حان وقت محاكمة بني غانتس

حان وقت محاكمة بني غانتس

13 مارس 2024
+ الخط -

زار وزير حكومة الطوارئ وعضو مجلس الحرب الصهيوني، بني غانتس، كلًّا من الولايات المتّحدة وبريطانيا زيارةً غير رسميةٍ، شهدت لقاءاتٍ مع كبار أعضاء حكومة جو بايدن، نائبة الرئيس كامالا هاريس، ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان، ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، ووزير الدفاع لويد أوستن، فضلاً عن لقائه مع مشرّعين أميركيين من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، ختمها بلقاء وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون في لندن.

أثارت زيارة غانتس واشنطن ولندن حفيظة رئيس وزراء الاحتلال الصهيوني، بنيامين نتنياهو، وأعضاء حكومته، كما دلّت على دعم واشنطن تولي غانتس رئاسة وزراء الاحتلال خلفًا لنتنياهو، وهو أمرٌ سابقٌ للزيارة، إذ لم تخفِ الولايات المتحدة هذا الدعم منذ أشهرٍ عديدةٍ تعود بنا إلى ما قبل 7 أكتوبر (2023)، كما في الانتخابات الصهيونية التي اتهم فيها نتنياهو وحلفاؤه واشنطن بالتدخّل فيها.

من هنا، يعتقد الكاتب أنّ زيادة غانتس جزءٌ من الخطة الأميركية لما يعرف باليوم التالي للعدوان على قطاع غزّة وكلّ فلسطين، التي لا تختلف كثيرًا عن المشروع الأميركي لتصفية القضية الفلسطينية قبل عملية طوفان الأقصى، إذ تستند الخطة إلى استئناف مسار التطبيع الإقليمي مع الاحتلال الصهيوني أولاً، وتصفية القضية الفلسطينية بأسلوبٍ ناعمٍ ثانيًا، من خلال الموافقة على تأسيس كيانٍ فلسطيني رخوٍ، يمكن وصفه بالدولة الفلسطينية، منزوع السيادة الأمنية والاقتصادية والسياسية، مكلف بمهامّ أمنيةٍ واضحةٍ تجاه حماية الاحتلال، وتحت سيطرةٍ صهيونيةٍ مباشرةٍ أمنياً واقتصادياً وسياسياً.

غانتس شريك نتنياهو الأهمّ في جريمة الإبادة الجماعية المرتكبة بحقّ شعب فلسطين في قطاع غزّة، وفي سائر أرض فلسطين

واجه المشروع أو الخطة الأميركية صعاباً جمّة، خصوصاً بعد عملية طوفان الأقصى، الأمر الذي دفع الولايات المتّحدة إلى إنعاش خطتها قبل وفاتها، وهو ما تجسّد في ثلاثة مساراتٍ متوازية، أولها؛ توجيه ضربةٍ أمنيةٍ وعسكريةٍ قاصمة لحركة حماس، ولفصائل المقاومة الفلسطينية، والمجموعات المقاومة في كلّ فلسطين؛ الضفّة الغربية وقطاع غزّة تحديدًا، بغرض الحد من تداعيات "طوفان الأقصى" قدر الإمكان. ثانيها؛ شيطنة أو بالأصح دعشنة صوت الحقّ الفلسطيني، سواء الساعي إلى فضح جرائم الاحتلال الحالية أو السابقة، أو المتمسك بالحقوق الفلسطينية كاملةً أو جزئيًا، أو الصوت المؤكد على حقّ شعب فلسطين في مقاومة الاحتلال بكافة الوسائل الممكنة، بما فيها الوسائل العنيفة، أو الداعي إلى مقاومة الاحتلال بالوسائل السلمية والقانونية فقط. ثالثها؛ تهيئة البيئة الصهيونية الملائمة للمضي بالمشروع أو الخطة الأميركية، وهو ما يتطلّب إقصاء (أو تقليص دور) رئيس وزراء الاحتلال الحالي نتنياهو عن المشهد السياسي الصهيوني، رفقة حلفائه من تيارات الصهيونية الدينية، بزعامة كلٍّ من إيتمار بن غفير، وبتسلئيل سموتريتش.

انطلق الاعتقاد السائد أميركيًا قبل 7 أكتوبر من إمكانية تأجيل تطبيق تلك الخطّة، خصوصاً في ما يتعلق بحل القضية الفلسطينية، مع سعيها إلى دفع مسار التطبيع الإقليمي قدماً، لأهدافٍ أميركيةٍ استراتيجية على المستويين، الإقليمي والدولي. لذا وعلى الرغم من الانزعاج الأميركي الواضح من حكومة الاحتلال برئاسة نتنياهو، ومن حلفائه في تيارات الصهيونية الدينية، إلّا أنّهم لم يكونوا مصدر قلقٍ لها، لأنّهم لم يعطّلوا مسار التطبيع الإقليمي أولاً، كما أنّ تجاوزاتهم وجرائمهم اليومية بحقّ شعب فلسطين وأرضها تخدم الغرض الأميركي النهائي، المتمثّل في تصفية القضية الفلسطينية. بناء عليه، لم تصر أميركا على أيّ مسارٍ سياسيٍ بهذا الشأن، بل كانت تنتظر انتهاء ولاية الحكومة الصهيونية، على أمل أن تخلفها حكومةٌ مقربةٌ منها، أو على أمل أن تنجح الحكومة الحالية في تصفية القضية ميدانيًا، رغم صعوبة تحقيق ذلك في مدىً ضيق نسبيّاً.

