة الاحتلال وداعميه في مقابل الحصول على بعض المساعدات أو المنح أو التسهيلات، والتي هي في الحقيقة جزء من الحقوق الفلسطينية، يأبى الاحتلال التخلي عن تحكّمه بها، من دون الحصول على مقابل سياسي أو قانوني يلبي أهدافه بعيدة وقصيرة المدى، وهو ما فرض على "حماس" الانخراط في لعبة الاحتلال في مقابل تيسير (تقليل العقبات) الاحتلال إدارتها شؤون القطاع، وهو ما يمثل الأسس نفسها التي تقوم عليها سلطة رام الله، إذ لم ينج حتى برنامجها السياسي من ذلك. لذا لا جدوى وطنية تذكر من استمرار سلطة إدارية في غزة، سواء سيطرت عليها "حماس" أو "فتح"، فهي تعمل على تقسيم الشعب والجغرافيا الفلسطينية، وتزج القطاع داخل سجن كبير يستحيل الانطلاق منه نحو أهداف وطنية جامعة وشاملة. بيد أن الفرق الرئيسي بين السلطتين يتمثل في تموضع مناطقهم الجغرافية الذي يجعل من الضفة محاطة من جميع الاتجاهات بمناطق خاضعة للاحتلال الإسرائيلي، بينما تتمتع غزة بحدود مشتركة ومباشرة مع مصر، غير أن الواقع السياسي العربي والمصري الحالي يحد من أهمية هذا الفرق، ما يجعل من غزة كما الضفة خاضعة كليا لسيطرة الاحتلال ومحاصرته وإرادة الاحتلال، حتى حدوث تغيير أو تبدل جذري في طبيعة الحكم المصري، وهو ما يصعب التكهن به، وبالتالي يجب عدم التعويل عليه، سيما أن تأثير هذا التبدل في الموقف السياسي المصري يتطلب سيطرة قوى وطنية على غزة، تحظى بثقة ودعم جزء كبير من مجمل الشارع الفلسطيني، وهو أمر غير متوفر اليوم. لذا وقياسا للمعطيات الحالية، وربما المستقبلية، نحتاج للخلاص من سلطتي رام الله وغزة على حد سواء.
- منظمة التحرير الفلسطينية: لا يمكن نقاش قضية حل السلطة من دون التطرق إلى منظمة 
التحرير، نتيجة عدة عوامل، منها تراجع دور المنظمة السياسي والاجتماعي والثقافي، بعد توقيع اتفاق أوسلو، الذي همّش المنظمة لصالح مؤسسات السلطة الفلسطينية، الأمر الذي أدّى، إلى تقويض شرعية المنظمة في الوسط الشعبي الفلسطيني، والنفور منها عموما، وخصوصا في أوساط اللاجئين الفلسطينيين خارج فلسطين. من دون أن نغفل الإشارة إلى مكانتها التاريخية والقانونية التي تؤهلها لاستعادة دورها ممثلا شرعيا للشعب الفلسطيني كاملا، إن تمكنت من استعادة ثقة الشارع بها، إلا أن أحد أهم العوائق لتحقيق ذلك هو سيطرة حركة فتح على غالبية دوائرها الرئيسية، بما فيها رئاسة المنظمة بشخص محمود عباس رئيس السلطة وحركة فتح أيضا. وهو ما يفرض علينا العودة إلى جميع دوافع المطالبة بحل السلطة التي لا تقتصر على إزالة البنية الإدارية (السلطة) التي تحول دون تحمل "إسرائيل" عواقب احتلال أراضينا فقط، بل تمتد إلى طي صفحة التنازل عن حقوقنا المشروعة، وتجزئة الشعب الفلسطيني إلى كيانات مختلفة، لكل منها ممثلون وأفق مستقبلي وحلول خاصة بها وحدها، وهو ما تتحمّل قيادة السلطة والمنظمة مسؤوليته القانونية والسياسية والأخلاقية بصفتهم الفردية والرسمية.
إذا يتداخل ويتشابك ملفا منظمة التحرير وكلا السلطتين إلى درجة يصعب الفصل بين أي منهم، ما يقود إلى ضرورة معالجة ملف منظمة التحرير بصورة كاملة ومتزامنة مع معالجة ملفي السلطة، كي نحيط بجميع تفاصيل الموضوع، ونضمن أن لا يقودنا حل السلطة إلى المصير الحالي، لأن تجاوز السلطة لصالح استعادة سيطرة المنظمة على الجسم السياسي الفلسطيني، وفق دورها المتطابق مع السلطة في النهج، عملية عبثية لا طائل منها، قد تسفر عن واقع جديد أشد بؤسا وصعوبة وإشكالية من الواقع الراهن.
