الصورة الرصينة الكاذبة

الصورة الرصينة الكاذبة

07 يناير 2019

(صفوان داحول)

+ الخط -
مفارقةٌ مؤلمةٌ لشدة دقّتها، تنطوي عليها مقولةٌ دارجةٌ هذه الأيام في المجتمع الأردني، يردّدونها من باب السخرية السوداء... يتحفّظ العريس في العادة على ذكر اسم العروس على بطاقة الدعوة للعرس، ويستبدل الاسم بكلمة "كريمة فلان"، من باب أنه حمش ذو عزة وكبرياء. غير أن العريس ذاته، وحين يتقدم لبنك للحصول على قرض، تشارك الزوجة في تسديده من راتبها الضئيل، لن يتوانى عن ذكر اسمها رباعيا، مشفوعا بالوثائق الرسمية، من دون أن ينتابه أي حرجٍ من أي نوع، انطلاقا من أن للضرورة أحكاما. لا يمكن بأي حال تفسير هذا التناقض والازدواجية الذي يكتنف نظرة المجتمعات العربية القاصرة إلى المرأة، لأن هناك ارتباكا وتخبطا في التعامل مع المرأة التي قفزت خطواتٍ واسعة في سبيل تطوير ذاتها، فحازت أعلى الدرجات العلمية، ووصلت إلى أهم المناصب، غير أنها لم تتمكن من نيل حريتها على المستوى الشخصي، وظلت أسيرة مجموعةٍ من التقاليد والأعراف والأفكار المهترئة التي تضعها في المرتبة الثانية من السلّم الاجتماعي، حتى ولو أضمر المجموع إعجابا واحتراما لمنجزها الأكاديمي، يحاول الرجل الحفاظ على تفوّقه الاجتماعي، من خلال ممارسة سلطةٍ يستمد شرعيتها من العرف السائد الذي يحاول حشر المرأة في منطقة العيب والمحظور، فيتدخل في مظهرها، ويعتبره مقياسا لأخلاقها إذا حادت عنه قيد أنملة، فإنها تتعرّض للإدانة والتجريح. 

تتواطأ المرأة مع هذا التصنيف الذي قد يشكل مخرجا لها في حراكها اليومي، في ظل مباركة المجموع مظهرها الرصين الملتزم الذي لن يحميها من محاولة التحرّش، سواء في الشارع أو بيئة العمل أو الجامعة، لأن هناك نماذج قبيحة من الرجال تمنح نفسها هذا الحق. وينطبق الأمر أيضا على العلاقات الافتراضية في مواقع التواصل، إذ يتوهم بعض الحمقى أن وجود سيدة ما، بغضّ النظر عن مستواها الفكري، على مواقع التواصل، مبرّر كاف لمضايقتها، والتطفل على خصوصياتها. وفي العادة، يمنع هذا النموذج الرث من الرجال نساءهم من الظهور في هذا الفضاء الأزرق، فتلجأ زوجاتٌ مقهوراتٌ كثيراتٌ إلى فتح حساباتٍ وهميةٍ بأسماء مستعارة، تمكّنهن من التنفيس عن الكبت والقمع الذي يرزحن تحته، وكذلك الإطلالة على حسابات أزواجهن الذين يكتبون قصائد الحب واللوعة للأخريات، ويتصرّفون بطيش ورعونةٍ لا تنسجم مع الصورة الرصينة الكاذبة التي يحاولون تكريسها في بيوتهم. وقد حدث مراتٍ عديدة أن تحرّشت تلك النساء بأزواجهن من خلف أسمائهن المستعارة، وسردن قصصا صادمة عن سرعة الاستجابة، واستمعن منهم إلى عبارات الغزل، ومرّ الشكوى من معاناتهم مع زوجاتٍ متخلفاتٍ، لا يتكافأن معهم في المستوى الثقافي، ويفتقرن إلى الأحاسيس المرهفة والأنوثة والرّقة المفرطة، ما يضطرهم إلى السعي وراءها خارج البيت.
مأزق خطير يعيشه بعض الرجال العرب، لن يتحرّروا منه قبل أن يتعلموا احترام المرأة كيانا مستقلا حرا، والتفكير ألف مرة قبل أن ينتهكوا خصوصيتها، ولو افتراضيا، كما يحدث دائما حين يتطفل بعضهم على النساء، بذريعة الصداقة البريئة. وعلى المرأة كذلك أن تفرض نفسها في كل المحافل كائنا جادّا محترما، يملك الحق في التعبير والمشاركة في الحياة العامة، وأن تكفّ بعض النساء ممن يسئن إلى فكرة الأنوثة عن التصرّف كأنهن طرائد سهلة تنتظر قنّاصها.
AD06A645-8A0A-4B42-9292-5FC44B5D51C6
بسمة النسور

كاتبة أردنية، تحمل الليسانس في الحقوق، صدر لها ست مجموعات قصصية، وكتبت نصين مسرحيين. تكتب في الصحافة العربية منذ 1990، وتشغل موقع رئيسة تحرير مجلة "تايكي" المتخصصة بالإبداع النسوي.