يعيش الملك... يموت الوطن

يعيش الملك... يموت الوطن

16 سبتمبر 2018

مكتب رئيس جامعة آل البيت الأردنية بعد الطرد (يوتيوب)

+ الخط -
يختصر الهتاف بحياة الملك حكاية الفيديو الأردني الذي ضجّت به وسائل التواصل الاجتماعي قبل أيام، عن اقتحام موظفين وأكاديميين مكتب رئيس جامعة أردنية، وطرده من الجامعة كلها، على نحو مهين، أثار غضب كل من شاهد الفيديو، بصرف النظر عن الدافع الذي حمل رهط المقتحمين على هذا التصرّف.
كان المشهد صادمًا، حين اندفع الرهط إياه داخل غرفة الرئيس، وأحاط به، وراح يأمره بالمغادرة، تحت طائلة التهديد، ولم يكن ينقصُه غير حمل الهراوات والمشارط، ليكتمل مشهد "التشبيح". وفي خضم هذا "الهجوم" المدجّج بـ"ألسنة اللهب" الحارق، المنبعث من أفواه عصابة الاقتحام، لم يكن أمام الرئيس الوقور، إلا أن يدوس على شهاداته وأوسمته، ويغادر الجامعة مخذولًا.
أما "المسك" الذي ختمت به العصابة مشهد الطرد، فكان هتافها المجلجل، وهي تتابع خطوات رحيل رئيس الجامعة: "يعيش جلالة الملك"، والذي قلنا إنه يختصر حكاية الفيديو برمتها؛ وكأن عصابة الاقتحام تلتمس بهذا الهتاف مسوّغًا ومبرّرًا للفعل الشنيع الذي أقدمت عليه.
والحال أن هذا الهتاف لا يختصر حكاية الفيديو وحسب، بل الحكاية الأردنية برمتها، منذ نشأة الإمارة، بمحمولاتها ومركّباتها العشائرية والقبلية والجهوية والمناطقية التي راح كل منها يستقوي بالملك على الآخر، ويشرعن لنفسه كسر القوانين برمّتها، ما دام يجهر بالولاء للملك.
على قاعدة هذا "الولاء"، سوّغت عصابة الاقتحام الجامعية لنفسها ما أقدمت عليه، وكأنها تبغي إيصال رسالةٍ مفادها: "نحن نتحرّك باسم الملك، ولدينا ضوء أخضر بأن نفعل ما نشاء، ما دمنا نهتف للملك"، وهي القاعدة نفسها التي انطلقت منها "عصاباتٌ" أخرى مماثلة، ارتكبت جرائم اقتصادية ومجتمعية خطرة، لا تقف عند رموز كبيرة اتهمت بالاختلاس المالي، وفاحت روائح فضائحها في كل اتجاه، وليس آخرها، بالطبع، قضية تزوير علب التبغ المستورد، وتسهيل فرار بطلها إلى خارج المملكة؛ فليس هؤلاء مقصدنا في هذا المقام، لأن الفساد الفردي لا يقتصر على بلدٍ بعينه، على الرغم من أن سائر هذه الرموز كانت تهتف بحياة الملك، أيضًا.
ما يعنينا، هنا، نمط التفكير الجمعي الأردني، القائم على تجاوز القانون باسم "العشيرة الملكية"، لا من حيث الانتماء للسلالة الحاكمة، بل الولاء الظاهر لها، والهتاف باسمها، وهو الولاء الذي يوظّف للاستقواء والتنمّر على الآخرين، ويرى فيه مدّعو الولاء مسوّغًا للاعتداء، حتى على رقباء السير، كما حدث أخيرا من أفراد إحدى العشائر خلال موكب عرس؛ فالعشيرة بنظرهم أعظم من قوانين السير كلها، فلا يحقّ لأي شرطي أن يخالف موكب أفراحها؛ لأنه موكبٌ يستمدّ هيبته من "موكب الزعيم" نفسه الذي تردّد له شعارات الولاء، ليل نهار، وهي القاعدة نفسها التي تمنح الحق لطلبة جامعيين من عشيرةٍ معينة، أن يقتحموا الجامعة الأردنية الأم، بالسيوف والبلطات؛ للثأر من طلبة ينتمون إلى عشيرة أخرى على خلاف معهم، مع ترديد الهتافات للملك، طبعًا.
أما الأخطر من ذلك فهو استقواء عصابات الشد العكسي بالملك، الشدّ المناوئ لمسيرة الإصلاح السياسي التي أطلقها الملك نفسه، بأوراقه النقاشية، وهي جماعاتٌ كثيرًا ما تظهر، خلال التظاهرات الاحتجاجية، عمومًا، حيث يصطفّ أفرادها على الطرف المقابل للتظاهرة الاحتجاجية، ولا يهتفون إلا بشعار واحد: "يعيش جلالة الملك"، وهدفهم التخريب، فقط، وكأنهم يبعثون رسالةً إلى المحتجّين مفادها: "الملك لا يريد الإصلاح".
عمومًا، لم تنته بعد الحكاية الأردنية، فهي مفتوحةٌ على مزيد من التجاوزات وكسر القوانين، ما دام العقل الجمعي يرى في هذا الهتاف ملاذًا ومسوّغًا لاقتراف الموبقات. ولديّ قناعة أن من يسوّغون موبقاتهم بهذا الهتاف إنما يضعون أنفسهم في مواجهة مباشرة مع الملك نفسه، الذي عليه أن يكون فيصلًا بين الولاء القائم على الإصلاح (وخدمة الوطن) الولاء التخريبي، القائم على شعارات التهريج فقط، وما لم يتّخذ الملك خطوة بهذا الاتجاه، سيكون المقابل الموضوعي لهذا الهتاف التهريجي سقوط الوطن.
EA8A09C8-5AE7-4E62-849E-5EBF1732C5FF
باسل طلوزي

كاتب وصحافي فلسطيني. يقول: أكتب في "العربي الجديد" مقالاً ساخراً في زاوية (أبيض وأسود). أحاول فيه تسليط الضوء على العلاقة المأزومة بين السلطة العربية الاستبدادية عموما والشعب، من خلال شخصيتين رئيسيتين، هما (الزعيم) والمواطن البسيط (فرج). وفي كل مقال، ثمة ومضة من تفاصيل هذه العلاقة، ومحاولة الخروج بعبرة.