القوى الشعبية الحاملة للمشروع
قد يعتقد بعضهم أن العمل على حل السلطة يشابه النضال من أجل إسقاط النظام أو تغييره، ما يدفع إلى تحميل الفلسطينيين الموجودين في مناطق السلطة مسؤولية وأعباء إنجازه، وهو أمر خاطئ تماما، لأن دوافع حل السلطة وأهدافه لا تتعلق فقط بتغيير النهج المسيطر عليها، وبالتالي تغيير السياسات والممارسات جذريا، بل يتعدّاه إلى إزالة السلطة كليا، كونها أداة بيد الاحتلال يتحكّم بكل تفاصيلها وحيثياتها، من أجل بناء كيان وطني، يعبر عن مجمل الفلسطينيين، ويتمسك بجميع حقوقنا المسلوبة من دون تمييز أو تجزيء، ويناضل من أجلها، لذا فهي مهمة وطنية شاملة، من حيث الغاية أو الغرض منها.
طلبة فلسطينيون خلال تجمع في جامعة بيرزيت قرب رام الله (15/4/2019/Getty)
وهي كذلك مهمة وطنية شاملة من حيث الدور أو المهمة وفق ما أوضحت السطور السابقة، عند الحديث عن أي سلطة، الذي يكشف عن شمولية المهمة لكل من سلطتي رام الله وغزة، وحل معضلة منظمة التحرير، على الرغم من أنه لم يتم التطرق هنا إلى طبيعة الحل وشكله، سواء كان إصلاحيا، أم عبر الهدم وإعادة البناء، كي لا ندخل في دهاليز وتعقيدات إضافية الآن، فقد أوضحنا أن حل السلطة اليوم، وفي ظل بنية منظمة التحرير الحالية، لن يفضي إلى إحداث الأثر المنشود منه، بل على العكس قد يدفعنا نحو مزيد من الانحدار، كما قد يؤدي حل السلطة في رام الله فقط إلى تقوية قوة سلطة "حماس" وتعزيزها في غزة، وربما يسهل سيطرتها على الضفة أيضاً، والعكس صحيح طبعا.
وهي خطوة لاستعادة لحمة الشعب والنضال الفلسطيني، بما فيهم الفلسطينيون في مناطق 48، إذ أثبتت الوقائع والمعطيات الميدانية أن تحييدهم عن مشهد الصراع مع الاحتلال لم يؤد إلى أي تحسن في ظروفهم وأوضاعهم القانونية والمعيشية، بل ساهم في تشويش الخطاب والتوجه السياسي الفلسطيني عامة، لذا حان الوقت للتمعن بظروفهم وأوضاعهم من زاوية وطنية، تبحث بجدية عن الوسائل القانونية والمنهجية التي تتيح لهم الانخراط بفاعلية معقولة في مجمل النضال الفلسطيني، بالتزامن مع قليلٍ من الحذر والتريث بما يتعلق بطبيعة مشاركتهم النضالية، وتوقيته وشكله، كي نحدّ من الأضرار الفردية والجماعية المترتبة على ذلك، فهم جزء محوري في أي مشروع وطني فلسطيني، بل وضمان حقيقي يعكس مدى تمسّك هذا المشروع بجميع حقوقنا التاريخية.
تداعيات حل السلطة
أوضحت هذه الدراسة الدور الذي تلعبه السلطة، مما يمكن الآن من التنبؤ بتداعيات محتملة لحلها، وإن كانت آنية أو محدودة زمنيا، حيث يتوقع حدوثها في المرحلة التي تعقب حل السلطة مباشرة، 
والتي تسبق تولي الاحتلال، أو أي جهة أخرى، مسؤولية إدارة شؤون هذه المنطقة أو المناطق. وهي:
- مسؤولية دولية: ساهم توقيع اتفاق أوسلو وبناء السلطة الوطنية في تحرير المجتمع الدولي من مسؤولياته القانونية والسياسية والإنسانية تجاه القضية الفلسطينية، على اعتبارها قضية في طور الحل، و يتوقف هذا الحل على مجموعة من التوافقات والتنازلات هنا وهناك، من دون الاهتمام بجحم هذه التنازلات وطبيعتها، وهوية الطرف الحقيقي الذي يقدمها. وهو ما يتطلب العمل على كشف هذا الزيف، وفرض تغيير في الموقف الدولي حتى قبل حل السلطة، أو بالحد الأدنى بالتزامن معها، عبر التشديد على استعصاء حل القضية الفلسطينية بفعل الإجرام "الإسرائيلي"، وعبر طرح مجمل تفرعات القضية الفلسطينية وتشعباتها دفعة واحدة، وإلقائها في وجه المجتمع الدولي، وتحميله مسؤولية حلها وحماية الفلسطينيين داخل وخارج فلسطين من مزيد من الانتهاكات.