لكن وبعد "طوفان الأقصى" كان لا بدّ من تحرّكٍ أميركيٍ سريعٍ للحدّ من تداعيات العملية سياسيّاً، التي أعادت طرح القضية الفلسطينية قضية تحررٍ وطنيٍ، وهو ما يتطلّب التعاون مع حكومةٍ صهيونيةٍ تتوافق مع أميركا ومخطّطاتها، وهو ما يتوفر في بني غانتس. أي أنّ استبدال غانتس بنتنياهو ليس لأجل منح الفلسطينيين حقوقهم، بل لتصفية القضية الفلسطينية التي فشل نتنياهو في تحقيقها بأسلوبه الفج. في سبيل ذلك، تعمل الإدارة الأميركية منذ مدةٍ طويلةٍ، وخصوصا بعد 7 أكتوبر، على تقديم بني غانتس مخلّصاً أوحد لأزمة الاحتلال الصهيوني الداخلية، وللقضية الفلسطينية، وكأنه رجل السلام والقائد الوفي لحاضنته الشعبية ومشروعها وطموحاتها وأهدافها.

لم يخفِ غانتس يوماً سعيه إلى تصفية القضية الفلسطينية، بل أكّد مراراً وتكراراً على رفضه المطلق حلّ الدولتين وفق القرارات الدولية

عمليًا؛ غانتس شريك نتنياهو الأهمّ في جريمة الإبادة الجماعية المرتكبة بحقّ شعب فلسطين في قطاع غزّة، وفي سائر أرض فلسطين، كما يحفلُ تاريخه الإجرامي بعشرات جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية، منها ما يمكن اعتبارها جريمة إبادةٍ جماعيةٍ أيضاً، فمثلاً قاد غانتس في عامي 2012 و2014 جيش الاحتلال في عدوانيه المعروفين باسميهما "عمود السحاب" و"الجرف الصامد"، اللذين خلّفا مجتمعين أكثر من 1600 شهيد فلسطيني مدنيّ، منهم أكثر من ألف طفلٍ. كما تباهى غانتس بدوره في هذه الجرائم لاحقاً في متن تسجيلٍ مصوّرٍ بثه في سياق حملته الانتخابية، قال فيه بفخرٍ عن دوره في "الجرف الصامد": "قتلنا 1364 إرهابيًا في قطاع غزّة... وأعدنا القطاع إلى العصر الحجري".

لا تختلف كلمات غانتس وسلوكه هذا عن نظرائه في حكومة الاحتلال الحالية، بل تتطابق كلّيًا مع كلّ التصريحات العنصرية والإجرامية التي أطلقها يوآف غالانت ونتنياهو وبن غفير وسموتريتش وسواهم. فضلاً عن ذلك يتحمّل غانتس مسؤوليةً سياسيةً وقانونيةً عن جرائم الاحتلال الحالية، على اعتباره وزيراً في حكومة الطوارئ الصهيونية، وعضواً في مجلس الحرب الحالي، فضلاً عن تصريحاته التي تدعم عدوان الاحتلال وممارساته الإجرامية.

تعمل الإدارة الأميركية منذ مدةٍ طويلةٍ، وخصوصاً بعد 7 أكتوبر، على تقديم بني غانتس مخلّصاً أوحد من أزمة الاحتلال الصهيوني الداخلية، وللقضية الفلسطينية

سياسيّاً؛ لم يخفِ غانتس يوماً سعيه إلى تصفية القضية الفلسطينية، (يمكن العودة إلى لقائه في معهد واشنطن للدراسات عام 2022)، بل أكّد مراراً وتكراراً على رفضه المطلق حلّ الدولتين وفق القرارات الأممية، داعياً إلى تبنّي رؤيةٍ مقاربةٍ يمكن وصفها كذلك بـ"حلّ الدولتين"، لكنها لا تتضمّن دولةً فلسطينيةً حقّاً، بل كياناً فلسطينيّاً، يحقّ للفلسطينيين وصفه بما يحلو لهم، كيان أو دولة أو حتّى إمبراطورية؛ وفق غانتس، المهم هنا استمرار السيطرة الأمنية الصهيونية والعملياتية، يتبعها العمل على تحسين ظروف الفلسطينيين الاقتصادية والمعيشية. كما يؤكّد غانتس على أن القدس الموحدة عاصمةً للاحتلال، مع إمكانية منح الفلسطينيين عاصمةً لهم فيها أيضاً، ويرفض الانسحاب الصهيوني من كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 قائلاً "حدود 1967 لن تعود"، بل يطالب بسيطرةٍ صهيونيةٍ على غور الأردن أيضًا.

إذاً، بني غانتس مجرم حربٍ قديم، يشاطر نتنياهو وأعضاء حكومته مسؤوليتهم السياسية والقانونية عن جريمة الإبادة الجماعية المرتكبة حالياً بحقّ الفلسطينيين، كما يشاطر شريكه/ زميله الحالي في الحكومة نتنياهو مشروعه السياسي الساعي إلى تصفية القضية الفلسطينية، وإلى بسط سيطرة الاحتلال الأمنية الكاملة على أيّ كيانٍ فلسطينيٍ محتملٍ، فضلاً عن السيطرة الاقتصادية والسياسية طبعاً، رغم اختلافهما النسبي بشأن أسلوب تحقيق ذلك. ذلك كله يجعل من غانتس نتنياهو جديدا، أو بالأصحّ نتنياهو بوجهٍ جديدٍ خضع لعمليات تجميلٍ أميركيةٍ، لتسويقه دوليّاً وللتحايل على موجات الدعم الشعبي العارمة لفلسطين وقضيتها وحقوق شعبها حول العالم، وهو ما يتطلّب منا في المقابل فضح غانتس وكشف حقيقته، بل ومحاكمته إن أمكن، على اعتبار هذا جزءاً من إفشال المخطط الأميركي الصهيوني لتصفية القضية الفلسطينية.