- مسؤولية اقتصادية: تعتمد ميزانية السلطة بأكثر من 70% منها على أموال المقاصة ومساعدات المجتمع الدولي، وهي الأموال التي تتيح لها سداد مستحقاتها المالية تجاه موظفيها، وتجاه العقود المستحقة مع شركات القطاع الخاص الخدمية غالبا، والتي تدفع رواتب موظفيها، الأمر الذي يجعل من حل السلطة تهديداً مباشر لشريحة واسعة من الموظفين الفلسطينيين، قد يلقي بهم نحو المجهول، ويدفع عديدين منهم نحو الهجرة والسفر إن توفر هذا الخيار، بحثاً عما يسد الرمق. كما توضح هذه الأرقام أن مؤسسات السلطة المالية والإدارية مجرد وسيط أو نقطة تجمع تصب فيها أموال المساعدات والمقاصة والضرائب.. إلخن ومن ثم يتم توزيعها على مستحقيها، أفرادا كانوا أم مؤسسات أم مصروفات أخرى. وبالتالي، لا تقوم السلطة بدور اقتصادي حقيقي، لأن الاحتلال يرفض وجود اقتصاد فلسطيني مستقل أصلاً، وهو أحد أسس اتفاق اوسلو. كما لا يمكن الرضوخ لأكاذيب المجتمع الدولي المبنية على تقديمه مساعداتٍ للسلطة، فهي مساعدات "لإسرائيل" كي تتحمل عوضا عنها تبعات احتلالها أراضينا، وما السلطة سوى صورة تضليلية تحجب هذه الحقيقة، وقد حان الوقت كي نكشف زيف هذه الادعاءات، ونضغط على الاحتلال والمجتمع الدولي والأمم المتحدة، سيما وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، كي يفوا بالتزاماتهم المالية بعيداً عن السلطة، أو بالأصح دونها.
- مسؤولية أمنية: والمقصود بها التزامات السلطة الأمنية تجاه المجتمع الفلسطيني فقط، والذي 
يتطلب معالجة دقيقة مسبقة، يمكن أن تستند، في شق كبير منها، إلى المجالس البلدية، كي تلعب دوراً في إدارة الوضع الأمني بشكل مؤقت، عبر التنسيق والتشارك مع المجتمع المدني ذاته. كما تبرز أيضا مشكلة سلاح الأجهزة الأمنية، واحتمال تشكيله خطراً على سلامة المجتمع ووحدته، إن تم دفعها نحو مواجهة المجتمع الفلسطيني من أجل حماية وجود السلطة، الأمر الذي يفرض علاجا مزدوجا، أحدهما سياسي يكشف حقيقة السلطة ويحرض عليها، والثاني اقتصادي يضمن لموظفي القطاع الأمني، كسائر موظفي السلطة، حلاً ماليا لا يضعهم في مأزق معيشي خانق بين ليلة وضحاها، من خلال توظيفهم في قطاعات خدمية أخرى، ولو مؤقتا، يتحمل المجتمع الدولي تموليها من دون الحاجة للسلطة، كي لا تتحول أي مجموعة منهم إلى عناصر يحرّكها الاحتلال أو أي طرف انتهازي آخر.
- مسؤولية إدارية: يمكن حل تأثيرها المباشر عبر تفعيل دور المجالس البلدية أيضا، بينما يتطلب تأثيرها بعيد المدى إلى أكثر من ذلك، إذ سوف يفرض حل السلطة أن يتحمّل طرف أو مجموعة أطراف المسؤوليات الإدارية المنوطة بالسلطة اليوم، فقد يتحمّل الاحتلال المسؤولية عن بعض مناطق الضفة، وتتحمّل الأردن بقية مناطق الضفة، في حين تتحمّل مصر المسؤولية في قطاع غزة. الأمر الذي قد يرسّخ الانقسام السياسي والجغرافي الفلسطيني، في حين يجب أن نتمسّك بالغرض الأساسي من حل السلطة، والمتمثل باستكمال نضالنا التحرّري، وإزالة حاجز السلطة الذي يعيق مواجهة الاحتلال، وهو ما يدفعنا إلى العمل على إجبار الاحتلال على الرضوخ لإحدى حلين، لا ثالث لهما؛ إعادة جميع حقوقنا المستلبة، وهو أمر مبكر غالبا؛ أو تحمّل تبعات احتلال أراضينا كاملة، من دون وسيط ومشاركة من هنا أو هناك.
- مسؤولية سياسية: تحظى السلطة باعتراف المجتمع الدولي، ولها علاقاتها الدبلوماسية مع أكثر من دولة، كما تساهم في تقديم صورة مشوهةٍ عن ماهية أرض فلسطين وشعبها، والحقوق الفلسطينية، وطبيعة حل القضية الفلسطينية أيضاً. أي لها مكانة سياسية واضحة يجب أن نعمل على سد الفراغ المترتب على حلها، عبر تأهيل بديل واضح وقادر على إصلاح التشويش والإرباك الذي ولدته طبيعة السلطة والقائمين عليها. وهو ما يتطلب حسم الجدل بشأن منظمة التحرير بإصلاحها أو تجاوزها نحو بديلٍ أكثر ملاءمة لظروف الفلسطينيين وأوضاعهم اليوم، من خلال تحريض النقاش حول البرنامج الوطني كي يصل إلى خواتيمه، أو بالأصح كي يتمكّن من تحديد ملامح ونقاط عامة مركزية جامعة لا يمكن إهمالها مستقبلاً.
خاتمة
حاولت من خلال جميع النقاط التي عرضتها الدراسة إبراز حجم تعقيدها وتداخلها، ما يتطلب جهدا قانونيا وإعلاميا واقتصاديا وسياسيا واجتماعيا منسقا ومتكاملا. وسعيت كذلك إلى التنبيه من المخاطر المحتملة لحل السلطة، المعيشية والوطنية، الأمر الذي يفرض علينا العمل على إيجاد حلول للمشكلات اليومية وتنفيذها قبل حل السلطة. وشدّدت على احتمال تصاعد مخاطر حل السلطة وتداعياته، في حال تم ذلك عبر خطوات عشوائية، ما يبرز أهمية التنظيم الدقيق والواعي لجميع الخطوات، كي نضمن أن تصب النتائج النهائية بما يخدم المصلحة الوطنية الفلسطينية العامة، ويدفع نضالنا الوطني خطواتٍ عديدة نحو الأمام، على درب استعادة جميع حقوقنا المستلبة. وأخيراً نوهت إلى أنها نتيجة نضال مجمل الشعب الفلسطيني، على اعتبارها عملية تؤسس لمرجعية سياسية فلسطينية وطنية شاملة تجسد شعار شعب واحد وقضية واحدة.
تبقى في الختام دعوة كل من يستفزه هذا الطرح أو يثير لديه مشاعر متناقضة، إلى تحليل الواقع الفلسطيني بهدوء وروية وموضوعية، من أجل تحديد الدور الحقيقي الذي لعبته السلطة منذ يومها الأول وحتى اللحظة، وبغرض استقراء مستقبل القضية والشعب والأرض الفلسطينية في ظل استمرارها، كي يتمكّن من الحكم على هذا الطرح، وفق مضمونه وغاياته وأهدافه الحقيقية، وكي يتمكّن من التمييز بين من يرجو من هذا الطرح دثر القضية الفلسطينية؛ ومن ينطلق من كونه خطوة أولى في مسار استعادة القضية والنضال الوطني الفلسطيني.
من جهة أخرى، لا بد أن ندرك أهمية وقيمة الرموز التي تجمع وتوحد الشعب الفلسطيني، أن نميز معانيها ودلالاتها وبين بعض المظاهر الشكلية التضليلية لاستخدامها من السلطة، كالنشيد والعلم والدولة، فالعلم الذي نقدسه ونبجله هو علم جميع المدن والبلدات الفلسطينية كحيفا ويافا وغزة والقدس ورام الله، والنشيد هو تجسيد تمسّكنا بأرضنا التاريخية، وبحق الشعب الفلسطيني بالكفاح والنضال، حتى استعادتها كاملة، والدولة هي السيادة والحرية والاستقلال والكرامة والعدل والمساواة. وما تقوم به السلطة يحرف ويضلل ويسيئ إلى تلك الرموز الوطنية، تماما كما تفسد قضيتنا العادلة وتحرفها، وكما تنهي نضالنا الوطني المستقبلي، وتبعثر ما تراكم منه على مدار الأعوام الماضية، وكأنها مرض خبيث، يفتك بنا وبقضيتنا، يجب انتزاعه بأسرع وقت ممكن.